أنا متخرج من كلية الحقوق ، والقوانين المعمول بها عندنا وضعية ، وليست الشريعة الإسلامية ، إلا في أشياء معينة كقضايا الميراث أو الأحوال الشخصية .
فما حكم عملي في المحاماة في ظل هذه القوانين؟
العمل في المحاماة في ظل القوانين الوضعية
السؤال: 112144
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
يجب على حكام المسلمين أن يحكموا بشرع الله تعالى ، ولا يحل لهم تنحية شرع الله وتطبيق قوانين من وضع البشر بدلاً منه ، فإن هذا يهدم أصلاً من أصول هذا الدين ، وهو أنه لا أحد أحسن حكماً من الله تعالى .
قال الله تعالى : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) يوسف/40 .
وقال : (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/50.
وقال : (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) التين/8 .
وللأسف فإن عامة الدول الإسلامية – إلا ما ندر – أعرضوا عن شريعة الله ، وأحلوا محلها شريعة الشيطان ، متمثلة في القوانين الوضعية التي استوردوها من الغرب .
حتى صارت الأحكام الشرعية الربانية لا وجود لها في أكثر دول المسلمين ، حتى المواريث والأحوال الشخصية ، امتدت إليها أيدي العابثين وبدلوا فيه وغيروا ، (فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) البقرة/79 .
ثانياً :
الأصل أنه لا يجوز العمل في كل ما يتعلق بهذه القوانين لا في مجال القضاء ولا النيابة ولا المحاماة ، بل ولا يجوز لعامة المسلمين التحاكم إليها أصلا إلا عند الضرورة .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : ما حكم تحكيم القضاء الأمريكي في النزاع بين المسلمين ، أمور الطلاق والتجارة وغيرها من الأمور ؟
فأجابوا : “لا يجوز للمسلم التحاكم إلى المحاكم الوضعية إلا عند الضرورة إذا لم توجد محاكم شرعية ، وإذا قضي له بغير حق له فلا يحل له أخذه ” انتهى من ” فتاوى اللجنة الدائمة” (23/502) .
هذا من حيث الأصل ، ولكن اعتبارا لقواعد الضروريات والحاجيات في استيفاء الحقوق ، وتقليل المفاسد ، ودفع المظالم عن المسلمين ، فيجوز للمحامي أن يعمل في هذا المجال بشروط:
الأول: أن يتبرأ إلى الله تعالى من هذه القوانين ، ومن واضعيها ، ومن التحاكم إليها دون ضرورة.
الثاني : ألا يترافع في القضايا التي يحكم فيها بحكم يناقض حكم الله ويضاده ، فلا يترافع مثلا في قضايا تتضمن الدفاع عن الزناة والسُرَّاق وآكلي الربا ونحوهم ، فلا يجوز له – بصفة عامة – الترافع إلا بعد معرفة مشروعية الدعوى ومضمونها ويتأكد من كون القضية بصفة عامة لا مخالفة فيها لشرع الله تعالى.
وهذا يتطلب من المحامي أن يكون على علم بالشرع حتى يعرف به المحق من المبطل ، وحتى يمكنه الإصلاح بين الناس وإبرام العقود الموافقة للشرع .
الثالث : أن يكون ترافعه من أجل إحقاق حق أو إبطال باطل ، أو نصرة المظلوم ، فإن رأى أن الحق مع مُوكِلِّه ، دافع عنه وانتصر للحق.
فصاحب الحق قد يكون مضطراً للتحاكم إلى هذه القوانين لئلا يضيع حقه ، فماذا يفعل من اعتدي على ماله أو عرضه ، ولا سبيل له لأخذ حقه إلا عن طريق هذه القوانين الوضعية ؟
فلا يمكن منع الناس من التحاكم إلى هذه القوانين ، فإن ذلك يجعل الناس يأكل بعضهم بعضاً ، وتصير البلاد فوضى ، لا يأمن فيها أحد على نفسه أو ماله أو أهله أو حقه .
وفي هذه البلاد التي لا تحكم بشرع الله يحتاج الناس إلى المحامي الصادق الأمين الذي يتوكل عنهم في القضايا لاسترداد حقوقهم المغصوبة .
وأما إن رأى أن الحق على موكله ، لزِمَه بيان ذلك له ، ونصحه بترك الدعوى ورد الحقوق إلى أهلها ، ولا يتوكل عنه .
الرابع : أن يتعذر استيفاء الحقوق ودفع المظالم من غير طريق هذه المحاكم الوضعية ، أما إن وجد غيرها من محاكم شرعية أو تحكيم شرعي يتولاه العلماء والفقهاء ، فلا يجوز التحاكم إليها مطلقاً .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ما حكم عمل المسلم الذي يدرس القانون الوضعي ؛ ثم يفتح مكتباً للمحاماة ويقف مرافعاً أمام المحاكم المدنية لإدارات الشركات ؟ وما حكم ما يجمعه من مال ؟
فأجاب : “وضع القوانين المخالفة للشرع مكان الشرع كفر؛ لأنه رفع للشرع ووضع للطاغوت بدله ، وهذا يدخل في قوله عز وجل : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) … ، وأما تعلم الإنسان للقوانين الوضعية ، إذا كان يتعلمها من أجل أن يدفع الباطل بالحق ؛ فهذا لا بأس به ، وإذا كان يتعلمها من أجل أن يتبع ما فيها من القوانين المخالفة للشرع ؛ فهذا حرام.
وفي هذا نقول : حتى المحاماة في بلد تحكم الشريعة فيه نقول: إذا كان المحامي يريد إيصال الحق إلى أهله : فلا بأس أن يمارس هذه المهنة ، وإن كان يريد أن يغلب الناس في قوله ومحاماته بالحق أو بالباطل : فهذا حرام ” انتهى باختصار من “لقاء الباب المفتوح” (33/6).
ثم إنه ليس عمل المحامي كله مخالفاً للشرع ، فهناك الاستشارات القانونية ، وصياغة العقود ، ومجالس الصلح بين الناس ، والقوانين التي لا تخالف الشريعة الإسلامية كالنظم الإدارية ونحوها.
ولو ترك أهل الخير والصلاح العمل في مهنة المحاماة ؛ لخلا الجو لهؤلاء الذين لا أمانة لديهم .
نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب