ما صحة حديث : ( من اعتذر إليه أخوه المسلم فلم يقبل عذره ، فعليه مثل صاحب مكس ) ؟
أحاديث الوعيد على من لم يقبل اعتذار أخيه المسلم
السؤال: 116388
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
ورد في عظم إثم من يرد اعتذار أخيه المسلم خمسة أحاديث ، ولكنها كلها ضعيفة لا تصح :
الحديث الأول : عَنْ جُودَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ اعْتَذَرَ إِلَى أَخِيهِ بِمَعْذِرَةٍ ، فَلَمْ يَقْبَلْهَا كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ خَطِيئَةِ صَاحِبِ مَكْسٍ ) .
رواه أبو داود في “المراسيل” (رقم/521) ، وابن ماجه في “السنن” (رقم/3718) ، وابن حبان في “روضة العقلاء” (ص/182) ، والطبراني في “المعجم الكبير” (2/275) ، والبيهقي في “شعب الإيمان” (6/321) ، وغيرهم . رووه جميعا من طريق وكيع ، حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن ابن ميناء – وهو العباس بن عبد الرحمن بن ميناء – عن جودان به .
يقول الشيخ الألباني في “السلسلة الضعيفة” (رقم/1907) : ” العباس بن عبد الرحمن بن مينا ليس بالمشهور ، ولم يوثقه غير ابن حبان ، ولذلك قال الحافظ في “التقريب” : ” مقبول ” .
وجودان : لم تثبت له صحبة ، وقال أبو حاتم : ” جودان مجهول ، وليست له صحبة ” .
وفي “التقريب” : ” مختلف في صحبته ، و ذكره ابن حبان في ثقات التابعين ” انتهى .
الحديث الثاني : عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما بنحو الحديث السابق .
من طريق أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه ، وقد ورد عن أبي الزبير من طريقين اثنين:
1- من طريق الليث حدثني إبراهيم بن أعين ، عن أبي عمرو العبدي ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
رواه الطبراني في “المعجم الأوسط” (8/283) والبيهقي في “شعب الإيمان” (6/321) ، وقال الطبراني: ” لم يرو هذا الحديث عن أبي الزبير إلا أبو عمرو العبدي ، ولا عن أبي عمرو إلا إبراهيم بن أعين ، تفرد به الليث ” انتهى .
قال الهيثمي في “مجمع الزوائد” (8/155) : ” فيه إبراهيم بن أعين وهو ضعيف ” انتهى .
وضعفه العراقي رحمه الله في “تخريج أحاديث الإحياء” (2/138) .
2- من طريق الحسن بن عمارة عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه .
رواه الحارث في المسند – كما في “بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث” (1/269) – قال : حدثنا حفص بن حمزة ، ثنا سيف بن محمد الثوري ، عن الحسن بن عمارة .
ورواه ابن حبان في “الثقات” (8/388) ثنا أبو بدر ، ثنا عمي الوليد بن عبد الملك بن عبيد الله بن مسرح ، ثنا أبي عن الحسن بن عمارة عن أبي الزبير ، عن جابر رضي الله عنه .
وهذا إسناد ضعيف جدا بسبب الحسن بن عمارة ، فقد اتفق العلماء على تركه وضعفه .انظر : “تهذيب التهذيب” (2/307) .
الحديث الثالث :
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( عفوا تعف نساؤكم ، وبروا آباءكم يبركم أبناؤكم ، ومن اعتذر إلى أخيه المسلم من شيء بلغه عنه فلم يقبل عذره لم يَرِدْ عَلَيَّ الحوض ) .
رواه الطبراني في “المعجم الأوسط” (6/241) وقال : ” لم يرو هذا الحديث عن عامر بن عبد الله بن الزبير إلا عبد الملك بن يحيى بن الزبير ، تفرد به خالد بن يزيد العمري ” انتهى .
قال الهيثمي في “مجمع الزوائد” (8/81) : ” فيه خالد بن زيد العمري وهو كذاب ” انتهى .
الحديث الرابع :
حديث أنس بن مالك بنحو حديث عائشة السابق .
أخرجه ابن عساكر في سباعياته -كما قال السيوطي في اللآلئ المصنوعة (2/190)- من طريق أبي هدبة الفارسي ، عن أنس بن مالك .
وأبو هدبة الفارسي هو إبراهيم بن هدبة : وهو كذاب ، قال ابن حبان في المجروحين (1/114) : ” إبراهيم بن هدبة ، أبو هدبة ، شيخ يروي عن أنس بن مالك : دجال من الدجاجلة ، وكان رقاصا بالبصرة ، يُدعَى إلى الأعراس فيرقص فيها ، فلما كبر جعل يروي عن أنس ويضع عليه ” انتهى .
وقال الشيخ الألباني في “ضعيف الترغيب” (2/119) : ” موضوع ” انتهى .
وكذا في “السلسلة الضعيفة” (رقم/2043) .
الحديث الخامس :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( عفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم ، وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم ، ومن أتاه أخوه متنصلا فليقبل ذلك منه ، محقا كان أو مبطلا ، فإن لم يفعل لم يَرِدْ عليَّ الحوض ) .
رواه الحاكم في “المستدرك” (4/154) وقال : ” هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ” ، وتعقبه الذهبي بقوله : ” بل سويد ضعيف ” انتهى .
وقال المنذري في “الترغيب والترهيب” (3/218) : ” سويد عن قتادة ، هو ابن عبد العزيز : واهٍ ” انتهى .
وقال الشيخ الألباني في “السلسلة الضعيفة” (رقم/2043) : ” ضعيف الإسناد ” انتهى .
والحاصل : أن جميع الروايات الواردة في هذا الباب ضعيفة لا تصح .
ثانيا :
إن ضعف الأحاديث الواردة في الوعيد على من لم يقبل عذر أخيه ، لا يعني أن ذلك غير مطلوب ، بل قبول معذرة المعتذر من مكارم الأخلاق ، وأسباب المحبة والمودة .
قال ابن حبان رحمه الله في ” روضة العقلاء ونزهة الفضلاء” (1/183) : ” فالواجب على العاقل إذا اعتذر إليه أخوه لجرم مضى ، أو لتقصير سبق ، أن يقبل عذره ويجعله كمن لم يذنب ؛ لأن من تنصل إليه فلم يقبل أخاف أن لا يرد الحوض على المصطفى صلى الله عليه وسلم .
ومن فرط منه تقصير في سبب من الأسباب يجب عليه الاعتذار في تقصيره إلى أخيه .
ولقد أنشدني محمد بن عبد الله بن زنجي البغدادي …
إذا اعتذر الصديق إليك يوما … من التقصير عذر أخ مقر
فصنه عن جفائك واعف عنه … فإن الصفح شيمة كل حر ” انتهى .
وقال الإمام الغزالي رحمه الله :
” أما زلته في حقه – يعني زلة الأخ في حق أخيه – بما يوجب إيحاشه : فلا خلاف في أن الأَوْلى العفو والاحتمال ، بل كل ما يحتمل تنزيله على وجه حسن ، ويتصور تمهيد عذر فيه ، قريب أو بعيد ، فهو واجب بحق الإخوة ” انتهى .
“إحياء علوم الدين” (2/185-186) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب