0 / 0

قوله تعالى : ( أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون )

السؤال: 118987

يروي الإمام الذهبي ـ رحمه الله ـ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال :
( خلق الله أربعة أشياء بيده : العرش ، والقلم ، وآدم ، وجنة عدن ، ثم قال لسائر الخلق : كن فكان ) الدارمي في رده على المريسي (ص90) ، الأسماء والصفات للبيهقى (ص233)
لكننا نجد في سورة يس ، آية/71 أن الله تعالى يقول : ( أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعامًا فهم لها مالكون ) ، فأرجو توضيح هذا الأمر .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً :

الحديث المذكور في السؤال ، قد سبق الجواب عليه في جواب السؤال رقم : (117279) .

ثانياً :

هذه الآية من سورة ” يس ” لا تدل على أن الله سبحانه وتعالى خلق الأنعام بيده كما خلق آدم عليه السلام بيده ، فمن تأمل قوله عز وجل : ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُوْن )يس/71 ، ظهر له من المعنى العام والسياق أن المقصود هو ذكر منّة الله تعالى على البشر بما خلق لهم من هذه الأنعام ، وليس المقصود النص على ذكر الخلق بـ    ” اليد ” التي هي صفة من صفات الله تعالى ، وذلك لعدة قرائن :

1-ذكر الأيدي بلفظ الجمع ، مضافاً إلى ضمير الجمع أيضاً ” نا ” الذي يقصد به التفخيم والتعظيم .

2-عدم تعدية الفعل ” عَمِل ” بالباء ، فلم يقل : عملنا بأيدينا ؛ لأن التعدية بالباء هي التي تؤكد إرادة الحقيقة في السياق ، كما جاء ذلك في قوله عز وجل : ( خَلَقْتُ بِيَدَيَّ )

3-ولو كان كل شيء خلقه الله بيده التي هي صفته سبحانه لما كان لخلق آدم بيده على سائر الخلق فضيلة ، ولاحتج إبليس على ربه عز وجل بقوله : وأنا خلقتني بيدك يا رب ، فلماذا أمرتني بالسجود لآدم ؟!!

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

” فقوله : ( لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) : لا يجوز أن يراد به القدرة ؛ لان القدرة صفة واحدة ، ولا يجوز أن يعبر بالاثنين عن الواحد ، ولا يجوز أن يراد به النعمة ؛ لأن نعم الله لا تحصى ، فلا يجوز أن يعبر عن النعم التي لا تحصى بصيغة التثنية ، ولا يجوز أن يكون : ” لما خلقت أنا ” ؛ لأنهم إذا أرادوا ذلك أضافوا الفعل إلى اليد ؛ فتكون إضافته إلى اليد : إضافة له إلى الفاعل ؛ كقوله : ( بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ ) ، و ( قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ ) ، ومنه قوله : ( مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاما) .

أما إذا أضاف الفعل إلى الفاعل ، وعدي الفعل إلى اليد بحرف الباء كقوله: ( لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) ، فإنه نص في أنه فعل الفعل بيديه .

ولهذا لا يجوز لمن تكلم أو مشى : أن يقال : ” فعلتَ هذا بيديك ” ويقال : ” هذا فَعَلَته يداك “؛ لأن مجرد قوله : ” فعلت ” كاف في الإضافة إلى الفاعل ، فلو لم يرد أنه فعله باليد حقيقة كان ذلك زيادة محضة من غير فائدة ” انتهى.

“مجموع الفتاوى” (6/366)

وقال ابن القيم رحمه الله :

” لفظ : ” اليد ” جاء في القرآن على ثلاثة أنواع : مفرداً ، ومثنى ، ومجموعاً :

فالمفرد كقوله : ( بِيَدِهِ المُلكُ )

والمثنى كقوله : ( خَلَقتُ بِيَدَيَّ )

والمجموع كقوله : ( عَمِلَت أَيدِينَا )

فحيث ذكر اليد مثناة أضاف الفعل إلى نفسه بضمير الإفراد ، وعدَّى الفعل بالباء إليهما ، فقال ( خلقت بيدي )

وحيث ذكرها مجموعة أضاف العمل إليها ، ولم يعد الفعل بالباء ، فهذه ثلاثة فروق ، فلا يحتمل ( خلقت بيدي ) من المجاز ما يحتمله : ( عملت أيدينا )

فإن كل أحد يفهم من قوله : ( عملت أيدينا ) ما يفهمه من قوله : عملنا ، وخلقنا . كما يفهم ذلك من قوله : ( فبما كسبت أيديكم )

وأما قوله : ( خلقت بيدي ) فلو كان المراد منه مجرد الفعل لم يكن لذكر اليد بعد نسبة الفعل إلى الفاعل معنى ، فكيف وقد دخلت عليها الباء ، فكيف إذا ثنيت !!

وسر الفرق أن الفعل قد يضاف إلى يد ذي اليد ، والمراد الإضافة إليه ، كقوله : ( بما قدمت يداك )، ( فبما كسبت أيديكم )

وأما إذا أضيف إليه الفعل ، ثم عدي بالباء إلى يده ، مفردة أو مثناة ، فهو ما باشرته يده ، ولهذا قال عبد الله بن عمرو : ( إن الله لم يخلق بيده إلا ثلاثا : خلق آدم بيده ، وغرس جنة الفردوس بيده ، وذكر الثالثة )

فلو كانت اليد هي القدرة لم يكن لها اختصاص بذلك ، ولا كانت لآدم فضيلة بذلك على شيء مما خلق بالقدرة .

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل الموقف يأتونه يوم القيامة فيقولون : ( يا آدم ! أنت أبو البشر ، خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأسجد لك ملائكته ، وعلمك أسماء كل شيء ، فاشفع لنا إلى ربك ) فذكروا أربعة أشياء كلها خصائص …

وهذا التخصيص إنما فهم من قوله : ( خلقت بيدي ) ، فلو كانت مثل قوله : ( مما عملت أيدينا ) لكان هو والأنعام في ذلك سواء ، فلما فهم المسلمون أن قوله : ( ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ) موجبا له تخصيصا وتفضيلا بكونه مخلوقا باليدين على من أمر أن يسجد له ، وفهم ذلك أهل الموقف حين جعلوه من خصائصه : كانت التسوية بينه وبين قوله : ( أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً ) خطأ محضاً ” انتهى.

“الصواعق المرسلة” (ص/75-76)

وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله :

” وليس المراد هنا الصفة الذاتية – بغير إشكال- ، وإلا استوى خلق الأنعام وخلق آدم عليه السلام ” انتهى.

“فتح الباري” لابن رجب (1/7)

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android