درست ” إدارة أعمال ” تخصص ” موارد مالية ” وعليه فأنا مؤهل للعمل في أي مكان يتعامل مع الأموال ، كالبنوك – مثلاً – ، ولكني بعد أن تخرجت انصدمت بأن هناك فتاوى تقول إن معظم البنوك تتعامل بالربا ، وأنه لا يمكن العمل فيها ، ليس ذلك فحسب ، بل إن هناك الكثير من الشركات ، والقطاعات تتعامل بالربا .
سؤالي هو : هل أنتم متأكدون من هذه الفتوى ؟ ما العمل إذن ؟ أين نذهب بهذه المؤهلات والشهادات ؟ هل ذهبت كلها أدراج الرياح ، أم أنه يتوجب عليَّ بعد هذه السنوات من الدراسة أن أعمل نادلاً في أي مقهى ؟ أنا أعلم أنكم ستقولون إن هناك بنوكاً إسلامية ، ولكني أظن أن هذا غير موجود ، وإنما مثل البنوك الإسلامية في هذه الأيام كمثل النبيذ الذي مر عليه ردح من الزمن ولكنه في قارورة جديدة ؟ أرجو التوضيح .
تخرَّج من تخصص ” موارد مالية ” ويشكو من عدم وجود فرص لعمل مباح
السؤال: 126130
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
نحتاج منك أن تخفف حدتك في الكلام ، وتهون على نفسك ، فلسنا نحن الذين أشرنا عليك بدخول الجامعة ، ولا دراسة ذلك التخصص ، ولا نحن الذين فرضنا هذه المناهج ، ولا نحن الذين أغرينا البنوك والشركات والأفراد بالتعامل بالربا ، وكان عليك أن تنظر أولاً أين تضع رجلك ثم تضعها، فكان عليك أن تسأل هذا السؤال قبل دخول الجامعة وتحديد التخصص .
ومع غضبك الواضح في رسالتك : إلا أننا أحببنا فيك حرصك على الالتزام بالحكم الشرعي ، وإلا فما الذي يجعلك تراسل موقع فتاوى لتسأله عن حكم عملك المستقبلي لولا أنك تريد طيب المكسب ، وحِلَّ اللقمة ؟ فنرجو أن لا يخيب ظننا بك أنك تريد الحق ، وتبحث عن مصدرٍ للكسب الحلال .
ثانياً :
نعم ، نحن متأكدون من تحريم العمل في البنوك الربوية – في جميع أقسامها – ، فلا يحل لمسلم أن يعمل في بنك ربوي ، ولو كان يعمل حارساً للبنك .
وانظر جوابي السؤالين : (26771) و (21113) .
ولبيان حكم العمل محاسباً في الشركات والمصانع : انظر جوابي السؤالين : (112175) و (103181) .
ومما يدعو للأسف والحزن أن كل من تخرَّج من مثل تخصصك لا يجد عملاً حلالاً بسهولة ؛ وذلك لكثرة وجود الربا في قطاعات كثيرة من أماكن العمل ، حكومية كانت ، أو خاصة .
وليست دراستك الجامعية بعذر لك حتى تباشر عملاً محرَّماً ، فالواجب على المسلم أن يعتني ويهتم بأن يكون كسبه حلالاً لأن (كل جسد نبت من حرام فالنار أولى به) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم .
ولنذهب معك إلى أسوأ ما تتوقعه أنت : فلتذهب تلك الشهادات أدراج الرياح ، والمهم أننا لا نغضب ربنا تعالى في أعمالنا ، ولا نكسب اللقمة الحرام .
والإنسان إذا ترك الدنيا كلها ـ لو كانت له ـ وفاز بجنة الخلد ، فهو بمنزلة من ترك حجراً لا قيمة له ، وأخذ جوهرة هي أثمن وأنفس ما يكون ، فهل يحق لهذا أن يحزن على ما تركه من الدنيا؟
ومع هذا ، فهناك مجالات للعمل المباح بشهاداتك ، فهناك “القنوات الفضائية الإسلامية” وهناك “البنوك الإسلامية” وهناك الشركات والمصانع والمؤسسات التي يملكها أهل الاستقامة ممن يتحرون الحلال في أعمالهم – وهم كثر ولله الحمد – ، كما يمكنك العمل في ” محل للصرافة ” ، …. إلخ . وهكذا في أعمال مباحة مثلها ، لا تخرج عن تخصصك ، ولا تضيع عليك سنوات دراستك في الجامعة .
ثالثاً :
قولك “أم أنه يتوجب عليَّ بعد هذه السنوات من الدراسة أن أعمل نادلاً في أي مقهى” : يستحق وقفة معه .
فأهل الاستقامة يبحثون عن الأعمال المباحة ، ولا تستهويهم المناظر والمظاهر على حساب دينهم والتزامهم بأمر ربهم تعالى ، فربَّ عامل في محطة “بنزين” ، أو “كهربائي” سيارات ، أو “سائق أجرة” أقرب إلى الله من كثير ممن يجلس على مكتب “رئيس مجلس إدارة” ، أو مكتب “مدير” ، أو حتى “رئيس” ، ودينار يكسبه أولئك من أعمالهم الحلال خير وأبرك من آلاف الدنانير التي يكسبها غيرهم ممن رضي العمل في وظيفة محرَّمة ، فالعبرة بما يرضاه الله ويبارِك فيه ، لا بما يَرضاه لك الناس ، ويثنون عليك به ، ولو كان مسبِّباً لسخط ربك ، ولهذا لا تعجب إن علمتَ أن هناك أئمةً وعلماء في دين الله تعالى عُرفوا بمهنهم وأعمالهم ، فمنهم من عمل في صناعة الأحذية ! “الإسكافي” ، ومنهم من عمل في تجارة الزيت ، بل أنبياء الله ورسله وهم أشرف البشر ، كانوا يعملون ليأكلوا من كسب أيديهم ، فزكريا عليه السلام كان نجاراً ، وداود عليه السلام ـ مع ما كان فيه من الملك ـ كان حداداً .
بل ما من نبي إلا رعى الغنم ، كما روى البخاري (2143) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الْغَنَمَ) فَقَالَ أَصْحَابُهُ : وَأَنْتَ ؟ فَقَالَ : (نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ) .
وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأكل الإنسان من عمل يده ، روى البخاري ( 1966 ) عَنْ الْمِقْدَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ) .
وقد ألَّف العلماء في بيان المكاسب الحلال ، والحث عليها ، والتحذير من الكسب الحرام مؤلفات كثيرة ، منها : كتاب “الكسب” للإمام محمد بن الحسن الشيباني ، وكتاب “الحث على التجارة والصناعة والعمل والإنكار على من يدعي التوكل في ترك العمل” للإمام الخلاَّل ، وكتاب “البركة في فضل السعيوالحركة ” للإمام أبي عبدالله محمد بن عبيد الرحمن الوصابي الشافعي ، وكتاب ” تخريج الدلالات السمعية على ما كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحِرف والصنائع والعمالات الشرعية” لأبيالحسن الخزاعي التلمساني ، وكلها مطبوعة .
ولمعرفة جملة كبيرة من العلماء نسبوا إلى حرفة أو مهنة : انظر كتاب “الطرفة فيمن نُسب من العلماء إلى مهنة أو حرفة” تأليف عبد الباسط بن يوسف الغريب .
وللوقوف على أنواع المكاسب المحرَّمة ، وما هي مصادر كسب الصحابة ؟ وما أفضلها ؟ : انظر جواب السؤال رقم : (107144) .
والحاصل :
إما أن تعمل بشهادتك في مجال مباح ، أو في غير مجالها – وكثيرون يفعلون ذلك – وهو مجال رحب واسع .
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى ، وأن ييسر لك عملاً حلالاً طيبا مباركاً فيه .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة