الرد على مقولة ” السماء قبلة الدعاء ” وبيان اعتقاد أهل السنَّة أن الله تعالى في السماء
السؤال: 126154
ما رد فضيلتكم على هذا القول : أن الله تعالى لا يتحيز في مكان ، إنما السماء قبلة الدعاء ، ومهبط الرحمات ، قال تعالى : ( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب ) ، السماء إلى فناء ، تعالى الله أن يتحيز فيها ، وقال عليه الصلاة والسلام : (أطَّت السماء وحُقَّ لها أن تئط فليس فيها مكان إلا فيها ملك قائم أو راكع أو ساجد) فتعالى الله أن يتحيز بين الملائكة .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
الكلام الوارد في السؤال هو من إنشاء أهل البدع والأهواء نفاة العلو لله الواحد
القهَّار ، وقد شاع بين ” الأشاعرة ” ، وكانوا قد ورثوه عن ” الجهمية ” .
وأصل ذلك : أنهم أرادوا نفي علو ذات الله تعالى ، وغاظهم ما يجده الناس في فطَرهم
ضرورةً من توجه قلوبهم نحو السماء ، ومن رفع أيديهم تجاهها ، فزعموا أن ” السماء
قبلة للدعاء ” ! وأن توجه المسلمين بقلوبهم نحوها ، ورفع أيديهم باتجاهها : هو توجه
لقبلة الدعاء ، كما يتوجهون للكعبة قبلة الصلاة ! حتى روى بعض الكذَّابين نفاة
الصفات عن الله تعالى في ذلك حديثاً نسبه للنبي صلى الله عليه وسلم ، بلفظ :
(السماءُ قِبلةُ الدعاء) !
قال
الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله :
لم
أقف له على أصل ، إلا ما قاله الحافظ في “نتائج الأفكار” (1/259 ، 260) في “آداب
الدعاء” :
“قلت : أما الاستقبال : فلم أرَ فيه شيئاً صريحاً يختص به ، وقد نقل الروياني أنه
يقول رافعاً بصره إلى السماء ، وقد تقدم ذلك فِي حَدِيثِ عمر ، وفي حديث ثوبان : ”
السماء قبلة الدعاء ” ، فلعل ذلك مراد مَن أطلق” .
كذا
قال ! وحديث ثوبان تقدم عنده (1/245) ، وليس فيه ما ذكر ، ولا رأيتُ ذلك في كتاب من
كتب السنَّة التي وقفتُ عليها ، بل ظاهر كلام شارح “العقيدة الطحاوية” ابن أبي العز
(ص 327) وغيره : أن هذا الحديث المزعوم هو من قول بعض المؤولة ، أو المعطلة الذين
ينكرون علو الله على خلقه ، واستواءه على عرشه ، وما فُطر عليه الناس من التوجه
بقلوبهم في دعائهم جهة العلو ، فقال الشارح :
“إن
قولكم : إن “السماء قبلة الدعاء” : لم يقله أحدٌ من سلف الأمة ، ولا أنزل الله به
من سلطان …” .
“السلسة الضعيفة” (13/443) .
وقد
تكررت هذه العبارة “السماء قبلة الدعاء” في كتب الأشاعرة ، وهو ينفون عن الله تعالى
صفة العلو ، والاستواء على العرش حتى ظنها كثيرون عقيدة صحيحة ، والحق أحق أن
يُتبَّع ، ولا ينبغي التوقف في خطأ هذه العبارة ، وضلال معناها .
وقد
أجاب ابن أبي العز الحنفي رحمه الله على هذا القول من عدة أوجه :
“أحدها : أن قولكم : إن السماء قبلة للدعاء – لم يقله أحد من سلف الأمة ، ولا أنزل
الله به من سلطان ، وهذا من الأمور الشرعية الدينية ، فلا يجوز أن يخفى على جميع
سلف الأمة وعلمائها .
الثاني : أن قبلة الدعاء هي قبلة الصلاة ، فإنه يستحب للداعي أن يستقبل القبلة ،
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستقبل القبلة في دعائه في مواطن كثيرة ، فمن قال إن
للدعاء قبلة غير قبلة الصلاة ، أو إن له قبلتين : إحداهما الكعبة والأخرى السماء –
فقد ابتدع في الدين ، وخالف جماعة المسلمين .
الثالث : أن القبلة : هي ما يستقبله العابد بوجهه ، كما تستقبل الكعبة في الصلاة
والدعاء ، والذكر والذبح ، وكما يوجه المحتضر والمدفون ، ولذلك سميت ” وجهة ” ،
والاستقبال خلاف الاستدبار ، فالاستقبال بالوجه ، والاستدبار بالدبر ، فأما ما
حاذاه الإنسان برأسه أو يديه أو جنبه فهذا لا يسمى ” قبلة ” ، لا حقيقة ولا مجازاً
، فلو كانت السماء قبلة الدعاء لكان المشروع أن يوجه الداعي وجهه إليها ، وهذا لم
يشرع ، والموضع الذي ترفع اليد إليه لا يسمى ” قبلة ” ، لا حقيقة ولا مجازاً ، ولأن
القبلة في الدعاء أمر شرعي تتبع فيه الشرائع ، ولم تأمر الرسل أن الداعي يستقبل
السماء بوجهه ، بل نهوا عن ذلك .
ومعلوم أن التوجه بالقلب ، واللجأ والطلب الذي يجده الداعي من نفسه أمر فطري ،
يفعله المسلم والكافر والعالم والجاهل ، وأكثر ما يفعله المضطر والمستغيث بالله ،
كما فطر على أنه إذا مسه الضر يدعو الله ، مع أن أمر القبلة مما يقبل النسخ
والتحويل ، كما تحولت القبلة من الصخرة إلى الكعبة ، وأمر التوجه في الدعاء إلى
الجهة العلوية مركوز في الفطر ، والمستقبل للكعبة يعلم أن الله تعالى ليس هناك ،
بخلاف الداعي ، فإنه يتوجه إلى ربه وخالقه ، ويرجو الرحمة أن تنزل من عنده” انتهى .
“شرح العقيدة الطحاوية” (ص 327 ، 328) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
“إن
الذين يرفعون أيديهم ، وأبصارهم ، وغير ذلك ، إلى السماء وقت الدعاء : تقصد قلوبُهم
الربَّ الذي هو فوق ، وتكون حركة جوارحهم بالإشارة إلى فوق : تبعاً لحركة قلوبهم
إلى فوق ، وهذا أمرٌ يجدونه كلهم في قلوبهم وَجْداً ضروريّاً ، إلا من غُيِّرت
فطرتُه باعتقاد يصرفه عن ذلك ، وقد حكى محمد بن طاهر المقدسي عن الشيخ أبي جعفر
الهمذاني أنه حضر مجلس أبي المعالي – أي : الجويني – فذكر العرش ، وقال : “كان الله
ولا عرش” ، ونحو ذلك ، وقام إليه الشيخ أبو جعفر ، فقال : يا شيخ دعنا من ذِكر
العرش ، وأخبرنا عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا : فإنه ما قال عارف قط : “يا
الله” : إلا وجد في قلبه ضرورةً لطلب العلو ، لا يلتفت يمنة ، ولا يسرة ، قال :
فضرب أبو المعالي على رأسه ، وقال : “حيرني الهمذاني” .
فأخبر هذا الشيخ عن كل من عرف الله : أنه يجد في قلبه حركة ضرورية إلى العلو إذا
قال : “يا الله” ، وهذا يقتضي أنه في فطرتهم ، وخِلقتهم : العلم بأن الله فوق ،
وقصده ، والتوجه إليه : إلى فوق” .
“بيان تلبيس الجهمية” (2/446 ، 447) ، وفي (4/518 ، 519) طبعة المدينة .
ثم
إننا عندما نقول : إن الله تعالى في السماء ليس معنى ذلك أن السماء تحيط به ، أو
كما يعبر هؤلاء بأن الله ساكن السماء ! تعالى الله عن ذلك .
بل
نقول : إن الله تعالى في السماء يعني على السماء ، وفوق السماء ، مستوٍ على عرشه
سبحانه وتعالى ، كقول الله تعالى : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ) الأنعام/11 . أي :
على الأرض .
وللوقوف على بعض الأدلة على علو الله تعالى على خلقه واستوائه على عرشه ، انظر جواب
السؤال رقم (992)
و (124469)
.
ثانياً :
أما
قول السائل : السماء إلى فناء ، تعالى الله أن يتحيز فيها …إلخ
فقد
سبق الجواب عليه في جواب السؤال رقم (131956).
والله أعلم
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
![answer](/_next/image?url=%2F_next%2Fstatic%2Fmedia%2Fanswer.91a384f1.png&w=64&q=75)
موضوعات ذات صلة