يكره للإمام تخصيص نفسه بالدعاء المشترك دون المأمومين
السؤال: 126348
هل دعاء الإمام لنفسه في صلاة الجماعة يعتبر خيانة للمأمومين ، وهل ذلك جائز ، أم إنه يجب أن يدعو للمأمومين ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الدعاء الذي يشترك فيه الإمام والمأمومون في صلاة الجماعة ؛ يعني : أن الإمام يدعو
، ويؤمن المأمومون
، هو الذي يكره فيه للإمام أن يخص نفسه بالدعاء دون المأمومين ، وذلك لما جاء
عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : ( ثَلَاثٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَهُنَّ : لَا يَؤُمُّ
رَجُلٌ قَوْمًا فَيَخُصُّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ دُونَهُمْ ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ
خَانَهُمْ . وَلَا يَنْظُرُ فِي قَعْرِ بَيْتٍ قَبْلَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ ، فَإِنْ
فَعَلَ فَقَدْ دَخَلَ . وَلَا يُصَلِّي وَهُوَ حَقِنٌ حَتَّى يَتَخَفَّفَ ) .
رواه أبو داود (رقم/90) والترمذي (357) وقال حديث ثوبان حديث حسن .
وقد
ضعف هذا الحديث ابن خزيمة ، وشيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن القيم ، وغيرهم .
انظر: ضعيف أبي داود ، للشيخ الألباني (12، 13) .
وعلى تقدير ثبوت الحديث ، فالمراد به ما ذكرناه أولا : أن يخص نفسه في دعاء يشاركه
المأمومون فيه .
سئل
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل لرجل يؤمُّ
قوما فيخص نفسه بالدعاء دونهم فإن فعل فقد خانهم ) هل يستحب للإمام أنه كلما دعا
الله عز وجل أن يشرك المأمومين ؟ وهل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخص
نفسه بدعائه في صلاته دونهم ؟ فكيف الجمع بين هذين ؟
فأجاب :
”
ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم :
(
أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول ؟ قال : أقول : اللهم باعد بيني وبين
خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب . اللهم نقني من خطاياي كما يُنَقَّى الثوب
الأبيض من الدنس . اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد )
فهذا حديث صحيح صريح في أنه دعا لنفسه خاصة وكان إماما ، وكذلك حديث علي في
الاستفتاح الذي أوله : ( وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض – فيه – فاغفر لي فإنه
لا يغفر الذنوب إلا أنت ، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف
عني سيئها فإنه لا يصرف عني سيئها إلا أنت )
وكذلك ثبت في الصحيح أنه كان يقول بعد رفع رأسه من الركوع بعد قوله : ( لا مانع لما
أعطيت ولا معطي لما منعت )
وجميع هذه الأحاديث المأثورة في دعائه بعد التشهد مِن فعله ومِن أمره لم يُنقَل
فيها إلا لفظ الإفراد ، كقوله : ( اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر
، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن فتنة المسيح الدجال ) .
وكذا دعاؤه بين السجدتين وهو في السنن من حديث حذيفة ، ومن حديث ابن عباس ، وكلاهما
كان النبي صلى الله عليه وسلم فيه إماما ، أحدهما بحذيفة ، والآخر بابن عباس .
وحديث حذيفة : ( رب اغفر لي ، رب اغفر لي ) ، وحديث ابن عباس فيه : ( اغفر لي ،
وارحمني ، واهدني ، وعافني ، وارزقني ) ونحو هذا .
فهذه الأحاديث التي في الصحاح والسنن تدل على أن الإمام يدعو في هذه الأمكنة بصيغة
الإفراد . وكذلك اتفق العلماء على مثل ذلك ، حيث يرون أنه يشرع مثل هذه الأدعية
.
وإذا عرف ذلك تبين أن الحديث المذكور – إن صح – : فالمراد به الدعاء الذي
يؤمِّنُ عليه المأموم : كدعاء القنوت ، فإن المأموم إذا أمَّنَ كان داعيا ، قال
الله تعالى لموسى وهارون : (قد أجيبت دعوتكما) ، وكان أحدهما يدعو والآخر يؤمِّنُ .
وإذا كان المأموم مؤمِّنًا على دعاء الإمام ، فيدعو بصيغة الجمع كما في دعاء
الفاتحة في قوله : ( اهدنا الصراط المستقيم ) ، فإن المأموم إنما أمَّن لاعتقاده أن
الإمام يدعو لهما جميعا ، فإن لم يفعل فقد خانَ الإمامُ المأمومَ .
فأما المواضع التي يدعو فيها كل إنسان لنفسه ، كالاستفتاح ، وما بعد التشهد ، ونحو
ذلك ، فكما أن المأموم يدعو لنفسه ، فالإمام يدعو لنفسه ” انتهى باختصار.
”
مجموع الفتاوى ” (23/116-118)
ويقول العراقي رحمه الله :
”
من أدب الدعاء أنَّ مَن دعا بمجلس جماعةٍ لا يخص نفسه بالدعاء مِن بينهم ، أو لا
يخص نفسه وبعضَهم دون جميعهم ، ويتأكد استيعاب الحاضرين على إمام الجماعة ، فلا يخص
نفسه دون المأمومين ، لما روى أبو داود ، والترمذي من حديث ثوبان رضي الله عنه قال
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يؤم رجل قوما فيخص نفسه بدعوة دونهم ،
فإن فعل فقد خانهم ) قال الترمذي : حديث حسن .
والظاهر أن هذا محمول على ما لا يشاركه فيه المأمومون ، كدعاء القنوت ونحوه ، فأما
ما يدعو كل أحد به كقوله بين السجدتين
: ( اللهم اغفر لي ، وارحمني ، واهدني ) فإن كلا من المأمومين يدعو بذلك ، فلا حرج
حينئذ في الإفراد ، إلا أنه يحتمل أن بعض المأمومين يترك ذلك نسيانا أو لعدم العلم
باستحبابه ، فينبغي حينئذ أن يجمع الضمير لذلك ” انتهى باختصار.
”
طرح التثريب ” (2/136-137)
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟