الأحاديث الواردة في فضل طول العمر في الإسلام
السؤال: 126807
ما رأيكم في هذه الأحاديث ؟
17555- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه – رفع الحديث – قال :
(المولود حتى يبلغ الحنث ما عمل من حسنة كتبت لوالده – أو لوالديه – ، وما عمل من سيئة لم تكتب عليه ولا على والديه ، فإذا بلغ الحنث جرى عليه القلم ، أمر الملكان اللذان معه أن يحفظا وأن يشددا ، فإذا بلغ أربعين سنة في الإسلام أمَّنه الله من البلايا الثلاثة : الجنون والجذام والبرص ، فإذا بلغ الخمسين خفف الله حسابه ، فإذا بلغ الستين رزقه الله الإنابة بما يحب ، فإذا بلغ السبعين أحبه أهل السماء ، فإذا بلغ الثمانين كتب الله حسناته وتجاوز عن سيئاته ، فإذا بلغ التسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وشفَّعه في أهل بيته ، وكان أسير الله في أرضه ، فإذا بلغ أرذل العمر لكيلا يعلم بعد علم شيئاً كتب الله له مثل ما كان يعمل في صحته من الخير ، فإذا عمل سيئة لم تكتب عليه)
17556- وفي رواية : عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(ما من مسلم يعمر في الإسلام . فذكر نحوه وقال : فإذا بلغ السبعين سنة في الإسلام أحبه الله وأحبه أهل السماء)
17557- وفي رواية : (إذا بلغ سبعين سنة في الإسلام أحبه أهل السماء وأهل الأرض) 17558- وفي رواية : (فإذا بلغ الستين رزقه الله الإنابة إلى الله بما يحب الله ، فإذا بلغ السبعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وكان أسير الله في أرضه ، وشفع في أهل بيته)
رواها كلها أبو يعلى بأسانيد.
17559- ورواه أحمد موقوفاً باختصار وقال فيه : (فإذا بلغ الستين رزقه الله عز وجل إنابة يحبه عليها)
17560- وروى بعده بسنده إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثله.
من “مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ” المجلد العاشر.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الحديث الوارد بهذا المعنى جاء عن سبعة من الصحابة رضوان الله عليهم ، وهم : أنس بن
مالك ، وعثمان بن عفان ، وأبو هريرة ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ،
وشداد بن أوس ، وعبد الله بن أبي بكر الصديق ، وأشهر هذه الأحاديث حديث أنس بن مالك
رضي الله عنه فقد جاء من طرق كثيرة ، روى بعضها الحافظ أبو يعلى في ” المسند ”
(6/351) .
وبعد الاطلاع على كلام أهل العلم على هذه الأحاديث ، تبين أنها كلها ضعيفة ضعفا لا
ينجبر ولا يتقوى بتعدد الطرق والأسانيد ، وأنها مثال على الأحاديث التي تكثر طرقها
ولكن لا تزيدها إلا ضعفا بسبب وجود المجاهيل والمناكير في أسانيدها .
قال
الإمام البيهقي رحمه الله :
“روي هذا من أوجه أخر عن أنس رضي الله عنه ، وروي عن عثمان وكل ذلك ضعيف” انتهى .
“الزهد” (646) .
وقال ابن الجوزي رحمه الله :
”
هذا الحديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ” انتهى.
”
الموضوعات ” (1/180) .
وقال الحافظ العراقي رحمه الله :
”
موضوع قطعا ” انتهى.
”
القول المسدد ” للحافظ ابن حجر (9) .
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله :
”
هذا حديث غريب جدا ، وفيه نكارة شديدة ” انتهى. ” تفسير القرآن العظيم ” (5/397) .
وضَعَّف الحديثَ محققو مسند الإمام أحمد من جميع طرقه (21/12) طبعة مؤسسة الرسالة .
وكذا ضعفه العلامة المعلمي اليماني في تعليقه على ” الفوائد المجموعة ” (ص/482)
وقال :
”
واعلم أن هذا الخبر يتضمن معذرة وفضيلة للمسنين وإن كانوا مفرطين أو مسرفين على
أنفسهم ، فمن ثَمَّ أولع به الناس ، يحتاج إليه الرجل ليعذر عن نفسه ، أو عمن يتقرب
إليه ، فإما أن يقويه ، وإما أن يركب له إسناداً جديداً ، أو يلقنه من يقبل التلقين
، أو يدخله على غير ضابط من الصادقين ، أو يدلسه عن الكذابين ، أو على الأقل يرويه
عنهم ، ساكتا عن بيان حاله ” انتهى.
وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
”
وجدت نفسي لا تطمئن لتصحيح هذا الحديث وَإِنْ كان معناه يوافق هوى النفس ؛ فقد بلغت
الخامسة والسبعين ! أضف إلى ذلك أنه لا يلتقي مع قوله صلى الله عليه وسلم : ( أعذر
الله إلى امرئ أُخِّرَ أجله حتى بلغ ستين سنة ) رواه البخاري وغيره . وهو مخرج مع
بعض شواهده في ” الصحيحة ” برقم ( 1089 ) . قال الحافظ في ” الفتح ” ( 10 / 240 ) :
” الإعذار : إزالة العذر . والمعنى : أنه لم يبق له اعتذار ، كأن يقول : لو مد لي
في الأجل لفعلت ما أمرت به . …. وإذا لم يكن له عذر في ترك الطاعة مع تمكنه منها
بالعمر الذي حصل له ؛ فلا ينبغي له حينئذ إلا الاستغفار والطاعة ، والإقبال على
الآخرة بالكلية ” انتهى.
”
السلسلة الضعيفة ” (5983-5984) .
على
أن الحديث ـ إن صح ـ فله معنى صحيح ، وهو أن يُحمل الحديث على أهل الاستقامة ،
فهؤلاء يكرمهم الله تعالى بما جاء في هذا الحديث ، أما الفسقة الفجرة فلا يستحقون
مثل هذا الإكرام .
قال
الحافظ بن حجر :
“على أن للحديث عندي مخرجا لا يرد عليه شيء من هذا على تقدير الصحة وذلك أنه وإن
كان لفظه عاما فهو مخصوص ببعض الناس دون بعض ، لأن عمومه يتناول الناس كلهم ، وهو
مخصوص قطعا بالمسلمين ، لأن الكفار لا يحميهم الله ، ولا يتجاوز عن سيئاتهم ، ولا
يغفر ذنوبهم ، ولا يشفعهم ، وإذا تعين أن لفظة العام محمول على أمر خاص فيجوز أن
يكون ذلك خاصا أيضا ببعض المسلمين دون بعض ، فيخص مثلا بغير الفاسق ، ويحمل على أهل
الخير والصلاح ، فلا مانع لمن كان بهذه الصفة أن يمن الله تعالى عليه بما ذكر في
الخبر ، ومن ادعى خلاف ذلك فعليه البيان والله المستعان” انتهى .
”
القول المسدد ” (22-24).
فائدة :
ذكر
ابن الجوزي رحمه الله في كتابه صيد الخاطر” (ص/278) موعظة ، لاعتبار الإنسان بما
يمر من زمانه ، وما يستقبل منه فقال :
“العاقل من فهم مقادير الزمان ؛ فإنه فيما قبل البلوغ صبي ، ليس على عمره عيار ….
فإذا بلغ فليعلم أنه زمان المجاهدة للهوى ، وتعلم العلم ، فإذا رزق الأولاد ، فهو
زمان الكسب للمعاملة ، فإذا بلغ الأربعين ، انتهى تمامه ، وقضى مناسك الأجل ، ولم
يبق إلا الانحدار إلى الوطن .
كأن
الفتى يرقى من العمر سلمًا … إلى أن يجوز الأربعين وينحطُّ
فينبغي له عند تمام الأربعين أن يجعل جل همته التزود للآخرة ، ويكون كل تلمحه لما
بين يديه ، ويأخذ في الاستعداد للرحيل ، وإن كان الخطاب بهذا لابن عشرين ، إلا أن
رجاء التدارك في حق الصغير لا في حق الكبير
.
فإذا بلغ الستين ؛ فقد أعذر الله إليه في الأجل ، وجاز من الزمن ، فليقبل بكليته
على جمع زاده ، وتهيئة آلات السفر ، وليعتقد أن كل يومٍ يحيا فيه غنيمة ، ما هي في
الحساب ، خصوصًا إذا قوي عليه الضعف وزاد .
وكلما علت سنه فينبغي أن يزيد اجتهاده .
فإذا دخل في عشر الثمانين ليس إلا الوداع ، وما بقي من العمر إلا أسف على تفريط ،
أو تعبد على ضعف .
نسأل الله عز وجل يقظة تامة ، تصرف عنا رقاد الغفلات ، وعملًا صالحًا نأمن معه من
الندم يوم الانتقال . والله الموفق ” انتهى.
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟