نصائح وتوجيهات لمن لا يطيق الاختلاط بالناس ويفضِّل المكوث في البيت وحده
السؤال: 126845
لا أطيق الاختلاط بالناس ، وأفضِّل الوحدة ، وأشعر بحالة نفسيَّة سيئة عندما أختلط بالآخرين ، الرسول عليه الصلاة والسلام يأمر بالصلاة في المسجد ، ماذا أفعل ؟ أفضل عدم الصلاة على الصلاة في المسجد .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
ليس
الأمر الذي أنت فيه أخي السائل متعلقّاً بالصلاة في المسجد فحسب ، بل يتعلق بواجبات
محتمات عليك ، توجب عليك الخروج من البيت ، كصلة الرحم ، والتكسب من أجل لقمة العيش
، وطلب العلم ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وغير ذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
فحقيقة الأمر
: أن الخلطة تارة تكون واجبة ، أو مستحبة ، والشخص الواحد قد يكون مأموراً
بالمخالطة تارة ، وبالانفراد تارة . وجماع ذلك : أن المخالطة إن كان فيها تعاون على
البر والتقوى : فهي مأمور بها ، وإن كان فيها تعاون على الإثم والعدوان : فهي منهي
عنها ، فالاختلاط بالمسلمين في جنس العبادات كالصلوات الخمس والجمعة والعيدين وصلاة
الكسوف والاستسقاء ونحو ذلك : هو مما أمر الله
تعالى
به ، ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك الاختلاط بهم في الحج ، وفي غزو الكفار ،
والخوارج المارقين ، وإن كان أئمَّةُ ذلك فجاراً ، وإن كان في تلك الجماعات فجَّارٌ
.
وكذلك الاجتماع الذي يزداد العبد به إيمانا : إما لانتفاعه به ، وإما لنفعه له
، ونحو ذلك .
” مجموع الفتاوى ” ( 10 / 425 ) .
ثانياً:
إذا
كنتَ تشعر بنفسية سيئة
عند اختلاطك بالناس ؛ فإننا نجزم أن أنك لن تكون أحسن حالا في
وحدتك ، وعزلتك ، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ، وإنما يتسلط الشيطان على
أصحاب الوحدة الذين لا يجدون أعواناً يعينونهم على طاعة ربهم ، ولا أنصاراً
ينصرونهم على الشيطان وجنوده ، وحتى لو كنتَ تجد في مخالطتك للناس أذى : فإن تلك
المخالطة إن كان معها صبرٌ : فإنها خير من عدمها ، وقد أثنى النبي صلى الله عليه
وسلم على من يختلط بالناس ويصبر على أذاهم .
عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : ( الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ
أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ
عَلَى أَذَاهُمْ ) .
رواه الترمذي ( 5207 ) وابن ماجه ( 4032 ) .
ثم
إن العزلة التي أنت فيها ليس عندك من أسبابها شيء ، ولا لديك – فيما يظهر لنا – من
مقوماتها ما نشجعك به عليها ، مع العلم أن أية عزلة يترتب عليها ترك الجمع
والجماعات : فهي غير مقبولة ، ولا نشجع عليها .
فمن
أسباب العزلة : فساد الناس بالكلية ، وعدم وجود أنصار على الحق ، وإعجاب كل ذي رأي
برأيه ، وعدم نفع النصح في الناس ، وكل هذا غير موجود – بفضل الله – في المجتمعات
المسلمة ، بل الكافرة ، فها نحن نسمع عن آلاف يدخلون دين الله من الكفار كل حين ،
ونسمع عن مثلهم من العصاة السالكين درب الهداية ، بل إننا لنجد الناس عطشى لمن يروي
ظمأهم ، وجوعى لمن يطعمهم ، من الخير والهداية .
وأما مقومات العزلة التي نجدها مفقودة عندك : فهي العلم الشرعي ، فها أنت تقدِّم
العزلة على الخلطة الواجبة ، وها أنت تفرط في واجبات شرعية بسبب عزلتك تلك ، فأين
العلم الشرعي الذي تحمله حتى نقول لك اعتزل الناس وتفرغ لطاعة ربك ، والحفاظ على
دينك ؟! ومن هنا قال
أبو سليمان الخطابي رحمه الله : ” فالعزلة إنما تنفع العلماء ، العقلاء ، وهي من
أضر شيء على الجهَّال ، وقد روِّينا عن إبراهيم أنه قال لمغيرة : ” تفقَّه ؛ ثم
اعتزل ” .
انظر كتاب ” العزلة ” للخطابي ( ص 225 ) .
ثالثاً:
بما أنك راسلتنا – ونحن نشكرك على هذا – فهذا يعني أنك ـ إن شاء الله ـ ما زلت
تمسك بطرف الخيط ، ومبدأ الطريق الصحيح لخروجك من الوحدة القاتلة ، وأنت قد دخلت في
عالم ” الإنترنت ” وهو أوسع بملايين المرات من عالَمك الصغير الذي هجرتَه ، وفي هذا
العالَم الفسيح من الشر والسوء أضعاف أضعاف ما في عالَمك المهجور ، فكن على حذرٍ
منه ، فكم تسبب في فتنة صالح ، وكم تسبب في السوء لامرأة فاضلة عفيفة .
رابعاً:
احرص على القيام بما أوجب الله عليك من الطاعات ، وعلى رأس ذلك : صلاة الجماعة في
المسجد ، وتجد في جواب السؤال رقم (
120
) الأدلة على ذلك الوجوب ، كما عليك أن تقوم بالكسب المباح المشروع لتحفظ كرامتك من
سؤال الناس ، وتنجو من منَّتهم ، وتقوم ببر والديك والعناية بهما ، وإعانتهما بشراء
ما يحتاجانه ، أو توصيلهما لمكان يرغبان الذهاب إليه ، وتقوم بصلة أرحامك .
واعلم أنه لن تخلو الدنيا من كدَر
، وهمٍّ ، وغمٍّ ، وإذا أردت مكاناً ليس فيه شيء من هذا ، مع سعادة تامة ، وهناء
بالغ ، ورغد عيش ، ورضوان من الله : فذلك تجده في جنة الله في الدار الآخرة ، فاعمل
لذلك اليوم ، وتخلص مما يكدرك في الدنيا بالتخفيف منه ، وسؤال الله الإعانة عليه ،
واعلم أن الوحدة ليست إلا خلوة بالشيطان ، وليس يستكثر الإنسان فيها إلا الهموم
والغموم ، ألا ترى أن عقوبة الحبس أليمة على الحر ؟! وآلم منها ” الحبس
الانفرادي ” فكيف ترضى لنفسك ما يبذل المساجينُ من أجل الفكاك منه الغالي والنفيس
؟! .
نسأل الله تعالى أن يهدي قلبك للحق ، وأن يأخذ بيدك لسلوك طريق الصالحين من عباده ،
والذين لولا أن قيضهم الله تعالى للاختلاط بالناس وإقامة الطاعات لما عرفنا نحن
وأنت الإسلام ، ولا تشرفنا بالانتماء إليه ، فكن جنديّاً من جنود الإسلام ، وارفع
سلاحك في وجه شيطانك ، وعوِّض ما فاتك من أيام بالعمل الدؤوب ، والطاعة المتينة .
والله الموفق
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
موضوعات ذات صلة