أنا متزوجة منذ سنة ، وأعتبر الثانية ، وزوجة زوجي الأولى لم تكن تعرف أن زوجها قد تزوج الثانية ، صارت ظروف مفاجئة وعرفت بزواجه بي ، ولم تتقبل الأمر إطلاقا ، مما اضطر الزوج إلي ملازمة بيته الأول يوميا ، وترك البيت الثاني إلى أن تهدأ الأوضاع .
هل يجوز أن ترغمه الزوجة الأولى على تطليقي ، أو تطليقها ؟ وهل أنا مأجورة على الصبر إلى أن تهدا الأوضاع ، مع أني في بلاد ليس لي فيها غير زوجي ، وأنا حامل ؟ هل الزوج آثم في إهمال بيته الثاني ، إرضاء للأولى ؟ أنا صابرة ومتوكلة على الله ، وتنتابني أحيانا نوبات من الخوف من ضياع حياتي وأسرتي . فماذا علي أن أفعل ؟
العدل بين الزوجات
السؤال: 127145
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أوجب الله العدل في كل شيء ، ونهى عن الظلم في كل شيء ، ويتأكد ذلك في حق الأواصر التي تقوم عليها المجتمعات الإسلامية ، كالعدل بين الأولاد ، والعدل بين الزوجات ، وقد روى أبو داود (2133) وغيره عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ ) صححه الألباني في “صحيح الجامع” (6515) .
والعدل بين الزوجات واجب في المسكن والمأكل والملبس والمبيت ، بل وفي كل شيء ظاهر ، يمكنه العدل فيه .
وعلى ذلك كان حال السلف :
فعن جابر بن زيد قال : كانت لي امرأتان وكنت أعدل بينهما حتى في القبل .
وعن مجاهد قال : كانوا يستحبون أن يعدلوا بين النساء ، حتى في الطيب يتطيب لهذه كما يتطيب لهذه .
وكان محمد بن سيرين يقول فيمن له امرأتان : يُكره أن يتوضأ في بيت إحداهما دون الأخرى
“المصنف” لابن أبي شيبة (4/37)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” القول الصحيح في العدل بين الزوجات أنه يجب على الزوج أن يعدل بينهن في كل ما يمكنه العدل فيه ، سواءٌ من الهدايا أو النفقات ، بل وحتى الجماع إن قدر : يجب عليه أن يعدل فيه ” انتهى .
“فتاوى نور على الدرب” (10/252)
وقال الشيخ الفوزان :
” يجب على الزوج أن يعدل بين زوجاته في الإنفاق والمسكن والكسوة والقسم في المبيت ، كل هذا مما يجب عليه العدل بين الزوجات ، ولا فرق بين غنية وفقيرة، لأن الكل زوجات له واجب عليه أن يعدل بينهما ” انتهى .
“المنتقى من فتاوى الفوزان” (89/24)
ثانيا :
لا شيء على الزوج إذا تزوج على الأولى بدون علمها ، ولكن عليه – كما تقدم بيانه – العدل بينهما .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن رجل توفي وترك زوجةً وأولاداً ، وبعد وفاته علمت الزوجة والأسرة بأنه كان متزوجاً بامرأة أخرى منذ عدة سنوات ، دون علم الزوجة الأولى والأولاد؛ فهل يأثم المتوفى على إخفاء خبر زواجه على أهله ؟
فأجاب رحمه الله تعالى : ” لا يأثم المتوفى على إخفاء تزوجه بالمرأة ، لكن يجب إعلان النكاح لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذلك . فإذا كان النكاح معلناً كما لو كان نكاحاً في قرية أخرى ، وأعلن في القرية فإنه يكفي ، وإن أخفى ذلك على أهله وعلى زوجته الأولى “
انتهى .
“فتاوى نور على الدرب” (10/261)
ثالثا :
لا يجوز للأولى أن ترغم الزوج ، أو تحاول إرغامه ، أو تطلب منه طلاق الأخرى :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تَسْأَلُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا )
رواه البخاري (5152) ، ومسلم (1408) .
قال ابن عبد البر :
” في هذا الخبر من الفقه أنه لا ينبغي أن تسأل المرأة زوجها أن يطلق ضرتها لتنفرد به ، فإنما لها ما سبق به القدر عليها ، لا ينقصها طلاق ضرتها شيئا مما جرى به القدر لها ، ولا يزيدها ” انتهى .
“التمهيد” (18/165)
وقال ابن القيم رحمه الله : “وتضمن حكمه صلى الله عليه وسلم بطلان اشتراط المرأة طلاق أختها ، وأنه لا يجب الوفاء به ” انتهى . “زاد المعاد” (5/107)
وسئلت اللجنة الدائمة عن رجل تزوج بامرأة ثم أراد زواج أخرى ، فاشترطت الأخرى طلاق الأولى ؟
فأجابت :
” لا يلزمك الوفاء بالشرط ، وهو طلاق زوجتك الأولى ؛ لأنه شرط فاسد ” انتهى .
“فتاوى اللجنة الدائمة” (18/398)
وقال الشيخ ابن عثيمين :
” إذا قالوا : نزوجك بشرط أن تطلق زوجتك التي معك ، فهذا شرط باطل ، ولا يجوز الوفاء به ، ولا يلزمه أن يوفي به ، وليس للزوجة الجديدة ولا لوليها أن يفسخوا النكاح إذا لم يطلق المرأة ، وذلك لأنه شرط باطل ” انتهى بمعناه .
“اللقاء الشهري” (47/18)
وانظر “فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم” (10/106-107) – “الشرح الممتع” (12/72)
كما أنه لا يجوز لها أن تطلب الطلاق لنفسها منه لمجرد زواجه الثاني ، وذلك لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ ” رواه الترمذي (1187) وحسنه ، وصححه الألباني في “الإرواء” (7/100)
رابعا :
ما ذكرتيه من الصبر على هذه المحنة والرضا بما قدر الله هو عين الصواب ، وسوف تؤجرين عليه إن شاء الله ، ولا شيء أنفع للمرء في ورطاته وأزماته من الصبر : الصبر مطية لا تكبو !! فاصبري واحتسبي ، وسامحي الزوج ، وأحسني إليه ، قدر ما استطعت :
( إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) يوسف/90 .
وارأفي بحال أختك زوجته الأولى ، وقدري حجم المشكلة عندها ، واسألي الله العفو عنها ، وأن يجمع بينكما ومعكما الزوج في حياة طيبة وعيشة هنية ، وليس ذلك على الله بعزيز .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” بالنسبة للزوجة المضرورة المظلومة فأشير عليها بالصبر والاحتساب ، وأخبرها أنها بالصبر واحتساب الأجر من الله تعالى تكون مثابة على ذلك ، وأبشرها بأن دوام الحال من المحال ، وأنها مع تقوى الله عز وجل والصبر ربما يسخّر الله لها زوجها فيعود ويعدل بينها وبين الزوجة الأخرى ” انتهى .
“فتاوى نور على الدرب” (10/258)
وقال أيضا :
” ينبغي للمرأة الأخرى أن تتسامح مع الزوج ؛ لأن تسامحها معه أدعى إلى قوة محبته لها ، وكلما تسامحت المرأة وصبرت واحتسبت ، ولم تنازع الزوج : كان ذلك أدوم لبقائها معه وأعظم أجراً عند الله سبحانه وتعالى .
ونقول للزوج : يجب عليك أن تعدل بين زوجتيك في كل ما تملكه ، أي في كل ما تستطيعه من عدل .
وبالنسبة للزوجة التي ترى أنها مهضومة أوصيها بالصبر واحتساب الأجر وأقول : إن ذلك مما تنال به الأجر عند الله عز وجل والعاقبة للمتقين ، وعدم نزاع الزوج أدوم لمحبته ”
انتهى ملخصا .
“فتاوى نور على الدرب” (10/260)
راجعي السؤال رقم (10091) – (14021)
خامسا :
وأما أنك تخافين من ضياع نفسك وأسرتك ، فاعلمي أن من أركان الإيمان : الإيمان بقضاء الله وقدره ، واعلمي أن الله هو ربك ، رازقك ، وحافظك ، ومقدر أمرك ؛ وليس الزوج ولا زوجته الأخرى : ( وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) يونس /84 .
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ، قَالَ : كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ:
( يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ ؛ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ . وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ )
رواه الإمام أحمد (2664) والترمذي (2516) قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وصححه الألباني .
وأخيرا ، نوصيك ـ أيتها الأخت الكريمة ـ بمداومة ذكر الله جل جلاله ، عند كل هم وحزن : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الرعد /28 .
وعليك بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم :
روى البخاري (6369) عن أنس رضي الله عنه: قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ) .
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عِنْدَ الْكَرْبِ ، يَقُولُ: ( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)
رواه البخاري (6345) ومسلم (2730) .
نسأل الله أن يصلح شأنك ، ويصلح لك زوجك ، ويجمع بينكما في خير .
والله الموفق .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب