خطبت فتاه وصار بيني وبينها بعض القبلات ، مما أدى إلى كراهيتي لها ثم تركتها وخطبت أخرى ولكن الإحساس بالذنب ظل يطاردني وكلما زاد قلت لنفسي بصوت واضح على الخطيبة الأولى هي طالق .. طالق حتى لا يحق لي الرجوع لها وكي أثبت نفسي مع الثانية ولكن يشاء الله أن تفسخ الخطوبة بالثانية لمشاكل عائليه وفكرت في الرجوع للأولى ولكنى قد طلقتها قبل أن أكتب عليها فهل يجوز لي العودة إليها كي أكفر عن ذنبي أم أنها لا تحل لي
يطلق مخطوبته التي ارتكب معها بعض المحرمات حتى لا يفكر بالرجوع إليها
السؤال: 127164
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
يجب على المسلم أن يتقي الله في بنات المسلمين ونسائهم ، وأن لا يتعدى حدود الله ، فمن تعدى حدود الله فقد ظلم نفسه ، ولا يؤمن الرجل حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، وحتى يكره له ما يكره لنفسه ، ولا تجد رجلا في العالمين ذا دين ومروءة وعقل يرضى لنفسه أن يخطب أحدهم ابنته أو أخته ثم يصنع معها ما لا يحل له من التقبيل والخلوة المحرمة ونحو ذلك .
فليتق الله كل امرئ في محارم الله ، وحرمات المسلمين .
ثانيا :
لا بد أن تعلم أخي المسلم أن الخاطب أجنبي عن المخطوبة ؛ لأن الخطبة مجرد وعد بالزواج ، وليست زواجا ، ولا يحل له من مخطوبته شيء مما يحل له من امرأته ، وإنما هي أجنبية عنه تماما .
قال ابن قدامة في “المغني” (7/74) :
” لَا يَجُوزُ لَهُ الْخَلْوَةُ بِهَا ; لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ ، وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِغَيْرِ النَّظَرِ , فَبَقِيَتْ عَلَى التَّحْرِيمِ ; وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مَعَ الْخَلْوَةِ مُوَاقَعَةُ الْمَحْظُورِ , فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ , فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهَا نَظَرَ تَلَذُّذٍ وَشَهْوَةٍ , وَلَا لِرِيبَةٍ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ يَنْظُرُ إلَى الْوَجْهِ وَلَا يَكُونُ عَنْ طَرِيقِ لَذَّةٍ ” انتهى .
وقال الشيخ العثيمين :
” المرأة المخطوبة كغير المخطوبة في النظر إليها ، والتحدث إليها والجلوس معها ؛ أي إن ذلك حرام على الإنسان ، إلا النظر بلا خلوة إذا أراد خطبتها . وإذا كان الرجل يريد أن يستمتع بالجلوس إلى مخطوبته والتحدث إليها فليعقد النكاح .
وخلاصة القول أنه يحرم على الخاطب أن يتحدث مع مخطوبته في الهاتف ، أو يخلو بها في مكان ، أو يحملها في سيارته وحده ، أو تجلس معه ومع أهله وهي كاشفة الوجه ” انتهى باختصار
“فتاوى نور على الدرب” (10/87) مختصرا .
ثالثا :
حيث إن المخطوبة أجنبية ، لا تحل له إلا بالعقد ، فتطليقها قبل العقد لغو وليس بشيء ، لأن الطلاق لم يصادف محله ، وقد روى أبو داود (2190) وابن ماجة (2047) وأحمد (6893) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا طَلَاقَ إِلَّا فِيمَا تَمْلِكُ ، وَلَا عِتْقَ إِلَّا فِيمَا تَمْلِكُ ، وَلَا بَيْعَ إِلَّا فِيمَا تَمْلِكُ ) .
وإسناده حسن ، وله شواهد ، انظر : “إرواء الغليل” (7/151)
وقال البخاري في صحيحه (5/2017) :
” بَاب لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ ، وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ) َقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : جَعَلَ اللَّهُ الطَّلَاقَ بَعْدَ النِّكَاحِ ) انتهى .
والخلاف في هذه المسألة مشهور :
قال ابن رشد :
” وأما تعليق الطلاق على الأجنبيات بشرط التزويج مثل أن يقول: إن نكحت فلانة فهي طالق فإن للعلماء في ذلك ثلاثة مذاهب : قول إن الطلاق لا يتعلق بأجنبية أصلا عم المطلق أو خص ، وهو قول الشافعي وأحمد وداود وجماعة ، وقول إنه يتعلق بشرط التزويج عم المطلق جميع النساء أو خصص ، وهو قول أبي حنيفة وجماعة ، وقول إنه إن عم جميع النساء لم يلزمه ، وإن خصص لزمه ، وهو قول مالك وأصحابه ” انتهى .
“بداية المجتهد” (2/67)
والصواب في ذلك ما تقدم ؛ أنه لا طلاق قبل النكاح ، وهو قول جمهور السلف .
قال ابن عبد البر :
” قول من قال لا يلزم طلاق قبل نكاح ولا عتق قبل ملك لا إذا خص ولا إذا عم :
ثبت ذلك عن علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس وعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وسعيد بن المسيب وشريح والحسن وعطاء وطاوس وسعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم وعلي بن حسين وأبي الشعثاء جابر بن زيد والقاسم بن عبد الرحمن ومجاهد ومحمد بن كعب القرظي ونافع بن جبير بن مطعم وعروة بن الزبير وقتادة ووهب بن منبه وعكرمة .
وبه قال سفيان بن عيينة وعبد الرحمن بن مهدي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وداود ومحمد بن جرير الطبري ” انتهى مختصرا .
الاستذكار – (6 / 188- 189)
وسئل شيخ الإسلام رحمه الله عن رجل حلف بالطلاق أنه ما يتزوج فلانة ، ثم بدا له أن ينكحها ، فهل له ذلك ؟
فأجاب : ” له أن يتزوجها ولا يقع بها الطلاق إذا تزوجها عند جمهور السلف وهو مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما ” انتهى .
مجموع الفتاوى – (ج 32 / ص 170) .
وفي فتاوى اللجنة الدائمة :
أن رجلا حلف أنه كلما تزوج امرأة فهي طالق، أو كل امرأة يتزوجها فهي كذا ؟
فأجابت اللجنة :
” تعليق الطلاق قبل النكاح لا يقع على الصحيح من قولي العلماء ؛ لما روى الترمذي وحسنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا طلاق قبل نكاح ” انتهى .
“فتاوى اللجنة الدائمة” (20/192)
على أن محل الخلاف المذكور هنا ، هو فيما لو قال : إن تزوجت فلانة ، فهي طالق ، أو : أيما امرأة تزوجتها فهي طالق ؛ وأما إن طلق امرأة أجنبية عنه ، دون أن يعلق تطليقها بنكاحه إياها ، فهو لغو ، من غير شك ، ولا يتعلق به طلاق أصلا .
قال علماء اللجنة الدائمة :
” الطلاق قبل العقد لا يقع ؛ لأنه لا يصح إلا من زوج ، والخاطب الذي لم يعقد النكاح ليس زوجا ، فلا يصح طلاقه ولا يقع ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم ( إنما الطلاق لمن أخذ بالساق)
انتهى .
“فتاوى اللجنة الدائمة” (20/191)
والخلاصة : أن ما ذكرته من تلفظك بالطلاق في حق مخطوبتك السابقة ، لغو ليس له أثر في نكاحها ، ولا يمنعك ذلك من العودة إلى نكاحها ، متى رغبت بذلك ، وبدا لك أن ذلك من الخير .
رابعا :
كونك تريد العودة إليها كي تكفر عن ذنبك ، فإن سبيل تكفير الذنب ليس هو العودة إليها ، وإنما هو الاستغفار والتوبة إلى الله ، والندم على ما وقع منك ، والحرص على المحافظة على حرمات المسلمين ، ثم لا شك أن رجوعك إليها إن كان في ذلك المصلحة لك ولها ، لا شك أن به تطييبا لخاطرها ، ومراعاة لحالها ، على أن يكون هذا الرجوع بسبيل الاستقامة والتوبة عما بدر من قبل ، كما أن عليها الاستغفار والتوبة أيضا مما كان منها ، وعلى أن تتعلم أنت وهي من ذلك الدرس : كيف أن الشيطان يسعى بالإنسان للوقوع في المعصية ، ثم يسعى به إلى إلقاء البغضاء في قلوب أهلها . وتأمل بيان الله عز وجل لنا حال المودات والصداقات بين أهل المعاصي ، كيف يكون أمرها : ( الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ) الزخرف/67 .
ولقد يكون السبب في ورطتها معك أنها سعت لإرضائك ، حتى تتم زواجها بك ، ونسيت سخط رب العالمين .
كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنْ اكْتُبِي إِلَيَّ كِتَابًا تُوصِينِي فِيهِ وَلَا تُكْثِرِي عَلَيَّ ؟
فَكَتَبَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِلَى مُعَاوِيَةَ : ( سَلَامٌ عَلَيْكَ ، أَمَّا بَعْدُ ؛ مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ ، وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ ) .
رواه الترمذي (2414) مرفوعا ، وموقوفا على عائشة ، والصواب وقفه ، كما قال الدارقطني رحمه الله ، وغيره . انظر : العلل ، للدارقطني (14/183) .
ولذلك قالوا :
” أول من يزهد في الغادر : من غَدر له الغادر . وأول من يمقت شاهد الزور : من شهد له به . وأول من تهون الزانية في عينه : الذي يزني بها ” .
“الأخلاق والسير” ، لابن حزم (75) .
والخلاصة :
أنه لا حرج في رجوعك إلى مخطوبتك السابقة ، على أن يسبق ذلك : توبة منك ومنها ، عما بدر منكما ، وعلى أن تتعلما من ذلك الدرس الماضي ، ثم تبادر بإتمام الزواج في أقرب وقت ممكن لك .
ثم شيء نصارحك به : أننا لمسنا منك وسواسا ظاهرا ، ونخشى عليك أن يؤثر ذلك في حياتك ، وهذا هو الذي دفعك للتلفظ بذلك ؛ فاحذر باب الوسواس ، لا ينغص عليك عيشك ، ولا يفسد عليك دنياك وأخراك .
وراجع إجابة السؤال رقم (98452) – (87496)
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة