سألتني فتاة نصرانية عن ” التمتع بالصغيرة ” على أنه نقطة سوداء تبين بشاعة الإسلام ، وبحثت عن الموضوع فلم أفهم ، هل هذا موجود عند أهل السنَّة ، أم هو موجود فقط عند الرافضة ؟ وأرجو منكم جواباً شافياً يدحض هذا الاتهام وإن كان موجوداً في زمن سابق ، ما الفتوى الأخيرة بصدده في زماننا ، فلا أتصور نفسي أقوم باستغلال بنت صغيرة جنسيّاً على أنه حلال .
كلمات في زواج الصغيرة ، والدخول بها ، عند أهل السنَّة
السؤال: 127176
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
ثمة أمران يتعلقان بهذه المسألة عند أهل السنَّة ، خلط بينهما الروافض ، وأعداء الإسلام ، فجعلوهما أمراً واحداً ، وهما : الزواج بالصغيرة ، والدخول بها .
أما المسألة الأولى : وهي الزواج بالصغيرة : فإن عامَّة العلماء على جواز هذا الأمر ، وأنه ليس في الشرع سن معينة لنكاح الأنثى ، بحيث يمنع الزواج بها قبله .
وقد دلَّ على ذلك : كتاب الله تعالى ، وسنَّة النبي صلى الله عليه وسلم ، مع إجماع أهل العلم عليه.
1. قال تعالى : ( وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ) الطلاق/ من الآية 4 .
وهذه الآية واضحة الدلالة على ما نحن في صدده ، وفيها بيان عدة المطلَّقة إذا كانت صغيرة لم تَحض .
قال البغوي – رحمه الله – :
( وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ ) يعني : الصغار اللائي لم يحضن ، فعدتهن أيضاً : ثلاثة أشهر .
” تفسير البغوي ” ( 8 / 152 ) .
وقال ابن القيم – رحمه الله – :
” عدة التي لا حيضَ لها ، وهى نوعان : صغيرة لا تحيض ، وكَبِيرة قد يئست من الحيض ، فبيَّن اللهُ سبحانَه عِدَّة النوعين بقوله : ( واللاَّئِى يَئِسْنَ مِنَ المحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إن ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهر وَاللاَّئِى لَمْ يَحِضْنَ ) الطلاق/ 4 ، أي : فعدتهن كذلك ” انتهى .
” زاد المعاد في هدي خير العباد ” ( 5 / 595 ) .
2.وأما السنَّة :
فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست سنين ، وأُدخلت عليه وهي بنت تسع ومكثت عنده تسعاً .
رواه البخاري ( 4840 ) ومسلم ( 1422 ) .
وهذه الصغيرة يزوجها أبوها ، لا غيره من الأولياء ، على الصحيح من أقوال العلماء ، ولا تملك الخيار إذا بلغت .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
” المرأة لا ينبغي لأحد أن يزوجها إلا بإذنها كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن كرهت ذلك : لم تُجبر على النكاح ، إلا الصغيرة البكر ، فإن أباها يزوجها ، ولا إذن لها ” انتهى .
” مجموع الفتاوى ” ( 32 / 39 ) .
3. وأما الإجماع :
فقد قال ابن عبد البر – رحمه الله – :
” أجمع العلماء على أن للأب أن يزوِّج ابنته الصغيرة ، ولا يشاورها ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوَّج عائشة بنت أبي بكر وهي صغيرة بنت ست سنين ، أو سبع سنين ، أنكحه إياها أبوها ” انتهى .
” الاستذكار ” ( 16 / 49 ، 50 ) .
وقال ابن حجر – رحمه الله – : ” والبكر الصغيرة يزوِّجها أبوها اتفاقاً ، إلا من شذ ” انتهى .
” فتح الباري ” ( 9 / 239 ) .
وأما المسألة الثانية : وهي الدخول بالصغيرة ، وهذا الأمر لا يلزم من العقد ، فإنه من المعلوم أنه قد تُنكح الكبيرة ولا يلزم من نكاحها الدخول ، وأوضح بيان في هذا أنه قد يحصل طلاق بعد العقد وقبل الدخول ، وأنه ثمة أحكام لهذه الصورة – وهي تشمل بعمومها : الصغيرة – من إلزامه بنصف المهر إذا سمِّي ، وعدم ترتب عدة عليها ، وفي الأولى قال تعالى : ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ) البقرة/ من الآية 237 ، وفي الثانية قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً ) الأحزاب/ 49 .
وعليه : فالصغيرة التي تُنكح لا تُسلَّم لزوجها حتى تكون مؤهلة للوطء ، ولا يشترط البلوغ ، بل القدرة على تحمل الوطء ، ولو حصل دخول عليها ، ثم طلقت : فتكون عدتها ثلاثة أشهر ، كما سبق بيانه .
وهذه كلمات العلماء في ذلك ، وهي ترد على من زعم أنه يمكن للزوج الاستمتاع ، أو الدخول بها .
قال النووي – رحمه الله – :
” وأما وقت زفاف الصغيرة المزوَّجة والدخول بها : فإن اتفق الزوج والولي على شيء لا ضرر فيه على الصغيرة : عُمل به ، وإن اختلفا : فقال أحمد وأبو عبيد : تجبر على ذلك بنت تسع سنين دون غيرها ، وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة : حدُّ ذلك أن تطيق الجماع ، ويختلف ذلك باختلافهن ، ولا يضبط بسنٍّ ،وهذا هو الصحيح ، وليس في حديث عائشة تحديد ، ولا المنع من ذلك فيمن أطاقته قبل تسع ، ولا الإذن فيمن لم تطقه وقد بلغت تسعاً ، قال الداودي : وكانت عائشة قد شبَّت شباباً حسناً رضي الله عنها ” انتهى .
“شرح مسلم” ( 9 / 206 ) .
وانظر في الرد على الرافضة في إباحتهم زواج المتعة : جواب السؤال رقم : ( 20738 ) .
ولسنا نظن أن هذا المجادل بالباطل ، والذي أورد عليك الشبهة ، يعني بالاستمتاع : الاستمتاع من غير زواج : فهذا ليس من شأننا ، ولا من ديننا ، لا في الكبيرة ولا في الصغيرة ، فليسأل الغرب عمن يفعلون ذلك ، ويستغلون الصغار ، من الذكور والإناث ، ويعتدون عليهم في بلاد الفقراء ، واسأل عن جيوشهم التي تحمي الفقراء في أفريقيا ، ماذا تفعل بهم !!
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة