0 / 0

هل “الحد” ثابت لله ؟!

السؤال: 127681

هل الله عز وجل محدود أم غير محدود ؟!

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

الأصل في الكلام عن الأسماء والصفات النقل ، إذ إن أسماء الله وصفاته توقيفية كما حرر ذلك أهل العلم .

ينظر : إجابة السؤال رقم : (106256)

ثانيا :

باب الإخبار عن الله تعالى أوسع من باب الأسماء والصفات .

قال ابن القيم رحمه الله :

” ما يدخل في باب الإخبار عنه تعالى أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته ، كالشيء والموجود والقائم بنفسه ؛ فإنه يخبر به عنه ولا يدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العليا ” انتهى .

“بدائع الفوائد” (1/169)

وقال أيضا :

” ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي ، وما يطلق عليه من الأخبار لا يجب أن يكون توقيفا ، فهذا فصل الخطاب في مسألة أسمائه : هل هي توقيفية ، أو يجوز أن يطلق عليه منها بعض ما لم يرد به السمع ” انتهى مختصرا .

“بدائع الفوائد” (1/170)

ثالثا :

قد ذم أهل العلم إطلاق القول ، نفياً أو إثباتاً ، في الألفاظ المحدثة المجملة ، قبل الاستفصال عن معناها عند قائلها ، ورد القول في ذلك إلى المحكم الثابت من الكتاب والسنة .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله :

” إذا منع إطلاق هذه المجملات المحدثات في النفي والإثبات ، ووقع الاستفسار والتفصيل : تبيَّنَ سواءُ السبيل .

وبذلك يتبين أن الشارع عليه الصلاة والسلام ، نص على كل ما يعصم من المهالك ، نصا قاطعا للعذر ، وقال تعالى : ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ)  سورة التوبة /115 ، وقال تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً)  المائدة/3 ” .

ثم قال :

” وهذه الجملة : يُعلم تفصيلها بالبحث والنظر ، والتتبع والاستقراء ، والطلب لعلم هذه المسائل في الكتاب والسنة ؛ فمن طلب ذلك وجد في الكتاب والسنة من النصوص القاطعة للعذر في هذه المسائل ، ما فيه غاية الهدي والبيان والشفاء . وذلك يكون بشيئين :

أحدهما : معرفة معاني الكتاب والسنة .

والثاني : معرفة معاني الألفاظ التي ينطق بها هؤلاء المختلفون ، حتى يحسن أن يطبق بين معاني التنزيل ، ومعاني أهل الخوض في أصول الدين ؛ فحينئذ يتبين له أن الكتاب حاكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ، كما قال تعالي : كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ البقرة /213 ، وقال تعالي وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ الشورى /10 ، وقال فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً النساء / 59 – 61.

 ولهذا يوجد كثيرا في كلام السلف والأئمة : النهي عن إطلاق موارد النزاع بالنفي والإثبات ، وليس ذلك لخلو النقيضين عن الحق ، ولا قصور أو تقصير في بيان الحق ؛ ولكن لأن تلك العبارة من الألفاظ المجملة المتشابهة ، المشتملة علي حق وباطل ؛ ففي إثباتها إثبات حق وباطل ، وفي نفيها نفي حق وباطل ، فيمنع من كلا الإطلاقين .

بخلاف النصوص الإلهية ، فإنها فرقان فرق الله بها بين الحق والباطل . ولهذا كان سلف الأمة وأئمتها يجعلون كلام الله ورسوله هو الإمام والفرقان الذي يجب اتباعه ؛ فيثبتون ما أثبته الله ورسوله ، وينفون ما نفاه الله ورسوله ، ويجعلون العبارات المحدثة المجملة المتشابهة ممنوعا من إطلاقها : نفيا وإثباتا ؛ لا يطلقون اللفظ ولا ينفونه إلا بعد الاستفسار والتفصيل ؛ فإذا تبين المعنى أثبت حقه ونفي باطله ، بخلاف كلام الله ورسوله فإنه حق يجب قبوله وإن لم يفهم معناه ، وكلام غير المعصوم لا يجب قبوله حتى يفهم معناه .

وأما المختلفون في الكتاب ، المخالفون له ، المتفقون علي مفارقته : فتجعل كل طائفة ما أصلته من أصول دينها الذي ابتدعته هو الإمام الذي يجب اتباعه ، وتجعل ما خالف ذلك من نصوص الكتاب والسنة من المجملات المتشابهات التي لا يجوز اتباعها ، بل يتعين حملها علي ما وافق أصلهم الذي ابتدعوه ، أوالإعراض عنها وترك التدبر لها ” .

“درء تعارض العقل والنقل” (1/73-77) .

رابعاً :

إذا وقع الاستفصال عن المعنى ، ورددنا محل النزاع إلى كتاب وسنة رسوله : ساغ استخدام اللفظ الحادث ، للدلالة على معنى ثابت ، عند من يحتاج إلى ذلك .

قال شيخ الإسلام :

” اذا أثبت الرجل معنى حقا ، ونفى معنى باطلا ، واحتاج إلى التعبير عن ذلك بعبارة لأجل إفهام المخاطب ، لأنها من لغة المخاطب ونحو ذلك : لم يكن ذلك منهيا عنه ؛ لأن ذلك يكون من باب ترجمة أسمائه وآياته بلغة أخرى ، ليفهم أهل تلك اللغة معاني كلامه وأسمائه ، وهذا جائز ، بل مستحب أحيانا ، بل واجب أحيانا . وإن لم يكن ذلك مشروعا على الإطلاق ؛ كمخاطبة أهل هذه الاصطلاحات الخاصة في أسماء الله وصفاته وأصول الدين باصطلاحهم الخاص ، إذا كانت المعاني التي تبيَّن لهم هي معاني القرآن والسنة ، … وهذه الترجمة تجوز لإفهام المخاطب ، بلا نزاع بين العلماء ” . انتهى .

بيان تلبيس الجهمية (2/389) .

خامسا :

من هذا الباب لفظ ” الحد ” المذكور في السؤال ؛ فمن أراد بإثبات الحد ، أنه سبحانه وتعالى بائن عن خلقه بحد فاصل ، بين الخالق والمخلوق ، فلا يحل شيء من المخلوقات بذاته جل جلاله ، كما أنه لا يحل بشيء من خلقه ولا يتّحد به : فهذا معنى صحيح ، يُخْبَر به عن الله تعالى ، وإن لم يكن صفة ثبوتية ، تضاف إليه سبحانه .

قال شيخ الإسلام :

” ولما كان الجهمية يقولون ما مضمونه : إن الخالقَ لا يتميّز عن الخلقِ ، فيجحدون صفاته التي يتميّز بها ، ويجحدون قدره ، فبيّن ابن المبارك أنّ الرب سبحانه وتعالى على عرشه مباين لخلقه ، منفصلٌ عنه ، وذكر الحدّ لأن الجهمية كانوا يقولون : ليس له حدٌّ ، وما لا حدّ له لا يباينُ المخلوقاتِ ، ولا يكون فوق العالم ، لأن ذلك مستلزم للحدِّ ، فلما سألوا أمير المؤمنين عبد الله بن المبارك : بماذا نعرفه ؟ قال : بأنه فوق سماواته ، على عرشه ، بائن من خلقه ، فذكروا لازم ذلك الذي تنفيه الجهمية ، وبنفيهم له ينفون ملزومه الذي هو وجوده فوق العرشِ ، ومباينته للمخلوقات ، فقالوا له : بحدٍّ ؟ قال : بحدّ .” .

انتهى باختصار. بيان تلبيس الجهمية (1/443 ) .

وقال شيخ الإسلام أيضا :

” هذا اللفظ لم نثبت به صفة زائدة على ما في الكتاب والسنة ؛ بل بيّنّا به ما عطله المبطلون من وجود الرب تعالى ومباينته لخلقه وثبوت حقيقته ” .

“بيان تلبيس الجهمية” (1/445)

ومن هنا نتبين أن إطلاق جمع من السلف لهذا اللفظ كان ردا على الجهمية والحلولية وأشباههم من أهل البدعة ، وبياناً لمعنى شرعي صحيح في نفس الأمر ، وإن كان الشرع لم يعبر عنه بهذا اللفظ .

سادساً :

إثبات الحد لله تعالى ، والإخبار به عنه : لا يعني أن الخلق يُحيطون به علماً ، سبحانه ، أو أنهم يعلمون منتهى ذلك الحد ، قال تعالى : ( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ) طه/110 ، وقال : ( وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاء ) البقرة/255 .

قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله :

” والله تعالى له حد لا يعلمه أحد غيره ، ولا يجوزلأحد أن يتوهم لحده غاية في نفسه ، ولكن يؤمن بالحد ، ويَكِل علم ذلك إلى الله .

ولمكانه أيضا حد ، وهو على عرشه فوق سماواته .

فهذان حدان اثنان ” . انتهى .

“نقض الدارمي على بشر المريسي” (223-224) ، وينظر : “مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين” (7/193) .

والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android