هل تلتقي أرواح الأحياء مع أرواح الأموات في المنام ؟ وهل ما يرونه من حال يصدَّق ؟
السؤال: 127896
هل تلتقي أرواح الأحياء والأموات في المنام ؟ لأن الإنسان يرى أمواتاً من أقاربه ، ويتحدث إليهم في منامه ، أو يطلبون صدقة ، أو يرى الميتَ في نعيم ، وبساتين ، هل هذه منازله ؟ وهل هذه روحه التقت مع روح الميت لأن النوم هو الموتة الصغرى ؟ .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
ذهب
بعض أهل العلم إلى أن أرواح الأحياء وأرواح الأموات تلتقي في البرزخ . واستُدِل
لذلك بقوله تعالى : (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي
لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ
وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ ) الزمر/42.
قال
القرطبي – رحمه الله – :
قال
ابن عباس وغيره من المفسرين : إن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام
فتتعارف ما شاء الله منها ، فإذا أراد جميعها الرجوع إلى الأجساد : أمسك الله
أرواح الأموات عنده ، وأرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها .
وقال سعيد بن جبير : إن الله يقبض أرواح الأموات إذا ماتوا ، وأرواح الأحياء إذا
ناموا ، فتتعارف ما شاء الله أن تتعارف ( فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى
عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى ) أي : يعيدها
.
”
تفسير القرطبي ” ( 15 / 260 ) .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله – :
وفي
هذه الآية دليل على أن الروح والنفس جسم قائم بنفسه ، مخالف جوهره جوهر البدن ،
وأنها مخلوقة مدبرة ، يتصرف اللّه فيها في الوفاة ، والإمساك ، والإرسال ، وأن
أرواح الأحياء ، والأموات ، تتلاقى في البرزخ ، فتجتمع ، فتتحادث ، فيرسل اللّه
أرواح الأحياء ، ويمسك أرواح الأموات .
”
تفسير السعدي ” ( ص 725 ) .
لكن
قال شيخ الإسلام عن هذا الاستدلال :
وما
ذُكر من التقاء أرواح النيام والموتى : لا ينافي ما في الآية ، وليس في لفظها دلالة
عليه .
”
مجموع الفتاوى ” ( 5 / 453 ) .
وثمة قول آخر في الآية : وهو أن الروح الممسَكة ، والمرسَلة : هي روح الميت ، وهو
الذي يرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
ثانياً:
انتصر ابن القيم رحمه الله لهذا القول بشدة ، وذكر أن الواقع يشهد له ويصدقه ، ثم
قال – رحمه الله – :
وقد
دلَّ التقاء أرواح الأحياء والأموات : أن الحيَّ يرى الميت في منامه ، فيستخبره ،
ويخبره الميت بما لا يعلم الحيُّ ، فيصادف خبره كما أخبر في الماضي ، والمستقبل ،
وربما أخبره بمالٍ دفنه الميت في مكان لم يعلم به سواه ، وربما أخبره بدَيْن عليه ،
وذَكَر له شواهده ، وأدلته .
وأبلغ من هذا : أنه يخبر بما عملَه من عملٍ لم يطلع عليه أحد من العالمين ، وأبلغ
من هذا أنه يخبره أنك تأتينا إلى وقت كذا وكذا ، فيكون كما أخبر ، وربما أخبره عن
أمورٍ يقطع الحى أنه لم يكن يعرفها غيره .
”
الروح ” ( ص 21 ) ، ثم طول في الاستدلال له ، وذكر الحكايات على إثباته .
ثالثاً:
وأما اللقاء في غير المنام ، أو في وقت محدد ، أو هيئة معينة ، فهو مما لم يدل عليه
دليل ، والقول فيه ، وفي غيره من أمور الغيب ، بغير برهان من الوحي من رجم الظنون .
1.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – :
قال
ابن القيم رحمه الله : ” وقد دل على التقاء أرواح الأحياء والأموات أن الحيَّ يرى
الميت في منامه ، فيستخبره ، ويخبره الميت بما لا يعلم الحيَّ ، فيصادف خبره كما
أخبر ” ، فهذا هو الذي عليه السلف ، من أن أرواح الأموات باقية إلى ما شاء الله ،
وتسمع ، ولكن لم يثبت أنها تتصل بالأحياء في غير المنام ، كما أنه لا صحة لما
يدَّعيه المشعوذون من قدرتهم على تحضير أرواح من يشاءون من الأموات ، ويكلمونها ،
ويسألونها ، فهذه إدعاءات باطلة ، ليس لها ما يؤيدها من النقل ، ولا من العقل ،
بل إن الله سبحانه وتعالى هو العالم بهذه الأرواح ، والمتصرف فيها ، وهو القادر على
ردِّها إلى أجسامها متى شاء ذلك ، فهو المتصرف وحده في ملكه ، وخلافه لا ينازعه
منازع ، أما مَن يدعي غير ذلك : فهو يدعي ما ليس له به علم ، ويكذب على الناس فيما
يروجه من أخبار الأرواح ؛ إما لكسب مال ، أو لإثبات قدرته على ما لا يقدر عليه غيره
، أو للتلبيس على الناس لإفساد الدين والعقيدة .
”
فتاوى الشيخ ابن باز ” ( 3 / 311 ، 312 ) :
2.
قال علماء اللجنة الدائمة :
دنو
أرواح الأموات من قبورهم يوم الجمعة
، أو ليلتها ، ومعرفتهم مَن زارهم ، أو مرَّ بهم ، وسلَّم عليهم ، أكثر من معرفتهم
بهم في غير يوم الجمعة ، أو ليلتها ، والتقاء الأحياء والأموات ذلك اليوم : كل
هذا من الأمور الغيبية التي استأثر الله بعلمها ، فلا تُعلم إلا بوحي من الله
لنبيٍّ من أنبيائه ، ولم يثبت في ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما نعلم ،
ولا يكفي في معرفة ذلك الأحلام ؛ فإنها تخطئ ، وتصيب ، فالقول بها ، والاعتماد
عليها : رجم بالغيب .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن قعود .
”
فتاوى اللجنة الدائمة ” ( 1 / 646 فما بعدها ) ، وقد نقدوا الروايات الواردة في
لقاء الأحياء بالأموات في المقابر ، وكذا ما جاء في ذلك من منامات ، وهو أضعف من أن
يُحتج به على أمر غيبي .
رابعاً:
وما
يراه النائم من حال الميت ، أو منزلته في الجنة : فإنه إن كانت رؤيا صحيحة : فما
يراه هو الواقع ، وقد ثبت عن كثير من السلف أنهم رأوا أمواتاً في المنام ، فسألوهم
عن أحوالهم ، فأخبروهم بها ، ثم نقلوا ذلك لنا ، وهم أئمة أعلام ، ولولا أن ذلك مما
يؤخذ به : لما كان لهم ذِكر ذلك للناس ، على أننا نقول : قد يكون ما رأوه هو حال
ذلك الميت في تلك اللحظة ، أما الخير والنعيم : فإما أن يثبت ، أو يزيد ، وأما حال
الشر والسوء : فقد يتغير للأحسن بفضل الله ورحمته ، ومما ورد في ذلك من نقل العلماء
الثقات الأثبات ، ونبدأ بما يقطع بصحة الأمر شرعاً ، وذلك بالنقل عن صحابي رأى آخر
في منامه ، وأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم :
1.
عَنْ جَابِرٍ أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي حِصْنٍ
حَصِينٍ وَمَنْعَةٍ ؟ قَالَ : حِصْنٌ كَانَ لِدَوْسٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَأَبَى
ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي ذَخَرَ اللَّهُ
لِلْأَنْصَارِ ، فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِلَى الْمَدِينَةِ هَاجَرَ إِلَيْهِ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو ، وَهَاجَرَ مَعَهُ
رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ ، فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ ، فَمَرِضَ ، فَجَزِعَ ،
فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ ، فَشَخَبَتْ يَدَاهُ حَتَّى
مَاتَ ، فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي مَنَامِهِ ، فَرَآهُ وَهَيْئَتُهُ
حَسَنَةٌ ، وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ : مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ ؟
فَقَالَ : غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ ؟ قَالَ : قِيلَ لِي :
لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ .
فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اللَّهُمَّ
وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ . رواه مسلم ( 116 ) .
قال أبو العباس القرطبي – رحمه الله – :
والظاهرُ : أنَّ هذا الرجلَ أدركتْهُ بركةُ دعوةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ،
فغُفِرَ ليدَيْهِ ، وكُمِّلَ له ما بقي من المغفرة عليه ؛ وعلى هذا : فيكونُ قوله :
لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ ممتدًّا إلى غايةِ دعاءِ النبيِّ صلى الله
عليه وسلم له ؛ فكأنَّه قيل له : لن نصلحَ منك ما أفسدْتَ ما لم يَدْعُ لك النبيُّ
صلى الله عليه وسلم .
” المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ” ( 1 / 324 ) .
2.
قال أبو داود – صاحب ” السنن ” – : محمَّد بن محمد بن خلاَّد – وهو من شيوخه – قتله
الزِّنج صبراً ، فقال بيده هكذا – ومدَّ أبو داود يده ، وجعل بطون كفيه إلى الأرض –
، قال : ورأيتُه في النوم فقلت : ما فعل الله بك ؟ قال : أدخلني الجنة .
أبو
داود بعد الحديث رقم ( 3281 ) .
3. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
رئي عمرو بن مرَّة الجملي – وهو من خيار أهل الكوفة ، شيخ الثوري وغيره – بعد موته
، فقيل له : ما فعل الله بك ؟ فقال : غفر لي بحبِّ علي بن أبي طالب ، ومحافظتي على
الصلاة في مواقيتها .
” منهاج السنَّة النبوية ” ( 6 / 201 ) .
4. وقال الذهبي – رحمه الله – :
قال حبيش بن مبشر – أحد الثقات – : رأيتُ ” يحيى بن معين ” في النوم ، فقلت : ما
فعل الله بك ؟ فقال : أعطاني ، وحبَاني ، وزوَّجني ثلاث مائة حوراء ، ومهَّد لي بين
البابين .
” تذكرة الحفَّاظ ” ( 2 / 15 ) .
والله أعلم
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟