ادعاء بإكراه والد زوجها لها على الزنا ربع قرن ! وما يترتب على ذلك من أحكام
السؤال: 127992
لو أن زوجة الابن كانت تُجبر على أن تضاجع أبا زوجها لمدة خمسة وعشرين سنَة ! فهل هذا يفسد الزواج بزوجها الأصلي الذي هو الابن ؟ .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
ما
في السؤال هو محض خيال ، وتدليس على النفس ، وتلبيس من إبليس ! فكيف لإجبارٍ على
الزنا أن يستمرَّ ربع قرن من الزمان ؟! يمكن أن يحدث أن تُجبرالمرأة على الزنا من
والد زوجها ، أو من غيره ، مرة أو مرتين ؛ يوما أو يومين ؛ لكن استمرار ذلك الإجبار
خمساً وعشرين سنة هو أمر غير متخيَّل ، وهل عجزت عن إخبار زوجها طيلة هذه المدة ؟
وكيف لم تخبر أهلها ؟ وكيف لم تهرب منه ومن إجباره المزعوم ؟!! وكيف ، وكيف .. ؟
أسئلة كثيرة ترد في الذهن على مثل ذلك الادعاء الغريب تجعلنا نرفض حتى مجرد التفكير
فيه .
ثانياً:
من
المعلوم في الشرع المطهَّر : أن زوجة الابن محرَّمة على والد زوجها إلى يوم القيامة
، قال تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ … وَحَلائِلُ
أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ
إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً ) النساء/ 23 ، ومن
كانت من النساء محرَّمة النكاح : كان الزنا بها أشد إثماً ، وأعظم جرماً من الزنا
بغيرها ممن يجوز له نكاحها ، ولذا كانت عقوبة الزنا بالمحارم : القتل على كل حال ،
محصناً كان الزناة أو غير محصنِين ، على الصحيح من أقوال العلماء .
قال
الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – :
الصحيح : أن الزنا بذوات المحارم فيه القتل بكل حال ؛ لحديث صحيح ورد في ذلك – وهو
حديث (
مَنْ وَقَعَ عَلَى ذَاتِ مَحْرَمٍ فَاقْتُلُوهُ ) رواه الترمذي وغيره ، واختلف في
رفعه ووقفه –
،
وهو رواية عن أحمد ، وهي الصحيحة ، واختار ذلك ابن القيم في كتاب ” الجواب الكافي ”
أن الذي يزني بذات محرم منه : فإنه يُقتل بكل حال ، مثل : ما لو زنا بأخته –
والعياذ بالله – ، أو بعمته ، أو خالته ، أو أم زوجته ، أو بنت زوجته التي دخل بها
، وما أشبه ذلك ؛ لأن هذا الفرج لا يحل بأي حال من الأحوال ، لا بعقد ، ولا بغيره ؛
ولأن هذه فاحشة عظيمة .
”
الشرح الممتع على زاد المستقنع ” ( 14 / 246 ، 247 ) .
وقال ابن قيم الجوزية – رحمه الله – في التعليق على عقوبة قتل من وقع على ذات محرَم
– :
وهذا الحكم على وِفق حكم الشارع ؛ فإن المحرَّمات كلما تغلظت : تغلظت عقوباتها ،
ووطء من لا يباح بحال : أعظم جُرماً مِن وطء مَن يباح في بعض الأحوال ، فيكون حدُّه
أغلظ .
”
زاد المعاد ” ( 5 / 36 ) .
وانظر في مسألة الزنا بالمحارم : جوابي السؤالين : (
84982 ) و (
104486 ) ففيهما تفصيل مفيد .
والواجب على من تلبس بتلك القاذورة أن
يتوب إلى الله قبل أن يلقاه على هذه الكبيرة ، وأن يصلح حاله وشأنه ، وأن يبتعد عن
مكان تلك المعصية دون تأخير ، أو تردد .
وينظر في حكم الرجم للمحصن : أجوبة الأسئلة : (
83034 ) و (
20824 ) و (
8981 ) .
ثالثاً:
لو ثبت زنا الأب بزوجة ابنه : لم يكن ذلك مفسداً للنكاح على الراجح من أقوال
العلماء
، وقد وقع في المسألة خلاف ،
فالحنفية والحنابلة يرون أن الزنا موجب لفسخ النكاح ، وهو قول عند المالكية ، وذهب
الشافعية إلى أن زنا الأب بزوجة ابنه : لا يحرم الزوجة على الابن ، ولا يوجب فسخ
النكاح ، وهو القول الآخر عند المالكية ، وهو الأشهر والمعتمد عندهم .
قال
الشافعي – رحمه الله – :
فإن
زنى بامرأة أبيه ، أو ابنه ، أو أم امرأته : فقد عصى الله تعالى ، ولا تحرم عليه
امرأته ، ولا على أبيه ، ولا على ابنه ، امرأته ، لو زنى بواحدة منهما .
”
الأم ” ( 5 / 153 ) .
والراجح : هو مذهب الشافعي رحمه الله
.
وهو
الذي رجحه طائفة من المحققين المعاصرين .
قال
الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – :
لو
أن رجلاً زنى بامرأة فهل يحرم عليه أصلها وفرعها ؟ وهل يحرم عليها أصله وفرعه ؟ لا
يحرم ؛ لأنه لا يدخل في قول : ( وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ
اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ ) ، وقوله : ( وَلاَ تَنْكِحُوا مَا
نَكَحَ آبَاؤُكُمْ ) ، وقوله : ( وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ ) ، والزانية لا تدخل
في هذا ، فالمزني بها ليست من حلائل الأبناء ، وكذلك أمُّ المزني بها ليست من أمهات
نسائك ، إذاً : فتكون حلالاً ؛ لدخولها في قوله تعالى : ( وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا
وَرَاءَ ذَلِكُمْ ) ، وفي قراءة و ” أَحلَّ لكم ما وراء ذلك ” .
والمذهب : أن الزنا كالنكاح ، فإذا زنا بامرأةٍ : حرُم عليه أصولها ، وفروعها ،
وحرم عليها أصوله ، وفروعه ، تحريماً مؤبَّداً ، وهذا من غرائب العلم ، أن يُجْعل
السفاح كالنكاح، وهو من أضعف الأقوال .
”
الشرح الممتع ” ( 12 / 119 ، 120 ) .
وقال – رحمه الله – :
هذا
الواطئ وطئ مَن ليست زوجةً له ، لا شرعاً ، ولا اعتقاداً ، ولا يمكن أن يلحق السفاح
بالنكاح ، فإلحاق هذا بهذا : من أضعف ما يكون .
”
الشرح الممتع على زاد المستقنع ” ( 13 / 332 ) .
وينظر جواب السؤال رقم : (
78597 ) .
وبخصوص العدة على المغتصبة : ينظر تفصيلها في جواب السؤال رقم : (
121438 ) .
ولعل مثل هذه الحوادث أن تبين للناس مدى الظُّلْمة التي يعيش فيها من ابتعد عن دين
الله تعالى ، وسواء ثبتت تلك الواقعة أو لم تثبت : فقد ثبت غيرها كثير ، فالواجب
على المسلمين أن ينتبهوا قبل أن يصبحوا عبرة لغيرهم ، وليراعوا فروقات الأعمار بين
آبائهم وزوجاتهم ، وبين الرجال وأمهات نسائهم ، فالأب الفتي الشاب ليس كالشيخ
الكبير ، وأم الزوجة الكبيرة ليست كالشابة الفتية ، ومن لم يراعِ مثل هذا ، وسمح
لنفسه بالتساهل في اللمس ، والتقبيل ، والخلوة : فقد يسقط على أم رأسه ، وفي
الحوادث الكثيرة عبر لمن اعتبر .
والله أعلم
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعتم بهذه الإجابة؟
موضوعات ذات صلة