هل هناك حديث يخبر عن حظر تجاري يقع على بلاد العراق والشام ومصر ؟
السؤال: 128708
هناك حديث عن حظر تجاري على العراق والشام ومصر ؛ فهل حدث هذا بالفعل ، أم أنه الوضع الظاهر أمام أعيننا ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
يبدو أن الحديث المشار إليه في السؤال هو ما رواه مسلم في صحيحه (2896) عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : ( مَنَعَتْ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا وَمَنَعَتْ الشَّأْمُ
مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا ،
وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ وَعُدْتُمْ
مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ ) شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ لَحْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَدَمُهُ .
وروى البخاري (3180) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : ( كَيْفَ
أَنْتُمْ إِذَا لَمْ تَجْتَبُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا ؟ فَقِيلَ لَهُ وَكَيْفَ
تَرَى ذَلِكَ كَائِنًا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ؟ قَالَ إِي وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي
هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ عَنْ قَوْلِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ . قَالُوا عَمَّ ذَاكَ ؟
قَالَ تُنْتَهَكُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَيَشُدُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قُلُوبَ أَهْلِ الذِّمَّةِ
فَيَمْنَعُونَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ ) .
قال
النووي رحمه الله :
”
وَفِي مَعْنَى مَنَعَتْ الْعِرَاق وَغَيْرهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ : أَحَدهمَا
لِإِسْلَامِهِمْ , فَتَسْقُط عَنْهُمْ الْجِزْيَة , وَهَذَا قَدْ وُجِدَ .
وَالثَّانِي
وَهُوَ الْأَشْهَر أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَجَم وَالرُّوم يَسْتَوْلُونَ عَلَى
الْبِلَاد فِي آخِر الزَّمَان , فَيَمْنَعُونَ حُصُول ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ .
وَقَدْ رَوَى مُسْلِم هَذَا بَعْد هَذَا بِوَرَقَاتٍ عَنْ جَابِر قَالَ : يُوشِك
أَلَّا يَجِيء إِلَيْهِمْ قَفِيز وَلَا دِرْهَم قُلْنَا : مِنْ أَيْنَ ذَلِكَ ؟
قَالَ مِنْ قِبَل الْعَجَم , يَمْنَعُونَ ذَاكَ . وَذَكَرَ فِي مَنْع الرُّوم
ذَلِكَ بِالشَّامِ مِثْله , وَهَذَا قَدْ وُجِدَ فِي زَمَاننَا فِي الْعِرَاق ,
وَهُوَ الْآن مَوْجُود .
وَقِيلَ : لِأَنَّهُمْ يَرْتَدُّونَ فِي آخِر الزَّمَان , فَيَمْنَعُونَ مَا
لَزِمَهُمْ مِنْ الزَّكَاة وَغَيْرهَا . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ أَنَّ الْكُفَّار
الَّذِينَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَة تَقْوَى شَوْكَتهمْ فِي آخِر الزَّمَان
فَيَمْتَنِعُونَ مِمَّا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ مِنْ الْجِزْيَة وَالْخَرَاج وَغَيْر
ذَلِكَ .
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ
بَدَأْتُمْ ” فَهُوَ بِمَعْنَى الْحَدِيث الْآخَر ” بَدَأَ الْإِسْلَام غَرِيبًا ,
وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ ” انتهى .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
”
قَوْله : ( فَيَمْنَعُونَ مَا فِي أَيْدِيهمْ ) أَيْ يَمْتَنِعُونَ مِنْ أَدَاء
الْجِزْيَة , قَالَ الْحُمَيْدِيُّ : أَخْرَجَ مُسْلِم مَعْنَى هَذَا الْحَدِيث
مِنْ وَجْه آخَر عَنْ سُهَيْل عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَفْعه ” مَنَعَتْ
الْعِرَاق دِرْهَمًا وَقَفِيزهَا ” وَسَاقَ الْحَدِيث بِلَفْظِ الْفِعْل الْمَاضِي
, وَالْمُرَاد بِهِ مَا يُسْتَقْبَل مُبَالَغَة فِي الْإِشَارَة إِلَى تَحَقُّق
وُقُوعه , وَلِمُسْلِمٍ عَنْ جَابِر أَيْضًا مَرْفُوعًا ” يُوشِك أَهْل الْعِرَاق
أَنْ لَا يُجْتَبَى إِلَيْهِمْ بَعِير وَلَا دِرْهَم , قَالُوا : مِمَّ ذَلِكَ ؟
قَالَ : مِنْ قِبَل الْعَجَم يَمْنَعُونَ ذَلِكَ ” وَفِيهِ عِلْم مِنْ أَعْلَام
النُّبُوَّة , وَالتَّوْصِيَة بِالْوَفَاءِ لِأَهْلِ الذِّمَّة لِمَا فِي
الْجِزْيَة الَّتِي تُؤْخَذ مِنْهُمْ مِنْ نَفْع الْمُسْلِمِينَ , وَفِيهِ
التَّحْذِير مِنْ ظُلْمهمْ وَأَنَّهُ مَتَى وَقَعَ ذَلِكَ نَقَضُوا الْعَهْد فَلَمْ
يَجْتَبِ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ شَيْئًا فَتَضِيق أَحْوَالهمْ . وَذَكَرَ اِبْن
حَزْم أَنَّ بَعْض الْمَالِكِيَّة اِحْتَجَّ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة
” مَنَعَتْ الْعِرَاق دِرْهَمًا ” الْحَدِيث عَلَى أَنَّ الْأَرْض الْمَغْنُومَة
لَا تُقَسَّم وَلَا تُبَاع وَأَنَّ الْمُرَاد بِالْمَنْعِ مَنْع الْخَرَاج ,
وَرَدَّهُ بِأَنَّ الْحَدِيث وَرَدَ فِي الْإِنْذَار بِمَا يَكُون مِنْ سُوء
الْعَاقِبَة وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ سَيُمْنَعُونَ حُقُوقهمْ فِي آخِر الْأَمْر ,
وَكَذَلِكَ وَقَعَ ” انتهى .
وينظر: “نيل الأوطار” ، للشوكاني (8/ 118) ، “النهاية” ، لابن الأثير(1/262) .
والحاصل مما سبق أن الراجح في تفسير الحديث أن الكفار من الروم والعجم سوف يستولون
على ملك المسلمين في هذه البلاد ، بعدما كانت خاضعة لسلطانهم ، فيمنعوا خيرها
وخراجها عن المسلمين ، وقد تكرر وقوع هذا الأمر مرات ومرات في التاريخ ، ومن آخر
ذلك استيلاء الاستعمار على هذه البلاد ، والقضاء على سلطان الخلافة العثمانية فيها
، وتسلط الكفار على أهلها وثرواتها .
وأما الواقع اليوم من تسلط الكفار في العراق ، وتحكمهم في ثرواتها وخيراتها ، فلا
نجزم أن يكون هو المراد بالحديث تحديدا ، فالجزم بمثل ذلك مخاطرة تسرع فيها كثير من
الناس في مثل هذا الباب ، ثم لم يلبث أن تبين خطؤهم وجرأتهم على هذا الباب من العلم
.
وإن
كان لا يمنع أن يتكرر ذلك مرات ، وأن يكون ذلك واحدا منها . بل قد صنعوا فيها ما هو
شر من ذلك ، إذ منعوا خير العراق عن بلاد المسلمين ، ثم حاصروا العراق وأهله ،
ومنعوا الخير عنهم ، ومنعوهم الانتفاع بخيرهم ، حتى هلك من هلك من الأطفال ، فضلا
عن النساء والرجال .
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟