معنى قول المحدثين : ” للحديث شواهد وطرق كثيرة “
السؤال: 128854
ما معنى : للحديث شواهد وطرق كثيرة ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
هذا
التعبير يستعمله علماء الحديث الشريف ، يريدون به بيان أمر مهم في علوم الحديث ،
وهو وجود المتابعات والشواهد للحديث المعين ، إذ من المعلوم أن أصحاب الكتب الستة
والمسانيد إنما يوردون الأحاديث مسندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، يعني أن
الإمام البخاري مثلا يروي الحديث عن شيخه الذي أخذ عنه ، وذلك الشيخ يروي الحديث عن
شيخه .. ، وهكذا حتى تصل السلسلة إلى الصحابي الذي سمع الحديث من النبي صلى الله
عليه وسلم .
مثال ذلك :
قال
الإمام البخاري رحمه الله في “الجامع الصحيح” ، حديث رقم : (552) :
حدثنا عبد الله بن يوسف ، قال أخبرنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (الَّذِي
تَفُوتُهُ
صَلَاةُ
الْعَصْرِ
كَأَنَّمَا
وُتِرَ
أَهْلَهُ
وَمَالَهُ).
وهذا الإسناد – كما ترى – مهم جدا في معرفة ثبوت الحديث من عدمه ، فالعلماء يبحثون
في سيرة رجال الإسناد ، ودرجة ضبطهم وحفظهم للحديث ، فإذا وجدوا أنهم من الثقات
الحفاظ حكموا على الحديث بالصحة والقبول .
ثم
إذا وجدوا أن هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قد رواه إمام آخر عن الصحابي
نفسه ، ولكن بإسناد آخر ، قالوا : هذا الإسناد متابع للإسناد الأول ، أو قالوا : إن
للحديث طرقاً عدة .
وهذا الحديث الذي مثلنا به ، رواه الإمام مسلم رحمه الله من حديث ابن عمر (626) ،
ولكن بإسناد مختلف عن إسناد الإمام البخاري ، فقال رحمه الله :
حدثني هارون بن سعيد الأيلي ، قال حدثنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، عن ابن
شهاب ، عن سالم بن عبد الله عن أبيه – يعني ابن عمر – : إلى آخر الحديث .
فإسناد الحديث عند الإمام مسلم يسميه العلماء طريقا آخر ، وذلك لأن الصحابي واحد في
الحديثين ، وهو ابن عمر رضي الله عنهما ، وإنما رواه عنه تلميذ آخر من تلاميذه .
أما
إذا روى واحد من الأئمة هذا الحديث عن صحابي آخر غير ابن عمر ، فهذا يسميه المحدثون
بـ ” الشاهد “، فيقولون : للحديث شواهد أخرى .
وفي
المثال السابق نجد أن الإمام النسائي روى الحديث في “السنن” (478) عن الصحابي
الجليل نوفل بن معاوية رضي الله عنه .
فقال : أخبرنا سويد بن نصر ، قال أنبأنا عبد الله بن المبارك ، عن حيوة بن شريح ،
قال أنبأنا جعفر بن ربيعة ، أن عراك بن مالك حدثه ، أن نوفل بن معاوية حدثه ، أنه
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله
وماله ).
فحديث نوفل بن معاوية هذا يسمى ” شاهدا ” لحديث ابن عمر السابق ، والعكس أيضا ،
حديث ابن عمر يسمى ” شاهدا ” لحديث نوفل بن معاوية ، رضي الله عن الجميع .
وبهذا نفهم معنى قول العلماء : ” للحديث شواهد وطرق كثيرة “.
فالشاهد : أن يروي الحديث عن صحابي آخر .
والطريق : أن يروي عن الصحابي نفسه ولكن بسند مختلف عن السند الأول .
ثانياً :
يبقى السؤال : ماذا نستفيد من هذه الطرق والشواهد للأحاديث ؟
فالجواب : يستفاد منها فوائد كثيرة ، منها :
1-
معرفة الأخطاء التي قد تقع من بعض الرواة ، وقد قال علي بن المديني رحمه الله :
“الباب إذا لم تُجمَع طُرُقُه لم يَتَبَيَّن خطؤه” انتهى . رواه الخطيب البغدادي في
“الجامع” (2/212) .
2-
زيادة الاطمئنان إلى صحة الحديث وثبوته ، فالقلب يطمئن إلى صحة الخبر الذي جاء من
طريقين أكثر من اطمئنانه للخبر الوارد من طريق واحد .
3-
قد
يأتي الحديث بسند ضعيف ، ولكن تتعدد طرقه وشواهده ، فيرتقي بهذا إلى درجة القبول ،
ويكون حديثاً مقبولاً ، وهذا ما يسميه العلماء : تقوية الأحاديث بالشواهد
والمتابعات ، وهو باب عظيم من أبواب علوم الحديث له شروطه وضوابطه الدقيقة التي يجب
الالتزام بها .
قال
السخاوي رحمه الله :
“قال النووي رحمه الله في بعض الأحاديث : وهذه وإن كانت أسانيد مفرداتها ضعيفة
فمجموعها يقوي بعضها بعضاً ، ويصير الحديث حسناً ، ويحتج به ، وسبقه البيهقي في
تقوية الحديث بكثرة الطرق الضعيفة ، وظاهر كلام أبي الحسن بن القطان يرشد إليه ،
فإنه قال : هذا القسم لا يحتج به كله ، بأن يعمل به في فضائل الأعمال ويتوقف عن
العمل به في الأحكام، إلا إذا كثرت طرقه ، أو عضده اتصال عمل ، أو موافقة شاهد صحيح
، أو ظاهر القرآن ، واستحسنه شيخنا – يعني ابن حجر – وأشار إلى أنَّ مذهب ابن دقيق
العيد التوقف” انتهى .
“فتح المغيث” (1/69) .
نرجو أن نكون قد وفقنا لبيان ما سأل عنه السائل بعبارة واضحة سهلة .
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟