0 / 0

غضب من أهل المسجد فأنشأ مسجداً بجانبه

السؤال: 129677

نحن نعيش في مدينة صغيرة في ” الولايات المتحدة الأمريكية ” ، عدد المسلمين فيها حوالي 5000 مسلم ، والذين يداومون على حضور صلاة الجمعة حوالي 30 ، وعلى صلاة العشاء والفجر حوالي عشرة ، سؤالي عن مشكلة حصلت بين إمام المسجد وعضو فعَّال في المجتمع ، كلهم عرب ، نتج عنها خروج هذا العضو عن الجماعة ، وقام بشراء مبنى مجاور للمسجد لا يبعد إلا دقيقتين على الأقدام ، وجعله مسجداً آخر ، وأصبح يرغِّب الناس في الصلاة بالمسجد الجديد عن طريق تجهيز الولائم ، والنشاطات المختلفة ، فانقسم الناس ، وأصبح يقام في نفس الشارع جماعتان ، ووصل الحد إلى أن أصبح هناك صلاتا عيد في نفس الشارع , فهل يعتبر فعله هذا بدعة وتفريقاً بين المجتمع ؟ وما نصيحتكم لهذا الأخ ؟ وهل يجوز لنا الصلاة معهم في المسجد الجديد ، أو هذا يعتبر عوناً لهم على زيادة الفرقة ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

جاء الإسلام بالأمر بالاجتماع والائتلاف ، ونهى عن الفرقة والاختلاف ، وإذا كان تفرق المسلمين في بلادهم منكَراً : فإنه أشد نكارة إن كان بين ظهراني الكفار ، ففيه إظهار الإسلام بصورة سلبيَّة ، وإظهار المسلمين أنهم أصحاب أهواء شخصية ، وليسوا أصحاب رسالة خالدة.

وحرصاً على اجتماع المسلمين في صلاتهم ، فقد منع العلماء تعدد الجمعة في مدينة واحدة ، إلا لحاجة إلى ذلك : كضيق المسجد ، أو تباعد أطراف المدينة .

وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :

ما حكم إقامة الجمعة في موضعين ، أو أكثر ، من المدينة ، أو الحارة ، مع بيان الدليل الشافي ؟ .

فأجاب :

“اعلم وفقك الله أن الذي عليه جمهور أهل العلم : تحريم تعدد الجمعة في قرية واحدة ، إلا من حاجة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقيم في مدينته المنورة مدة حياته صلى الله عليه وسلم سوى جمعة واحدة ، وهكذا في عهد خلفائه الراشدين ، أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، رضي الله عنهم أجمعين ، وهكذا في سائر الأمصار الإسلامية في صدر الإسلام ، وما ذلك إلا لأن الجماعة مرغَّب فيها من جهة الشرع المطهر ؛ لما في اجتماع المسلمين في مكان واحد حال إقامة الجمعة ، والعيد ، من التعاون على البرِّ ، والتقوى ، وإقامة شعائر الإسلام ، ولما في ذلك – أيضاً – من الائتلاف بينهم ، والمودة ، والتعارف ، والتفقه في الإسلام ، وتأسي بعضهم ببعض في الخير ، ولما في ذلك – أيضاً – من زيادة الفضل ، والأجر ، بكثرة الجماعة ، وإغاظة أعداء الإسلام من المنافقين ، وغيرهم ، باتحاد الكلمة ، وعدم الفُرقة .

وقد وردت النصوص الكثيرة في الكتاب والسنَّة في الحث على الاجتماع ، والائتلاف ، والتحذير من الفُرقة ، والاختلاف ، فمِن ذلك قول الله عز وجل : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ) ، وقوله سبحانه : ( وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : ( إن الله يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ) – رواه مسلم ( 1715 ) – .

ومما تقدم يتضح لكم : أن الواجب هو اجتماع أهل المدينة ، أو القرية ، على جمعة واحدة ، كما يجتمعون على صلاة عيد واحدة حيث أمكن ذلك ، من دون مشقة ؛ للأدلة المتقدمة ، والأسباب السالفة ، والمصلحة الكبرى في الاجتماع .

أما إن دعت الحاجة الشديدة إلى إقامة جمعتين ، أو أكثر ، في البلد ، أو الحارة الكبيرة : فلا بأس بذلك ، في أصح قولي العلماء ، وذلك مثل : أن تكون البلد متباعدة الأطراف ، ويشق على أهلها أن يجتمعوا في مسجدٍ واحدٍ : فلا بأس أن يقيموا الجمعة في مسجدين ، أو أكثر ، على حسب الحاجة ، وهكذا لو كانت الحارة واسعة لا يمكن اجتماع أهلها في مسجدٍ واحدٍ : فلا بأس أن يُقام فيها جمعتان ، كالقرية ، ولهذا لما بُنيت ” بغداد ” ، وكانت واسعة الأرجاء : أقيم فيها جمعتان ، إحداهما : في الجانب الشرقي ، والثانية : في الجانب الغربي ، وذلك في وسط القرن الثاني ، بحضرة العلماء المشهورين ، ولم ينكروا ذلك ؛ لدعاء الحاجة إليه ، ولمَّا قيل لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين خلافته : إن في الكوفة ضعَفة يشق عليهم الخروج إلى الصحراء لحضور صلاة العيد أمَر مَن يقيم لهم صلاة العيد بالبلد ، وصلَّى رضي الله عنه بجمهور الناس في الصحراء .

فإذا جاز ذلك في العيد للحاجة : فالجمعة مثله ؛ بجامع المشقة ، والحاجة ، والرفق بالمسلمين ، وقد نصَّ الكثير من العلماء على جواز تعدد الجمعة عند الحاجة” انتهى .

“مجموع فتاوى ابن باز” (2/351) .

فإذا كان هذا في تعدد الجمعة ، فلا شك أن منع إقامة جماعتين متجاورتين في شارع واحد أشد منعاً .

وقد نص العلماء على تحريم بناء مسجد بجوار مسجد آخر إذا كان ذلك سيضر المسجد القديم ويؤدي إلى تفرقة أهله .

فقد سئل الإمام أحمد : كم يستحب أن يكون بين المسجدين إذا أرادوا أن يبنوا إلى جانبه مسجداً ؟ قال : لا يُبنى مسجد يراد به الضرار لمسجد إلى جنبه , فإن كثر الناس حتى يضيق عليهم فلا بأس أن يُبنى وإن قرب من ذلك .

فإن لم يقصد الإضرار ولم تكن هناك حاجة إلى بناء مسجد آخر ، ففي جواز بنائه روايتان عن الإمام أحمد ، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا يُبنى ، ويجب هدمه إذا بُني .

وقال المرداوي في “تصحيح الفروع” : “وما اختاره شيخ الإسلام هو الصواب” .

انظر : “الفروع” (2/38) .

فالنصيحة لكم جميعاً أن تعملوا على جمع الكلمة وإزالة ما حصل من عداوة و بغضاء بين أهل المسجد ، وتجتمعوا جميعاً على الصلاة في المسجد الذي بني أولاً . وتكون كلمتكم واحدة.

ونسأل الله أن يصلح أحوالكم ، ويهدي قلوبكم ، وأن يجمع كلمتكم على الحق والهدى .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android