منزلة اللغة العربية
السؤال: 130720
ما هي منزلة اللغة العربية ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
”
تمثل اللغة العربية قطاعا هاما في حياة الفكر العربي المعاصر ، فهي القاعدة الكبرى
التي قام عليها هذا التراث العظيم ، والأداة الحية للأدب العربي ، واللسان الذي
يربط الأمة ، وهي أساس قوى للوحدة بين أجزاء الوطن العربي ، ولا شك كانت لهذه اللغة
مكانة ضخمة بين اللغات ، ذلك أنها لم تكن لغة عادية كاللغات في نشأتها وتطورها
وامتدادها ، بل كانت مخالفة للنواميس الطبيعية التي عرفت لمختلف اللغات ، فقط ظهرت
شابة مكتملة دون أن تمر بمرحلة طفولة أو تتعثر في طريق طويل ، وكان نضوجها من
الأعاجيب التي شغلت كل الباحثين والعلماء .
والأعجب من هذا أنها عاشت قرابة ألف وخمسمائة سنة وهي تؤدي مهمتها على نحو حي متحرك
، تجاوبت فيه مع الزمن والتطور ، تفردت حتى بين اللغات السامية باطراد الأوزان
وقواعد التصريف وقواعد الإعراب .
واستطاعت أن تجري مع الحضارات وتلبي مطالبها ، وقد أكد الباحثون أن بقاء اللغة
العربية على هذا النحو يكاد يكون معجزة من المعجزات .
وقد
دخلت اللغة العربية أوروبا حين فتح العرب صقلية والأندلس ، وتردد صداها في الأنحاء
الجنوبية ، ولا يزال في الإسبانية والبرتغالية كثير من الكلمات المشتقة من العربية
، وقد جمعها العلامتان دوزي وانجلمان في كتاب سمياه ( مفردات الكلمات الإسبانية
والبرتغالية المشتقة من العربية ) طبع في ليدن 1869م.
ثم
دخلت الكلمات العربية في لغات أوروبية أخرى كالفرنسية والألمانية والإنجليزية ، وقد
حوت اللغة الإنجليزية أكثر من ألف كلمة عربية ، وهناك 270 كلمة من أصل عربي تستعمل
في اللغة الانجليزية يوميا ، منها كلمة أمير أو أمير البحر الإنجليزية التي أصبحت:
( أميرال )، وقد رصدت الأبحاث المتعددة أنها أضخم اللغات ثروة وأصواتا ومقاطع
وحروفا وتعبيرات ، حتى إنها تفوق اللغة الإنجليزية في عدد الأصوات ، إذ بها (28)
حرفا غير مكررة ، في حين أن اللغة الانجليزية بها (26) حرفا ، ومنها مكرر .
وفي
اللغة العربية حروف لأصوات لا توجد في كثير من اللغات الأخرى ، مثل الحاء والخاء
والضاد والطاء والظاء والعين والغين والقاف ، وقد اشتهرت اللغة العربية بالثراء من
ناحية الألفاظ عن طريق المترادفات كثرة واضحة (400 اسم للأسد – 300 للسيف – 200 اسم
للحية – 255 للناقة – 170 اسم للماء – 100 اسم للخمر – 70 اسم للمطر ).
كما
تنوعت في الأساليب والعبارات : كالحقيقة والمجاز ، والتصريح والكناية ، ومن هذا
الغنى والوفرة جاءت مقدرتها الكبرى في غزو الإمبراطوريتين العظيمتين الفرس والروم ،
وخاصة الأولى التي نبغ منها كثيرون أمثال : الفيروزأبادي ، وابن المقفع ، وأبو نواس
، وأبو حنيفة ، وقد تحولت اللغة العربية بعد الإسلام من لغة الشعر إلى لغة الشرع
والفقه ، وأصبحت لغة علمية وترجمت عنها عشرات من المؤلفات الفلسفية والعلمية .
وقد
تجاوبت اللغة العربية مع التطور ، وفي ظل الحضارة العباسية استطاعت أن تساير النهضة
، وأن تعرف الآلات والأفكار ، وصلحت لترجمة مئات من آثار التراث اليوناني والروماني
.
واستطاعت أن تقاوم أكبر معركة للقضاء عليها ، وهي حملة التتار على العالم الإسلامي
، ثم حملة الصليبيين ، واستطاعت أن تعتصم بالمعاهد الكبرى كالأزهر والقرويين
والزيتونة التي ظلت حامية لها خلال فترة الضعف التي مرت بالعالم الإسلامي ، وفي عهد
الأتراك العثمانيين واجهت معركة ضخمة في سبيل البقاء .
واستطاعت أن تقاوم الرغبة في القضاء عليها بإحلال اللغة التركية محلها في المدرسة
والمسجد والمحكمة .
وقد
أخذت اللغة العربية تزدهر في أوائل القرن التاسع عشر في مواجهة محاولة العثمانيين
لزحزحتها عن مكانها ، ثم واجهت معركة أخرى من بعد أشد عمقا مع الاستعمار الذي حاول
القضاء عليها ، وشهر عليها حربا أشد قسوة وضراوة .
وليس أدل على قوة اللغة العربية من اضطرار أمثال ” أرنست رينان ” وهو المتعصب
الكبير ضد العرب وحضارتهم من أن يقول في كتابه ” تاريخ اللغات السامية “:
”
من أغرب ما وقع في تاريخ البشر وصعب حل سره انتشار اللغة العربية ، فقد كانت هذه
اللغة غير معروفة بادئ بدء ، فبدأت فجأة في غاية الكمال ، سَلِسَة أيَّ سلاسة ،
غنية أيَّ غنى ، كاملة بحيث لم يدخل عليها منذ يومنا هذا أي تعديل مهم ، فليس لها
طفولة ولا شيخوخة ، ظهرت لأول أمرها تامة مستحكمة ، ولم يمض على فتح الأندلس أكثر
من خمسين سنة حتى اضطر رجال الكنيسة أن يترجموا صلواتهم بالعربية ليفهمها النصارى
“.
ورأى مرجليوث أستاذ اللغة العربية في جامعة أكسفورد أن :
”
اللغة العربية لا تزال حية حياة حقيقية ، إحدى ثلاث لغات استولت على سكان المعمورة
استيلاء لم يحصل عليه غيرها : الانجليزية والإسبانية أختاها ، وتخالف أختيها بأن
زمان حدوثهما معروف ، ولا يزيد سنهما على قرون معدودة ، أما اللغة العربية
فابتداؤها أقدم من كل تاريخ “.
ورأى ماكس فانتاجو في كتابه ” المعجزة العربية ” :
”
أن تأثير اللغة العربية في شكل تفكيرنا كبير ، وقد لحظ ذلك الاجتماعي ( شبنجلر )،
وسجل ملاحظاته في كتابه الشهير ” انهيار الغرب “.
لقد
لعبت اللغة العربية دورا أساسيا كوسيلة لنشر المعارف ، وآلة للتفكير خلال المرحلة
التاريخية التي بدأت حين احتكر العرب على حساب اليونان والرومان طريق الهند ، ثم
انتهت حين خسروها “.
ورأى جورج سارتون أنه :
”
هكذا كانت العربية لغة الله – أي لغة القرآن -، ولغة الوحي ولغة أهل الجنة – لم
يثبت هذا في الشرع -، أكد الرسول وجوب قراءة القرآن باللغة العربية ، ثم من نتائج
هذا الاتجاه العقلي الواحد في التأكيد على الصحة المطلقة للغة العربية أن أصبحت
اللغة العربية من اللغات البارزة في العالم ، وإحدى الوسائل الأساسية للثقافة في
العصور الوسطى ، وهي – إلى اليوم – لم تزل لغة أمة موزعة في جميع بقاع الأرض .
إن
اللغة العربية من أجمل اللغات في الوجود ، إن خزائن المفردات في اللغة العربية غنية
جدا ، ويمكن بتلك المفردات أن تزاد بلا نهاية ، ذلك لأن الاشتقاق المتشابك والأنيق
يسهل إيجاد صيغ جديدة من الجذور القديمة بحسب ما يحتاج إليه كل إنسان على نظام معين
.
ولغة القرآن على اعتبار أنها لغة العرب كانت بهذا التجديد كاملة ، وقد وهب الرسول
اللغة العربية مرونة جعلتها قادرة على أن تدون الوحي الإلهي أحسن تدوين ، يجمع
دقائق معانيه ولغاته ، وأن يعبر عنه بعبارات عليها طلاوة ، وفيها متانة ، وهكذا
يساعد القرآن على رفع اللغة العربية إلى مقام المثل الأعلى في التعبير عن المقاصد ”
انتهى باختصار.
مقتطفات من كتاب ” اللغة العربية بين حماتها وخصومها ” أنور الجندي (ص/1-35) مطبعة
الرسالة.
وانظر أيضا: ” مجلة مجمع اللغة العربية ” ( العدد 34، ص/59-64، مقالا بعنوان: اللغة
العربية مكانتها القومية والعالمية في القديم والحديث : محمد شوقي أمين . عضو
المجمع )
ومقالا مفيدا على هذا الرابط :
http://www.saaid.net/Minute/33.htm
وكتابين قديمين:
الأول : ” الصقعة الغضبية في الرد على منكري العربية ” لنجم الدين الطوفي الحنبلي
(761هـ) عقد فصلا بعنوان: فصل في الدلالة على فضل علم العربية (ص/233-279)
والثاني : ” الإعلام بمنزلة العربية من علوم الإسلام ” للأزرقي الغرناطي .
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟