حكم الدعاء بـ (فتح الله علينا فتوح العارفين به)
السؤال: 131258
أسمع الكثير من الأخوات ممن يظن فيهن الخير ، يدعون لأنفسهن ولغيرهن بقول : فتح الله علينا فتوح العارفين به ، وأنا قد قرأت أن العارف من مراتب الصوفية ، أو لها علاقة بالصوفية ، فهل هذا الدعاء جائز شرعاً ؟ .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
معرفة الله هي من أعظم المقاصد التي بعث من أجلها الرسل .
ففي
حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه لما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال
له: (إِنَّكَ
تَقْدَمُ
عَلَى
قَوْمٍ
أَهْلِ
كِتَابٍ
فَلْيَكُنْ
أَوَّلَ
مَا
تَدْعُوهُمْ
إِلَيْهِ
عِبَادَةُ
اللَّهِ
فَإِذَا
عَرَفُوا
اللَّهَ
فَأَخْبِرْهُمْ
أَنَّ
اللَّهَ
قَدْ
فَرَضَ
عَلَيْهِمْ
خَمْسَ
صَلَوَاتٍ
فِي
يَوْمِهِمْ
وَلَيْلَتِهِمْ
…
إلخ)
رواه البخاري (1458) ومسلم (19) .
قال
ابن القيم رحمه الله في “الصواعق المرسلة” :
“فأساس دعوة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم : معرفة الله سبحانه بأسمائه وصفاته
وأفعاله ثم يتبع ذلك أصلان عظيمان .
أحدهما : تعريف الطريق الموصلة إليه وهي شريعته المتضمنة لأمره ونهيه
الثاني : تعريف السالكين ما لهم بعد الوصول إليه من النعيم الذي لا ينفد ، وقرة
العين التي لا تنقطع ، وهذان الأصلان تابعان للأصل الأول ، ومبنيان عليه فأعرف
الناس بالله أتبعهم للطريق الموصل إليه ، وأعرفهم بحال السالكين عند القدوم عليه”
انتهى .
فمعرفة الله تعالى مرتبة عظيمة والمقصود منها : توحيد الله تعالى ، وعبادته وحده لا
شريك له ، ومعرفته بأسمائه الحسنى ، وصفاته العلى .
وعلى هذا ، فلقب : العارف بالله ، لا بأس به من حيث الأصل ، بل هو كلمة مدح لمن
قيلت في حقه ، ولهذا استعمل العلماء هذا اللقب ، كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه
ابن القيم وعلمائنا المعاصرون .
قال
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
“مما يدخل في معاني القرب – وليس في الطوائف من ينكره – قرب المعروف والمعبود إلى
قلوب العارفين العابدين ؛ فإن كل مَن أحب شيئا فإنه لا بد أن يعرفه ويقرب من قلبه ،
والذي يبغضه يبعد من قلبه” انتهى .
“مجموع الفتاوى” (5/465) .
وقال رحمه الله :
“وكذلك سائر شيوخ المسلمين من المتقدمين والمتأخرين الذين لهم لسان صدق في الأمة ،
كما ذكر الشيخ يحيى بن يوسف الصرصري ، ونظمه في قصائده ، عن الشيخ على بن إدريس
شيخه ، أنه سأل قطب العارفين ، أبا محمد ، عبد القادر بن عبد الله الجيلى ، فقال :
يا سيدي
هل
كان لله ولي على غير اعتقاد أحمد بن حنبل ؟ فقال : ما كان ولا يكون” انتهى .
“الاستقامة” (ص/85) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : “ولهذا يقول بعض العارفين في نظم له :
إذا
كان شكري نعمة الله نعمة علي *** له في مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله *** وإن طالت الأيام واتصل العمر ” انتهى.
“لقاءات الباب المفتوح” (رقم/106) .
وسئل الشيخ صالح آل الشيخ : هل يصح إطلاق لفظ العارف أو قاضي القضاة على العَالِمْ
؟
فأجاب :
“أما لفظ العارف فلا بأس به ، استعمله أئمتنا في بعض كلامهم ، قال بعض العارفين ،
قال فلان العارف بالله ، على قلة ، والأحسن أن يترك” انتهى .
“إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل” .
فلا
حرج على من دعا لنفسه أو لأخيه المسلم أن يفتح الله عليه فتوح العارفين ، ولا بأس
أن يسأل الله تعالى أن يرزقه تلك الدرجات ، وأن يفتح على قلبه من أبواب العلم
والتقى ما يفتح به على قلوب أوليائه المتقين ، قال الله تعالى : (وَاتَّقُوا
اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ) .
ولكن يجب التنبه إلى أن لقب “العارف بالله” صار الآن يطلق على بعض مشايخ الطرق ،
المنحرفين عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ولهذا نرى أن الأفضل العدول
عن هذا اللفظ ، لأنه صار كأنه شعار من شعارات أهل البدع .
ويكفي المسلم أن يقول : رب زدني علما ، أو يقول : اللهم علمني ما ينفعني .
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟