أنا متزوج وعندي أولاد. سافرت خارج البلاد من أجل العمل. منذ عدة سنين ارتكبت ذنبا كبيرا وهو الزنا بأم زوجتي وقد ندمت ندما شديدا. حياتنا أنا وزوجتي مليئة بالمشاكل وقد حصل الطلاق لأول مرة. وبعد ذلك التقيت بفتاة أجنبية وبدأت أدعوها للإسلام وخلال شهرين اعتنقت الإسلام واتفقنا على الزواج. خلال هذه المدة زوجتي السابقة بدأت تتصل معي لتعود إلى عصمتي وهي ما زالت تحبني ومتعلقة بي، ولكنني أظن أن علاقتنا محرمة بسبب الذنب الكبير الذي قمت به سابقا، غير أنني أعدت زوجتي السابقة إلى عصمتي لكي أجمع بين الاثنتين. الآن وبعد أن أعدت زوجتي بدأت المشاكل تتولد من جديد من أجل أنها لا تريدني أن أتزوج المرأة الأجنبية المسلمة. الآن لا أدري ماذا أفعل ؟ هل زواجي من أم أولادي باطل وعليّ أن أطلقها رغم أنها تحبني ولكن لا تريد أن يكون عندي زوجة ثانية؟ ما مصير الأولاد في حال الطلاق علماً بأن زوجتي ستترك البلد الأجنبي في حال الطلاق؟ فما الفتوى والحل الشرعي لحالتي؟
زنى بأم زوجته فهل تحرم زوجته عليه؟
السؤال: 131569
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
من زنى بأم زوجته – عياذا بالله من ذلك – فقد أتى منكرا عظيما ، يلزمه منه التوبة والندم والاستغفار ، مع الإكثار من الأعمال الصالحة ، رجاء أن يتوب الله عليه ، كما قال سبحانه : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) طه/82، وهل تحرم عليه زوجته بذلك أم لا ؟ فيه خلاف بين الفقهاء.
ذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه تحرم عليه زوجته بسبب زناه بأمها ، وجعلوا هذا الوطء المحرَّم كالوطء الحلال في تحريم المصاهرة ، فإن الرجل لو نكح امرأة ودخل بها حرمت عليه بنتها إجماعا ؛ لقوله تعالى في المحرَّمات من النساء : ( وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ) النساء/23.
وذهب المالكية والشافعية : إلى أنه لا تحرم عليه زوجته بسبب وطئه لأمها بالزنا ؛ لأن الحرام لا يحرِّم الحلال .
قال ابن قدامة رحمه الله : “ولو وطئ أم امرأته أو بنتها حرمت عليه امرأته نص أحمد على هذا في رواية جماعةٍ ، وروي نحو ذلك عن عمران بن حصين ، وبه قال الحسن وعطاء وطاوس ومجاهد والشعبي والنخعي والثوري وإسحاق وأصحاب الرأي .
وروى ابن عباس أن الوطء الحرام لا يحرِّم ، وبه قال سعيد بن المسيب ويحيى بن يعمر وعروة والزهري ومالك والشافعي وأبو ثور وابن المنذر” انتهى من “المغني” (7/90).
والقول الثاني ، الذي ذهب إليه المالكية والشافعية ، قد رجحه جماعة من أهل التحقيق ، منهم العلامة محمد الأمين الشنقيطي ، قال رحمه الله : ” الخلاف في هذه المسألة مشهور معروف ، وأرجح القولين دليلا فيما يظهر أن الزنى لا يحرُم به حلال ” انتهى من “أضواء البيان” (6/341) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : “لو زنى رجل بامرأة فهل يحرم عليها أصله وفرعه ، وهل يحرم عليه أصلها وفرعها ؟
الجواب : لا يحرم ، لأنه لا يدخل في الآية ، قال تعالى : ( وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ ) قال ( مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ ) والزانية لا تدخل في هذا … ومع هذا فمذهب الحنابلة أن الزنى كالنكاح ، فإذا زنى بامرأة حرم عليه أصولها وفروعها ، وحرم عليها أصوله وفروعه تحريما مؤبدا ، بل من غرائب العلم أن يجعل السفاح كالنكاح ، بل من أغرب ما يكون ، وهو من أضعف الأقوال … والصواب أنه لا أثر في تحريم المصاهرة لغير عقد صحيح ؛ وذلك لأن العقود إذا أطلقت في الشرع حملت على الصحيح ، فالصواب في هذه المسألة أن كل ما كان طريقه محرما فإنه لا أثر له في التحريم والمصاهرة ” انتهى من “الشرح الممتع” (5/203) .
وبناء على هذا ؛ فإن زوجتك لا تحرم عليك ، وينبغي أن تحسن إليها ، وتهتم بها ، وتبتعد عن كل ما يقربك من الحرام ويدعوك إليه .
ثانيا :
يباح للرجل أن يتزوج بثانية وثالثة ، وأن يجمع بين أربع نسوة ، إذا كان قادرا على ذلك ماديا وبدنيا ، ورجى من نفسه العدل وعدم الظلم . هذا من حيث الأصل ، ثم ينظر كل زوج فيما يترتب على زواجه الثاني من مصالح ومفاسد ، فإن غلبت المفسدة ، كضياع الأولاد ، وانتقالهم إلى بلد آخر ، وحرمانهم من تربيته ورعايته ، أو تضررهم بذهاب أمهم وبقائهم مع زوجة أبيهم ، مع كون الزوج لا يتضرر كثيرا بالاقتصار على زوجة واحدة ، فلا شك أنه يطالب بالكف عن الزواج الثاني ، درءا للمفسدة ، وحفاظا على أبنائه الذين سيسأل عنهم أمام الله . وهكذا ينبغي أن تنظر في المصالح والمفاسد ، وأن تقدم الغالب منها ، مع استشارة من تثق به من أهل الصلاح والدراية ممن يعرف حالك وحال أولادك .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب