لي أب يعاكسني ! كما لو كنت بنتاً عاهرة من الشارع ! علماً بأنه مريض , وتكفلت بمصاريف علاجه الباهظ عسى أن تتغير تصرفاته معي ، لكن الحال بقي كما هو ، ويقول لي : “أنت ومالك لأبيك” ! فكرتُ أن أهجر البيت خوفاً على عرضي ، لكن إلى أين أذهب ؟! وأمِّي لا تحس بي , وتميز إخوتي عليَّ ، وهم بدورهم يغارون مني , ويؤثَِّرون عليها ؛ لا أحد منهم يكلمني ، أثَّر هذا على نفسيتي , وأنا مريضة , وعصبيَّة جدّاً , أقرأ في القرآن (وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَاناَ) ، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم بر الوالدين واجب حتى ولو ظلما , أحاول برَّهم ، وأجد لهم أعذاراً .
ما يحصل لأبي هو مرض نفسي ، وأمي لم تتعلم ، ولا تعرف كيف تتصرف في هذه الحالات ، أحضر الهدايا ، والأكل , لكن كل ما فعلت شيئاً صالحاً يقلبوه ، ويسبوني به ، أنا إنسانة ضعيفة الإيمان , أحاول التهرب من ظلمهم ، حين أعود من العمل : ألزم الفراش ، حتى إذا أردت الذهاب إلى المطبخ أتأكد من أن أبي ليس هناك كي أتجنب نظراته لي ! علماً أنه يصلي ، هو مَن علمني الصلاة ، أنا لست جميلة ، حتى جسمي ضعيف ليس فاتناً ، أعرف أنه ابتلاء , أريد مرضاة ربي ، أنا لست صبورة ؛ أبكي ، وأصيح ، أحس في داخلي بركاناً .
علِّموني الصبر ؛ كي لا أخسر الدنيا ، والآخرة .
أمها وأخواتها يسيؤون معاملتها ووالدها يتحرش بها
السؤال: 132044
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
ينبغي لك أولاً :
أن تلجئي إلى الله بالدعاء أن يهدي والدك ، وأن يشفيه ، ثم بعد ذلك لا بد من إخبار أهلك عن صنيع والدك ، ويجب عدم السكوت عن فعله ؛ حتى لا يتكرر فعله معك ، أو مع غيرك من إخوتك , ويجب عليك خلال ذلك : المحافظة على اللباس الساتر قدر الإمكان ؛ فإنَّ كثيراً من حالات التحرش بين المحارم يكون سببها التساهل في كشف العورات أمامهم ، فتجد الفتاة تلبس اللباس الضيق جدّاً ، وتكشف ساقيها ، وذراعيها ، وأكثر من ذلك ، بدعوى أنها تجلس مع محارمها ، أو أهلها ، وهي لا تدري أن الشيطان يسول للنفس كل مُحَرَّم ، وأن المَحْرَم قد يفتن بما يراه من محاسن محارمه ، وخاصة كما ذكرتِ أنه مصاب بمرض نفسي .
وكذلك يجب عليك الحرص على عدم الخلوة معه .
ثانياً :
من أعظم الأعمال الصالحة ، وأحبها إلى الله : برُّ الوالدين , ولا يمكن لأحد ـ في الغالب ـ أن يجزي والديه على ما قدموه من رعاية ، وتربية .
فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (لاَ يَجْزِى وَلَدٌ وَالِدًا إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ) رواه مسلم (1510) .
قال النووي رحمه الله :
أي : لا يكافئه ، بإحسانه ، وقضاء حقه ، إلا أن يعتقه .
“شرح مسلم” (10/153) .
ولا شك أن من أعظم النفقة أجوراً وثواباً : نفقة الإنسان على أهله ، من الوالدين ، والإخوة ، والأخوات ، وإذا احتسبها المسلم : فله أجر عظيم .
فعن أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ ، أَعْظَمُهَا أَجْراً : الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ) رواه مسلم (995) .
وإذا تصدق المسلم أو وصل رحمه فإنه لا ينتظر أجراً ولا ثواباً إلا من الله ، ولعل الله أن يرزقه ، ويوسع عليه بسبب هذه النفقة إذا احتسبها , وأن يفرِّج كربه ، وهمَّه بما يقدِّم .
فعليك أن تستمري فيما تقدمينه إلى أهلك من معروف ، من هدايا وغيرها ، ولك جزاء ذلك إن شاء الله تعالى في الدنيا والآخرة .
وأما حديث (أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ) فالمقصود به : الخدمة والطاعة والرعاية ، وليس المقصود منه المعنى الباطل الذي يذهب إليه والدك .
ثالثاً :
ربما تكون بعض الظروف التي يعيشها الإنسان ، وما يصاحبها من غمٍّ ، وهمٍّ : تُشعر الإنسان أن مَن حوله لا يكنُّون له المودة ، والمحبة ، أو لا يهتمون به , والحقيقة قد تكون غير ذلك ، فلا يُتصور أن أمّاً لا تكنُّ محبةً لابنتها , وهي تراها ليل نهار تقوم بخدمتهم ، وتلبي حاجاتهم ، نعم ، ربما يكون الحظ الأوفر من الحبِّ ، والحنان ، للصغار – مثلاً – , ولكن لا يعني ذلك بغضاً للأكبر ، أو تخلٍّ عنه ؛ وربما يكون السبب في ذلك : انطواءٌ من الإنسان على نفسه , وصاحَبَ ذلك عدم رفق , وسرعة غضب ، كما ذكرت السائلة عن نفسها ، وهو لعله ما جعل الآخرين يتجنبون الحديث معك ؛ خوفاً من غضبك ، أو من الاصطدام معك ، وهذا معلوم بالتجربة .
والنصيحة لك : أن تغيِّري من نمط حياتك , وأن تتخلي عن انطوائك ، وعصبيتك , وأن تبادري الحديث مع إخوتك , وأن تجربي أسلوب الملاطفة ، والود ؛ وسوف ترين ما يكنُّه لك الأهل ، من الأم ، والإخوة ، من حبٍّ ، وحنان , وليس العلاج من ذلك : بالهرب ، والانطواء ، بل بالصبر ، والإحسان ؛ والود ، والملاطفة .
وعليكِ الاستعانة قبل ذلك كله بالله تعالى ، بالدعاء ، والإنابة ، والعمل الصالح ، وخاصة : الصلاة ، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) البقرة/ 156 .
رابعاً :
أما الصبر وما يعين عليه : فقد أمرك الله تعالى – كما سبق في الآية – بالاستعانة به ؛ لما فيه من الأجور العظيمة ، ولما فيه من منع المسلم من التعدي على شرع الله ، ومن القيام بما أوجبه الله عليه .
كما نوصيك أن تتفكري في حقيقة هذه الدنيا , وأنها دار ابتلاء ، واختبار ، قال الله تعالى : (الم . أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) العنكبوت/ 1 – 3 .
واعلمي أن الصبر يمكن تحصيله بتعويد النفس عليه ، ولو علم المسلم ما في الصبر من أجور : لجاهد نفسه حتى يكون من الصابرين .
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ) رواه البخاري (1469) ومسلم (1053) .
وعَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) رواه مسلم (2999) .
ونوصيك بالتأمل في قصص الصابرين من الأنبياء ، والصالحين ؛ ففيها إعانة على الصبر .
خامساً :
اعلمي أن حقيقة الجمال هو جمال الروح ، وليس جمال الجسد , والله تعالى لا ينظر إلى صور الخلق ، ولا لأجسادهم ، بل لقلوبهم ، وأعمالهم .
فعَنْ أَبي هُرَيرَة رَضِي الله عنه قالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ ، وَلاَ إِلَى صُوَرِكُمْ ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وأَعْمَالِكُم) رواه مسلم (2564) .
فالجمال الحقيقي : في كرم الأخلاق ، والأفعال الحسان ، وفي طاعة الرحمن .
نسأل الله تعالى أن يلهمك رشدك ، وأن يهدي أهلك
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب