الحكم على مقولة: (الله بالعين ما شفناه وبالعقل عرفناه)
السؤال: 133315
ما حكم قول : (الله ما شفناه بالعقل عرفناه) ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
هذه
الكلمة تحتوي على مسألتين : الأولى حق ، لا ريب فيها ، والثانية : فيها جزء من
الحقيقة ، وليست الحقيقة كاملة .
وبيان ذلك :
1.
أما المسألة الأولى : فهي قولهم “الله ما شفناه” – أي : ما رأيناه – : فهذا حق ؛ :
لأنه من عقيدة أهل السنة والجماعة أن الله لا يراه أحد في الدنيا ؛ وإنما تكون
رؤيته في الآخرة ، بعد الموت ، ففي صحيح مسلم (7540) أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : (تَعَلَّمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
حَتَّى يَمُوتَ) .
قال
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
ولهذا اتفق سلف الأمة ، وأئمتها ، على أن الله يُرى في الآخرة ، وأنه لا يَراه أحدٌ
في الدنيا بعينه .
“مجموع الفتاوى” (2/230) .
2.
وأما المسألة الثانية : وهي قولهم ” بالعقل عرفناه ” : فهي تمثِّل جزء من الحقيقة ؛
لأن دلائل معرفة الله متنوعة ، منها الفطرية ، والعقلية ، والشرعية ، والحسية .
فوجود الله تعالى معروف بالعقل .
ومن
الأدلة العقلية التي يستند عليها العلماء في إثبات وجود الله تعالى : أن كل سبب لا
بد له من مسبِّب , وكل محدَث – بالفتح – لا بد له من محدِث – بالكسر – ، وهذا دليل
عقلي .
وقد
أمر الله تعالى بالتفكر في خلق السماء ، والأرض , وهذا التفكر إنما يتم بالعقل ،
قال تعالى : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا
خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ) الأعراف/185 ، وقال تعالى : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا
فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا
إِلَّا بِالْحَقِّ) الروم/8 .
ومن
ذلك قول الأعرابي : البعرة تدل على البعير ، وآثار السير تدل على المسير ، فأرض ذات
فجاج ، وسماء ذات أبراج : ألا تدل على اللطيف الخبير ؟! .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
أما
إثبات الصانع : فطرُقه لا تحصى بل الذي عليه جمهور العلماء أن الإقرار بالصانع فطري
، ضروري ، مغروز في الجِبِلَّة ، ولهذا كانت دعوة عامَّة الرسل إلى عبادة الله وحده
لا شريك له ، وكان عامَّة الأمَّة مقرين بالصانع ، مع إشراكهم به بعبادة ما دونه ،
والذين أظهروا إنكار الصانع – كفرعون – خاطبتهم الرسل خطاب مَن يعرف أنه حق ، كقول
موسى لفرعون (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ) الإسراء/102 ، ولما قال فرعون : (وَمَا رَبُّ
الْعَالَمِينَ) الشعراء/23 ، قال له موسى : (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا
بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ *
قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ
الْأَوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ
* قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ
تَعْقِلُونَ) الشعراء/24 – 28 .
“منهاج السنة” (2/270) .
وكون الله تعالى موصوفاً بكل كمال ، ومنزهاً عن كل نقص معروف أيضاً بالعقل .
ولكن هذه المعرفة معرفة إجمالية , وأما المعرفة التفصيلية : فلا تتم إلا بالشرع ،
فبه تُعرف أسماؤه تعالى الحسنى ، وصفاته العلى .
وقد
سئل الشيخ عبد الرحمن البرَّاك حفظه الله :
ما
مدى جواز قول القائل : ” عرفْنا ربَّنا بالعقل تفصيلاً ” ؟ وجزاكم
الله خيراً .
فأجاب :
”
، وبعد :
لقد
فطر الله عباده على معرفته ، فإن الإنسان بفطرته يَعلم أن كل مخلوق لا بد له
من
خالق ، وأن المُحدَث لا بد له من مُحدِث ، وقد ذكر الله الأدلة الكونية من آيات
السماوات والأرض على وجوده ، وقدرته ، وعلمه ، وحكمته ، ولهذا يذكِّر الله عباده
بهذه
الآيات ، وينكر على المشركين إعراضهم عنها ، قال تعالى : ( وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ
فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ
عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ) يوسف/ 105 .
وهذه المعرفة الحاصلة
بالآيات الكونية هي من معرفة العقل ، فتحصل بالنظر ، والتفكُّر ؛ ولهذا يقول تعالى
: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ) الأعراف/185 ، ويقول تعالى : (أَوَلَمْ
يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ) الروم/8 .
والآيات بهذا المعنى كثيرة ، ومع ذلك : فالمعرفة الحاصلة بالعقل هي معرفة
إجمالية ؛ إذ الإنسان لا يعرف ربه بأسمائه ، وصفاته ، وأفعاله ، على وجه التفصيل
إلا بما
جاءت به الرسل ، ونزلت به الكتب ، فالرسل صلوات الله وسلامه عليهم جاؤوا بتعريف
العباد بربهم ، بأسمائه ، وصفاته ، وأفعاله ، وبهذا يُعلم أن العقول عاجزة عن معرفة
ما لله
من
الأسماء ، والصفات ، وما يجب له ، ويجوز عليه ، على وجه التفصيل ، فطريق العلم بما
لله
من
الأسماء ، والصفات تفصيلاً هو : ما جاءت به الرسل ، ومع ذلك فلا يحيط به العباد
علماً
مهما بلغوا من معرفة ، كما قال تعالى : (وَلَا يُحِيطُونَ
بِهِ عِلْماً)
طه/110 ، وقال صلى الله
عليه وسلم : (لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى
نَفْسِكَ) أخرجه مسلم (486) .
وبهذا يتبين أن من
طرق
معرفة الله طريقين
:
العقل ، والسمع – وهو النقل – وهو ما جاء به
الرسول صلى الله عليه وسلم من الكتاب ، والسنَّة ، وأن مِن أسمائه وصفاته ما يُعرف
بالعقل
والسمع ، ومنها ما لا يعرف إلا بالسمع .
وبهذه المناسبة : يحسُن التنبيه إلى أنه يجب
تحكيم السمع – وهو الوحي – وجعل العقل تابعاً مهتدياً بهدى الله ، ومن الضلال
المبين
أن
يعارَض النقل بالعقل ، كما صنع كثير من طوائف الضلاَّل ، من الفلاسفة ، والمتكلمين
.
ووَفَّق الله أهل السنة والجماعة للاعتصام بكتابه ، وسنَّة رسوله صلى الله عليه
وسلم ، واقتفاء آثار السلف الصالح ، فحكّموا كتاب الله ، وسنَّة رسوله صلى الله
عليه
وسلم ، ووضعوا الأمور في مواضعها ، وعرفوا فضيلة العقل ، فلم يعطلوا دلالته ، ولم
يقدموه على نصوص الكتاب والسنَّة ، كما فعل الغالطون ، والمبطلون ، فهدى الله أهل
السنة
صراطه المستقيم ، فنسأل الله أن يسلك بنا سبيل المؤمنين، وأن يعصمنا من طريق
المغضوب
عليهم ، والضالين . والله أعلم .
من
موقع الشيخ حفظه الله
http://albarrak.islamlight.net/index.php?option=content&task=view&id=1164&Itemid=25
أكرمنا الله ، وإياك برؤية الله سبحانه في دار القرار .
والله أعلم
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعتم بهذه الإجابة؟