ظاهرة تعلق النساء بالمنشدين ، بصورهم ، وأصواتهم ، الأسباب ، والعلاج
السؤال: 134595
عندي أمر يؤرقني كثيراً ، وهو أنني مشترك في كثير من منتديات ” الإسلامية ، والتي فيها أقسام للنشيد الإسلامي ” ، وهي إسلامية – يفترض – ، أكاد أجن من كثرة الأسماء والتعليقات التي أقرؤها ، والتي تدل على شدة تعلق الفتيات والنساء ، وفتنتهن بهؤلاء المنشدين .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
لا
شك أن تشريع الله تعالى للأحكام فيه حكَم جليلة ، ومقاصد عظيمة ، وفوائد نافعة ،
وهو سبحانه وتعالى أعلم بعباده ، وهو أعلم بما ينفعهم فحثهم عليه ، وبما يضرهم
فنهاهم عنه .
ومن
نعَم الله علينا أنه سبحانه أراد لنا الخير , وأراد لنا العفة ، والطهارة الباطنية
والظاهرية ، وأراد لنا السلامة من الآفات ، قال تعالى : ( وَلَكِنْ يُرِيدُ
لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون )
المائدة/ 6 .
وحتى تتحقق الطهارة التي أرادها الله لعباده : فإنه شرع أحكاماً من تمسك بها تطهَّر
، ومن تركها تلوَّث بقدر تركه ، وتهاونه في الاستقامة عليها ، ومن ذلك : أنه تعالى
حرَّم خلوة الرجل الأجنبي بالمرأة الأجنبية، وحرَّم الاختلاط بين الجنسين ؛
وحرَّم نظر الرجال إلى النساء الأجنبيات , ونظر النساء إلى الرجال الأجانب ، كما
قال تعالى : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا
فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُون .
وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ
) النور/ 30 ، 31 .
ولا
شك في تحريم هذا النظر ، لا سيما إذا اقترن بشهوة ، وإعجاب .
قال
الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله – :
(
ذَلِكَ ) الحفظ للأبصار والفروج ، ( أَزْكَى لَهُمْ ) أطهر ، وأطيب ، وأنمى
لأعمالهم ؛ فإنَّ من حفظ فرجَه ، وبصرَه : طهر من الخبث الذي يتدنس به أهل الفواحش
، وزكت أعماله ، بسبب ترك المحرم ، الذي تطمع إليه النفس ، وتدعو إليه ، فمن ترك
شيئا لله : عوَّضه الله خيراً منه ، ومن غض بصره عن المحرم : أنار الله بصيرته ؛
ولأن العبد إذا حفظ فرجه وبصره عن الحرام ومقدماته ، مع داعي الشهوة : كان حفظه
لغيره أبلغ ، ولهذا سماه الله حفظاً ، فالشيء المحفوظ إن لم يجتهد حافظه في مراقبته
وحفظه ، وعمل الأسباب الموجبة لحفظه : لم ينحفظ ، كذلك البصر والفرج ، إن لم يجتهد
العبد في حفظهما : أوقعاه في بلايا ومحن .
”
تفسير السعدي ” ( ص 565 ) .
وقال ابن القيم – رحمه الله – :
والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان ؛ فإن النظرة تولِّد خطرة ، ثم تولد
الخطرة فكرة ، ثم تولد الفكرة شهوة ، ثم تولد الشهوة إرادة ، ثم تَقْوَى فتصبر
عزيمة جازمة ، فيقع الفعل ولا بد ، ما لم يمنع منه مانع ، وفي هذا قيل : ” الصبر
على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده ” .
”
الجواب الكافي ” ( ص 106 ) .
وهذا هو واقع من يتعلق قلبها بمغنٍّ ، أو لاعب ، أو ممثل ، أو يتعلق قلبه بمغنية ،
أو ممثلة ، فإن حالهم لا يخفى ، فقلوبهم امتلأت بالحسرات ، وقد أدمنوا التفكير في
اللقاء ، والمشاهدة لصورة معشوقهم ، وقد يموت بسبب كمده ، وحزنه ، وكم وقع أولئك في
الكبائر لأجل هذه التعلق القلبي ، وحال تلك الأوساط العفنة غير مستور .
والذي يؤلمنا أشد الإيلام : أن تنتقل تلك الأمراض ذاتها بين بعض الملتزمات من
الأخوات ، وقد توصل الشيطان إلى إيقاعهن في ذات الفتنة التي أوقع غيرهن من التعلق
باللاعبين ، والممثلين ، والمغنين ، ولكن لأنهن ملتزمات – في الظاهر – فإنه أوقعهن
في التعلق بالمنشدين ! والحال هو الحال ، بل هو أسوأ ؛ لأنه صادر من مدعية للالتزام
، والاستقامة ، وانظر إليها كيف رضيت لنفسها بلقب ” عاشقة فلان ” ! وانظر إلى
الأخرى كيف نذرت نفسها لتجميع صور معشوقها على جوالها حتى بلغ عددها ( 300 ) صورة ،
وهلم جرا !!
وقد
تجرأ هؤلاء على تلك المعاصي بسبب عدم وجود الواعظ الداخلي الذي ينهاهم عن الفحشاء
والمنكر .
قال
شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – مبيِّنا خطورة الافتنان بأصحاب الخلقة الجميلة
– :
ولهذا لا يكون عشق الصور إلا من ضعف محبة الله ، وضعف الإيمان , والله تعالى إنما
ذكره في القرآن عن امرأة العزيز المشركة , وعن قوم لوط المشركين ، والعاشق المتيم
يصير عبداً لمعشوقه ، منقاداً له ، أسير القلب له .
“مجموع الفتاوى” ( 15 / 293 )، وينظر: “إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان” ( 1 / 64 )
.
وما
قاله أولئك العلماء الأعلام في عشق الصور يقصد به ” التعلق بالهيئة ” ، والتصور لها
في الذهن دوماً ، ولم يكن في زمانهم هذه الصور المطبوعة على أوراق بأبهى الألوان ،
وأحسن الأشكال ، وبحركات مختلفة للمصوَّر المعشوق ! ولا شك أن هذه الصور داخلة في
كلامهم رحمهم الله ، وقد نقلنا في أكثر من إجابة عن العلماء المعاصرين تحريم الصور
الفوتوغرافية لذوات الأرواح ، وخاصة إذا ترتب على تلك الصور فتنة ، فهذا مما لا
خلاف في حرمته بين أحدٍ من أهل العلم .
وانظر جواب السؤال رقم : (
112019 ) لمعرفة حكم التصوير الفوتوغرافي .
ثانيا :
من
أسباب فتنة النساء بالمنشدين – كذلك – : الصوت الحسن ، وهو هنا صوت “المنشد” والذي
لا يختلف كثيراً عن ” المغني ” ، وتحصل الفتنة في هيئته ، وفي حركاته ، وفي
المؤثرات المستعملة مع نشيده ، مما يكون له أبلغ الأثر في افتتان النساء .
ولذلك أنكر العلماء النشيد المعاصر الذي انتشر حتى صار فتنة من فتن العصر ، فبعد أن
كانت الأناشيد ذات معان إيمانية ، أو جهادية ، أو علمية : صارت الآن – في كثير منها
– مشابهة لأغاني الفسَّاق ، من حيث ترقيق الصوت ، ووضع صورة المنشد على غلاف الشريط
، وعمل الفيديو كليب معها ، وأحسنهم حالاً من يستعمل المؤثرات التي تشبه في صوتها
وأثرها الآلات الموسيقية ، ولم يعُد للمعاني أي اعتبار ، بل يُبحث عن اللحن
والمؤثرات .
وقد
سبق الكلام عن ذلك في جوابي السؤالين :
(
91142 ) و (
129938 ) .
ثالثا :
كما
حذَّرنا النساء من مغبة الوقوع فيما حرَّم الله عليهم ، من النظر المحرم ، والتعلق
المحرَّم ، والعشق المحرَّم : فإننا نحذِّر المنشدين المعاصرين ، وأنهم يتحملون
وزراً كبيراً بما يحدث من تعلق النساء بهم ، فنشيدهم أقرب لأغاني الفساق ، ولباسهم
وحركاتهم في النشيد تدفع النساء للفتنة بهم ، مع ما يضعه بعضهم من مساحيق التجميل !
، ولا شك أن ظهورهم بهذه الطريقة لا يجوز .
قال
شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
وأبلغ من ذلك : أنه – أي : عمر بن الخطاب – نفى مَن شبَّب به النساء ، وهو ” نصر بن
حجاج ” ، لمَّا سمع امرأة شببت به ، وتشتهيه , ورأى هذا سبب الفتنة ، فجزَّ شعره ؛
لعل سبب الفتنة يزول بذلك ، فرآه أحسن الناس وجنتين ، فأرسل به إلى البصرة ، ثم إنه
بعث يطلب القدوم إلى وطنه ويذكر ألا ذنب له ، فأبى عليه ، وقال : ” أمَا وأنا حي :
فلا ” ؛ وذلك أن المرأة إذا أُمرت بالاحتجاب ، وترك التبرج ، وغير ذلك مما هو من
أسباب الفتنة بها ولها : فإذا كان في الرجال من قد صار فتنة للنساء : أُمر أيضا
بمباعدة سبب الفتنة ، إما بتغيير هيئته , وإما بالانتقال عن المكان الذي تحصل به
الفتنة فيه ؛ لأنه بهذا يحصن دينه ، ويحصن النساء دينهن .
”
الاستقامة ” ( 1 / 362 ) .
خامساً:
من
رامت من الأخوات النجاة بنفسها ، ودينها ، من تلك الفتنة الطاغية ، من التعلق
بالصور ، وأصحابها ، وأصواتهم ، ورامت المحافظة على قلبها من الأمراض : فلتتخلص مما
معها من صور لذلك المنشد وغيره ، ولتقطع السماع له بالكلية – حتى لو قرأ القرآن ! –
، ولتغيِّر من لقبها الفاحش ، والذي عبَّرت فيه عن مكنونها تجاهه ، ولتبدأ ببرنامج
تجلية لقلبها ، بسماع القرآن ، ودروس العلم ، مع التعجيل بالزواج ؛ فإنه الحل
الشرعي لصرفها عن التعلق المحرم ، ولتملأ حياتها بالنافع المفيد ، وبعدها فسيكون في
قلبها البغض لتلك الصور ، وتلك المعاصي ، وليكن ذلك قبل أن يفوت عليها الوقت .
وهذه وصايا ، ونصائح ، من شيخ الإسلام ابن تيمية ، لمن أراد إبراء نفسه من سهام
إبليس .
فقد
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
عمن
أصابه سهم من سهام إبليس المسمومة ؟ .
فأجاب :
مَن
أصابه جرح مسموم : فعليه بما يخرج السم ، ويبرئ الجرح بالترياق ، والمرهم ، وذلك
بأمور ، منها :
الأول : أن يتزوج ، أو يتسرَّى ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا نظر
أحدكم إلى محاسن امرأة فليأت أهله فإنما معها مثل ما معها ) ، وهذا مما ينقص الشهوة
، ويضعف العشق .
الثاني : أن يداوم على الصلوات الخمس ، والدعاء ، والتضرع وقت السحر ، وتكون صلاته
بحضور قلب ، وخشوع ، وليكثر من الدعاء بقوله : ” يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك
يا مصرف القلوب صرف قلبي إلى طاعتك وطاعة رسولك ” ؛ فإنه متى أدمن الدعاء ، والتضرع
لله : صرف قلبه عن ذلك ، كما قال تعالى ( كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ
وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ) يوسف/ من الآية 24 .
الثالث : أن يبعد عن مسكن هذا الشخص ، والاجتماع بمن يجتمع به ، بحيث لا يَسمع له
خبراً ، ولا يقع له على عين ولا أثر ، فإن ” البُعد جفا ” ، و ” متى قلَّ
الذِّكر ضعف الأثر في القلب ” ، فليفعل هذه الأمور ، وليطالع بما تجدد له من
الأحوال .
”
مجموع فتاوى ابن تيمية ” ( 32 / 5 ، 6 ) .
سادساً:
1.
على الأخ السائل أن يَحْذر من تلك المنتديات ، إذا كان يخشى من الافتتان ، أو
التأثر بها ، وليقتصر على المنتديات التي تخلو من تلك المخالفات ؛ وكذلك عليه أن لا
ييأس من واجب النصح والتذكير ؛ فالدين النصيحة .
2.
والنصيحة لمسئولي تلك المنتديات ، والمشرفين عليها : أن يتقوا الله تعالى , وأن
يعلموا أن الله سائلهم عما استرعاهم عليه ، فعليهم أن يجنبوا منتدياتهم وسائل
الفتنة ، وأسبابها ، من عرضٍ لتلك الصور , وتلك ” المقاطع ” – الكليبات – والتي
يترتب عليها مفاسد كثيرة .
والله نسأل أن يثبتنا ، وإياكم , وأن يصرف عنا وعنكم الفتن ، ما ظهر منها وما بطن .
والله أعلم
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
موضوعات ذات صلة