حكم استعمال الأسلوب القصصي في الدعوة إلى الله
السؤال: 135109
ما هو حكم الأسلوب القصصي في الدعوة إلى الله ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
قصص
الحكمة الثابتة في الكتاب والسنة الصحيحة ووقائع الناس وتجاربهم من أنفع أساليب
الدعوة والإرشاد ، وقد استخدمها القرآن في نحو ثلث آياته ، كان المقصود منها أخذ
العظة والعبرة ، كما قال عز وجل : ( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي
الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ
يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ )
يوسف/111.
يقول العلامة السعدي رحمه الله :
” (
لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ ) أي : قصص الأنبياء والرسل مع قومهم ، ( عِبْرَةٌ
لأولِي الألْبَابِ ) أي : يعتبرون بها ، أهل الخير وأهل الشر ، وأنَّ مَن فعل مثل
فعلهم ناله ما نالهم من كرامة أو إهانة ، ويعتبرون بها أيضاً ما لله من صفات الكمال
والحكمة العظيمة ، وأنه الله الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له
.
وقوله : ( مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى ) أي : ما كان هذا القرآن الذي قص الله به
عليكم من أنباء الغيب ما قص من الأحاديث المفتراة المختلقة ، ( وَلَكِنْ ) كان (
تصديق الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ) من الكتب السابقة ، يوافقها ويشهد لها بالصحة ، (
وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ ) يحتاج إليه العباد من أصول الدين وفروعه ، ومن الأدلة
والبراهين . ( وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) فإنهم – بسبب ما يحصل لهم
به من العلم بالحق وإيثاره – يحصل لهم الهدى ، وبما يحصل لهم من الثواب العاجل
والآجل تحصل لهم الرحمة ” انتهى.
”
تيسير الكريم الرحمن ” (ص/407)
بل
أمر الله عز وجل نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بالتذكير بقصص القرآن ، واستعمالها
في تبليغ رسالته ، فقال عز وجل : ( فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ
) الأعراف/176.
يقول ابن جرير الطبري رحمه الله :
”
يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فاقصص ، يا محمد ، هذا القصص ، الذي
اقتصصته عليك … على قومك من قريش ، ومَنْ قِبَلَك من يهود بني إسرائيل ،
ليتفكروا في ذلك ، فيعتبروا وينيبوا إلى طاعتنا ، لئلا يحلّ بهم مثل الذي حلّ بمن
قبلهم من النّقم والمثلات ، ويتدبَّره اليهود من بني إسرائيل ، فيعلموا حقيقةَ أمرك
وصحَّة نبوّتك ” انتهى.
”
جامع البيان ” (13/274)
وفي
مقدمة ” التحرير والتنوير ” (1/63-69) ذكر فصلا نافعاً في فوائد القصص القرآني لمن
أراد الاستفادة منها .
كما
أن نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام استعمل هذا الأسلوب الحكيم في سرد القصص
النافعة المفيدة ، وخير شاهد على ذلك تلك الأحاديث الكثيرة التي تشتمل على قصص
السابقين.
يقول الدكتور سعيد القحطاني :
”
القصص الحكيم من الكتاب أو من السنة من الأساليب المهمة في الدعوة إلى الله عزّ
وجلّ ؛ لما فيه من شحذ ذهن المدعو ؛ ولهذا استخدمه النبي صلى الله عليه وسلم في
دعوته ، ففي هذا الحديث قال صلى الله عليه وسلم : ( غزا نبي من الأنبياء ، فقال
لقومه : لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبن بها …) ،
وهذا يوضح للداعية أهمية استخدام أسلوب القصص في دعوته إلى الله عزّ وجلّ ” انتهى.
”
فقه الدعوة في صحيح البخاري ” (3/381) (ترقيم الشاملة) ، وينظر (3/66) .
ثانياً :
نوصي الدعاة ألا يقتصروا في أساليب الوعظ والتدريس على القصص ، كيلا ينشغل
المستمعون بالقصة عن المقصد ، ولئلا تنصرف قلوبهم إلى الاستمتاع بالقصص عن
الاستفادة من الموعظة ، بل الواجب تأصيل الأمر التربوي والدعوي من خلال أدلته
الثابتة بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، على ما هو معروف في أصول الفقه
، ومنهج الاستدلال ، ثم تذكر القصة للعبرة ، وبيان التطبيق العملي ، وشد انتباه
السامع إلى معايشة المعنى واقعياً ، فلا تكون القصة بذاتها مصدراً للاستدلال
والتشريع .
قال
ابن الجوزي رحمه الله : ” ذُم القُصَّاصُ لأن الغالب منهم الاتساع بذكر القَصَصِ
دون ذكر العلم المفيد ، ثم غالبُهم يُخَلِّط فيما يورده ، وربما اعتمد على ما
أكثره محال ” انتهى .
“تلبيس إبليس” (134) .
قال
أحمد : ” القَصَّاص الذي يُذَكِّر الجنة والنار والتخويف ، وله نية وصدق الحديث ،
فأما هؤلاء الذين أحدثوا من وضع الأخبار والأحاديث فلا أراه ” انتهى .
“الآداب الشرعية” لابن مفلح (2/85) .
ثالثاً :
لتحقيق الغاية من القصص في الدعوة إلى الله ، والتأثير في قلوب الناس ، لا بد من
توفر بعض الميزات في هذه القصص ، كي تقع في القلوب الموقع الصحيح ، فمن ذلك :
”
1- أن يتحرّى الواعظ الصدق فيما ينقله من قصص وأخبار ؛ فإن الواقعية والمعقولية في
ذكر القصص لعامة الناس طريقان سريعان للتقبل والعمل ، ليس على الأمد القريب فحسب ؛
بل حتى البعيد أيضاً ، وانظر إلى وصف الله تعالى قصصه في القرآن بقوله : ( إِنَّ
هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ )، متأملاً أثرها الخالد إلى يوم القيامة .
وعليه : فمن الخطأ أن ينظر الواعظ ما سيحصل بين يديه من التأثر بما لم يثق فيه من
القصص المؤثرة ، مقابل أن يهمل مصداقيته المستقبلية في وعظه .
وليس هذا فحسب ؛ بل إن الواعظ حتى لو تأكد من صدق قصته أو خبره ، لكنه إن رأى أن
فيها من الغرائب ما لا يصدقه عامة الناس ، فالأولى ألا يحدث بها ، حتى لا تنعدم ثقة
الناس فيه وفي علمه ، ولقد كان سلف الأمة يفرون من غرائب الأخبار ، ومن ذلك قول
أيوب السختياني رحمه الله : إِنَّمَا نَفِرُّ أَوْ نَفْرَقُ مِنْ تِلْكَ
الْغَرَائِبِ . كما أورد ذلك عنه مسلم في صحيحه ؛ بل كانوا يقرنونها بالمناكير من
الأحاديث ، ومن ذلك قول الترمذي رحمه الله : زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ كَثِيرُ
الْغَرَائِبِ وَالْمَنَاكِيرِ .
2-
الحوار ، ويشمل الحوار الشفهي أو الحوار النفسي الذي يشف ما في نفس بعض أطراف القصة
بدون ما يتفوه به ، ليصف في بعض المشاعر والخلجات ، وهذا من أكثر ما يؤثر في النفس.
3-
التركيز على المواطن المؤثرة ، وذكر بعض التفاصيل التي تكمل المشهد في ذهن المتلقي
من دون إيراد الجزئيات التي ربما ندّت بعقل المستمع عن المطلوب .
4-
جودة البدء ، وإحكام النهاية ، فإن في البداية تشويقاً وجذباً ، وفي النهاية عنصر
المفاجأة ، وعنصر الاتعاظ ، من هنا قال الله تعالى في آخر سورة يوسف : ( لَقَدْ
كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى
وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى
وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ )
5-
أن يراوح الداعية بين قصص السابقين والمعاصرين ، فإنه لا يشك أحدنا أن حكايات السلف
رحمهم الله في زهدهم وورعهم وتعاملهم مع الله تعالى وخلْقِه فيها من كنوز الوعظ
والتذكير ما تطرب له القلوب ، وتهتز لها المشاعر ، ولكن لما كان في المجتمع فئة
تستبعد الوصول إلى حالهم ، كان على الواعظ أن يذكر صفحات مضيئة من أحوال الأتقياء
والعاملين المخلصين في هذا الزمان ، حتى يقْرُبَ المثال ، ويُتصور التطبيق .
6-
أن يوثق الداعية قصته بذكر مرجعها ، أو سندها ، ولو كانت من قصص المعاصرين ، لتزيد
ثقة الناس فيه .
إذا
توفرت هذه المرتكزات في قصصنا ، ستترك بإذن الله تعالى أثراً كبيراً في نفوس الناس
، فكم قصة غيرت حياة إنسان ، وكم قصة تركت من الأثر ما لم تتركه كثير من المحاضرات
والكتب ” .
انتهى باختصار من كلام الدكتور فيصل الحليبي ، نقلا عن هذا الرابط :
http://www.saaid.net/Doat/faisal/05.htm
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟