انتشرت في بعض الرسائل البريدية نصائح عن استغلال الدنيا بالطاعات ويذكر فيها : ( الدنيا سوق ربح فيها قوم ، وخسر آخرون ) ما صحة هذا الحديث ؟
ليس هذا بحديث : الدنيا سوق ربح فيه قوم وخسر آخرون
السؤال: 135534
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
ليس هذا بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ـ فيما نعلم ـ ، وإنما هو حكمة من الحكم المأثورة ، يَقصِد بها الواعظ تذكيرَ الناس بحقيقة الدنيا ، وأنها مزرعة للآخرة ، فالسعيدُ من يفهم حقيقتها ويجتهد فيها بما يكون به رابحاً لا خاسراً.
روى ابن عساكر في ” تاريخ دمشق ” (55/149) بسنده إلى سفيان بن عيينة رحمه الله قال :
” دخل محمد بن كعب القرظي على عمر بن عبد العزيز يوم ولي ، فقال : يا أمير المؤمنين ! إنما الدنيا سوق من الأسواق ، فمنها خرج الناس بما ربحوا منها لآخرتهم ، وخرجوا منها بما يضرهم ، فكم من قوم غرَّهم مثل الذي أصبحنا فيه حتى أتاهم الموت فاستوعبهم ، وخرجوا من الدنيا مرملين [المُرْمِل هو من نفد زاده] ، لم يأخذوا من أمر الدنيا والآخرة ، فاقتَسَم مالَهم من لم يحمدهم ، وصاروا إلى من لم يعذرهم ، فانظر الذي تحب أن يكون معك إذا قدمت فابتغ به البدل حيث يجوز البدل ، ولا تذهبن إلى سلعة قد بارت على غيرك ترجو جوازها عنك . يا أمير المؤمنين ! افتح الأبواب ، وسهل الحُجَّاب ، وانصر المظلوم ” انتهى .
وقال الشيخ عطية سالم رحمه الله :
” وكنت قد سمعت من الشيخ – يعني محمد الأمين الشنقيطي – رحمة الله تعالى علينا وعليه يقول:
إن العمر وزمن الحياة حجة على الإنسان ، كالرسالة والنذارة سواء ، وذكر قوله تعالى : ( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ النَّذِيرُ ) ، فجعل في الآية التعمير ، وهو إشغال العمر موجباً للتذكر والتأمل ، ومهلة للعمل ، كما تخبر إنساناً بأمر ثم تمهله إلى أن يفعل ما أمر به ، فهو أمكن في الحجة عليه .
فكان القسم في العصر على الربح والخسران – يعني في سورة العصر ( والعصر إن الإنسان لفي خسر ) – أنسبَ ما يكون بينهما ، إذ جعلت حياة الإنسان كسوق قائمة ، والسلعة فيه العمل ، والعامل هو الإنسان ، كما قال تعالى : (هلْ أَدُلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) .
وفي الحديث الصحيح عند مسلم : ( سبحان الله تملأ الميزان – وفيه – : كل الناس يغدو ، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها ) ، فإن كان يشغل عمره في الخير فقد ربح وأعتق نفسه ، وإلاَّ فقد خسر وأهلكها .
ويشير لذلك أيضاً قوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الّجَنَّةَ) .
فصح أن الدنيا سوق ، والسلعة فيها عمل الإنسان ، والمعاملة فيه مع الله تعالى ” انتهى .
” أضواء البيان ” (8/445-446) .
وما تجده في بعض مواقع الفرق المبتدعة من نقل هذا الكلام بعنوان : قال عليه السلام : ( الدنيا سوق ربح فيه قوم ، وخسر آخرون ) فهم لا يقصدون بذلك النبي عليه الصلاة والسلام ، وإنما يريدون بعض أئمة آل البيت ، وهم يسوقونه كعادتهم من غير إسناد ولا توثيق ، والواجب الحذر من كل ما ينقلونه ، فمادة علومهم ومواقعهم هي الكذب والافتراء.
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب