التحذير من أنشودة ” نون نون “
السؤال: 136514
تردد في الآونة الأخيرة أناشيد للأطفال ، بغض النظر عما تحويها من محاذير ، ولكن لفت انتباهي كلِمات تِلك الأنشودة التي تقول ( نون نون قلمٌ مِن وحيّ القُرآن, نون نون يكتُب لي شِعراً موزون ، شِعرا ينبِضُ بالإيمان….الخ) فما حُكم تِلك الكلمات؟ هل الشعرُ هُنا عائِد على القُرءان؟ أم عائِد على القلم ؟ وجزاكم الله خيرا
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
سلَّى الله عز وجل نبيه عما يصيبه من أذى قومه ، وكفرهم به ، وتكذيبهم له ، فأقسم
جل جلاله أنه على الحق ، وأن ما جاء به من الدين دين عظيم جليل ، لا مدخل فيه للسحر
ولا للكهانة ولا للجنون ، على ما يقوله أعداؤه المجرمون .
قال
الله تعالى : ( ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ
بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ
عَظِيمٍ ) سورة القلم/1-4 .
وأشهر ما قيل في تفسير ( ن ) أنها حرف من حروف الهجاء ، كالمعهود في نظائرها في
بقية السور ، مثل ( ق ) ، ( ص ) ونحو ذلك .
وقيل : هي الدواة التي يستمد منها القلم حبره .
وقيل : إنها الحوت الذي تحت الأرض السابعة . وقيل غير ذلك .
وأما القلم ، فهو القلم ، لكن اختلف أهل العلم هل المقصود به عامة الأقلام التي
يعهدها الناس ، ويكتبون بها ، أو المقصود به قلم معين ، وهو الذي خلقه الله تعالى
أول الخلق ، وأمره بكتابة ما هو كائن في اللوح المحفوظ .
ينظر : “تفسير الطبري” (23/523-527) ، تفسير ابن جزي (2438) .
قال
الشيخ ابن سعدي رحمه الله :
”
يقسم تعالى بالقلم ، وهو اسم جنس شامل للأقلام التي تكتب بها أنواع العلوم ، ويسطر
بها المنثور والمنظوم ، وذلك أن القلم وما يسطرون به من أنواع الكلام : من آيات
الله العظيمة ، التي تستحق أن يقسم الله بها على براءة نبيه محمد صلى الله عليه
وسلم مما نسبه إليه أعداؤه من الجنون ، فنفى عنه الجنون بنعمة ربه عليه وإحسانه ،
حيث من عليه بالعقل الكامل ، والرأي الجزل ، والكلام الفصل ، الذي هو أحسن ما جرت
به الأقلام ، وسطره الأنام ، وهذا هو السعادة في الدنيا . ثم ذكر سعادته في الآخرة
فقال : وَإِنَّ لَكَ لأجْرًا أي : عظيمًا ، كما يفيده التنكير غير ممنون أي:
غير مقطوع ، بل هو دائم مستمر ، وذلك لما أسلفه النبي صلى الله عليه وسلم من
الأعمال الصالحة والأخلاق الكاملة ” . انتهى .
“تفسير السعدي” (879) .
ثانيا :
ما
جاء في الأنشودة المشار إليها من قولهم ( نون قلم من وحي ) غير صحيح ، فلم يقل أحد
إن ( نون ) هي القلم ، بل الآية عطفتهما عطف مغايرة ( ن والقلم ) فنون غير القلم .
وقولهم ( .. من وحي القرآن ) باطل ، بل كذب وعدوان ؛ فإن هذا القلم الذي يتغنون به
ليس من وحي القرآن ، بل الذي من وحي القرآن هو سورة القلم ، على ما أنزلها الله جل
جلاله ، وأما أن يقول القائل كلاما من عنده ، ثم يزعم أن ذلك من وحي القرآن ، فهذا
من أعظم الباطل والعدوان ، والكذب على كتاب الله جل جلاله ، وإن كان يغلب على الظن
جهل المؤلف لذلك ، والقائل له ، وإنما جرهم إلى ذلك سجع الكهان الذي تكلفوه ، كما
كان يتكلفه مسيلمة الكذاب ، ونحوه من الكهان والدجاجلة .
ثم
إن القلم الذي هو من وحي القرآن لا يكتب شعرا موزونا ، بل وحي القرآن شيء ، والشعر
شيء آخر . قال الله تعالى : ( وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ
إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ ) ؛ فنزه الله تعالى نبيه عن قول الشعر
، ونزه كتابه وكلامه عن أن يكون شعرا ، وإنما هو قرآن مبين .
وأيا ما كان مراد القائل من قوله ( شعرا ) هل يعود على القرآن ، وهو مستبعد جدا ،
لا يقوله مسلم ، أو يعود على القلم ، فقد أوقعه في الحرج زعمه أن هذا القلم هو من
وحي القرآن ، وهو قول باطل ، معنى وواقعا .
والواجب على كل قائل ، من شاعر وغيره ، أن يتخير لنفسه من الكلام الحسن ما فيه متسع
لقوله ، دون أن يوقع نفسه في حرج شرعي ، أو يتكلف سجع الكهان ، أو يقع في محاكاة
القرآن ، ونحو ذلك من الأخطاء .
والواجب الحذر من هذه الأنشودة ونحوها ، ومناصحة من يتغنى بها ، أو يستمع إليها .
و
الله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟