لدي سؤال صعب ، فأخت زوجتي ستتزوج قريباً ، وهي متخوفة من نوعية الشخص الذي ستتزوج به ، وحتى أكون واضحاً معك ، فقد سألتْني ما إذا كان يصح الزواج برجلٍ يؤيِّد بشدة المولد أو الاحتفال بمولد النبي – صلى الله عليه وسلم – أنا أفهم أن هذا العمل في ذاته بدعة في الإسلام ، لكن ، الصعوبة تكمن في ما إذا كان يمكن للمسلمة أن تتزوج بمن يقيمون الموالد ، وفي البلد الذي أقيم فيه فإن الناس الذين يقيمون هذا العمل يفعلونه كعبادة ، وفي هذه المناسبة يدعى الناس لحضور الاحتفال حيث تقرأ بعض الأحاديث وتُغنى بعض الأغنيات ويقال الدعاء ، والناس في الحقيقة يقفون ويغنون ! وأنا أتمنى أن يكون هذا هو الفعل الذي تشير إليه الفتوى في موقعك . أما عن السؤال فهو : هل يجوز للمسلمة الزواج بمن يفعل هذا الفعل ؟ والسؤال الأصعب والذي أخشى من طرحه هو : هل مَن يفعل هذا الفعل يعتبر مسلماً ؟ .
حكم زواج المرأة بمن يحضر الموالد وعنده بعض البدع
السؤال: 13808
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
وبعد : فأما ما يتعلق بحكم المولد ، وهل يعتبر فاعله مسلماً : فالجواب تجده بالتفصيل في زاوية ” مواضيع في المناسبات ” من هذا الموقع ، وخلاصته : أن الذين يفعلون هذا الأمر هم أصناف كثيرة بحسب ما يقومون به من أعمال ـ وإن كان المولد في حد ذاته بدعة ـ لكن الحكم على فاعله يختلف بقدر ما يرتكبه في هذا المولد من مخالفات ، وبالتالي فقد يصل الأمر إلى حد الشرك والخروج من الملة ؛ إذا ارتكب في هذا المولد شيئاً مِن المكفرات المعلومة ، كدعاء غير الله ، أو وصف النَّبي صلى الله عليه وسلم بصفات الربوبية ، أو ما شابه ذلك ، وأما إن كان لم يصل إلى هذا الحد فهو فاسق وليس بكافر ، ويتفاوت فسقه بقدر ما يرتكب في هذا المولد من مخالفات وبدع .
وأما مسألة الزواج من الرجل الذي يشارك في مثل هذه الموالد فحكمه يختلف بحسب حال هذا الرجل ؛ فإن كان يقع في المكفرات فلا يجوز الزواج منه بحال من الأحوال لأن الله يقول وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُم البقرة/221 والعقد يعتبر باطلاً ، وهذا بإجماع أهل العلم .
وأما إن كان المبتدع لم يصل ببدعته إلى حد الكفر ؛ فإن العلماء قد حذروا من مناكحة أهل البدع تحذيراً شديداً ، ولذا قال الإمام مالك رحمه الله : ” لا ينكح أهل البدع ؛ ولا ينكح إليهم ، ولا يسلم عليهم .. ” المدونة ” 1 / 84 ، وقريب منه قول الإمام أحمد رحمه الله .
وقد قررّ الأئمة الأربعة رحمهم الله أن مسألة الكفاءة في الدين بين الرجل والمرأة في النكاح من الأمور المعتبرة ؛ فالفاسق ليس بكفؤ للمسلمة المتدينة المستقيمة لأن الله قال : ( أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون ) ولاشك أن البدعة في الدين من أشد أنواع الفسق ، ومعنى اعتبار الكفاءة في الدين : أنه لو اكتشفت المرأةُ أن الزوج فاسقٌ أو تبيَّن لأوليائها أن الزوج فاسق بعد أن تمَّ العقد فإنه يحق للمرأة أو لأوليائها الاعتراض على هذا العقد وطلب فسخه ، أما إذا أسقطوا هذا الحق برضاهم فإن العقد صحيح .
ولذا فينبغي الحذر من مثل هذ1النكاح ؛ خصوصاً وأن القوامة تكون للرجل فربَّما ضايق المرأة ؛ وأجبرها على ارتكاب بعض البدع ، أو ألزمها بمخالفة السنَّة في بعض الأمور ؛ أما الأولاد فشأنهم أخطر ، فهم عرضة لأن يربيهم على بدعته فينشئون مخالفين لأهل السنَّة ، وفي هذا من الحرج والضيق على الأم المتبعة لمنهج أهل السنة والجماعة ما فيه .
وخلاصة القول : أن نكاح المرأة لرجل مسلم من أهل البدع مكروه عند أهل السنة كراهة شديدة ، لما يترتب عليها من المفاسد ، وتعطيل كثير من المصالح .
ومن ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه .
راجع ” موقف أهل السنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع ” د . إبراهيم الرحيلي ( 1 / 373 – 388 ).
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الشيخ محمد صالح المنجد