كيف يقال بكفر تارك الصلاة والنجاشي قد روي أنه لم يكن يصلي
السؤال: 138563
أجد على موقعكم أنكم تفضلون الرأي القائل بأن من يترك الصلاة فهو كافر .. ورغم هذا فهناك رواية تقول بأن النجاشي لم يكن يصلي ، وقد جاء في رواية مسلم عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “مات اليوم عبد لله صالح أصحمة .. فقام فأمنا وصلى عليه” وأهل السنة يجمعون على حقيقة أن النجاشي من أهل الجنة ، فكيف نوفق بين الأمرين من تركه للصلاة برأي العلماء القائل بأن من ترك الصلاة فهو الكفر بعينه…
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
دلت
الأدلة الصحيحة على أن تارك الصلاة كافر ، وهذا هو المنقول عن الصحابة والتابعين
وجمهور السلف ، بل حكاه غير واحد إجماعا عن الصحابة رضي الله عنهم ، وينظر جواب
السؤال رقم (5208)
ورقم (83165)
.
ودل الدليل الصحيح على أن النجاشي رحمه الله قد آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم
، وآوى أصحابه ومنعهم ، وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم حين بلغه موته .
فقد
روى البخاري (3877) ومسلم (952) عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَاتَ النَّجَاشِيُّ : (مَاتَ
الْيَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَى أَخِيكُمْ أَصْحَمَةَ) .
ثانياً :
الذي يظهر من مجموع ما صح في شأن النجاشي رحمه الله أنه كان عزيزا منيعا ، وأنه منع
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين عنده ، وهذا ينافي ما قيل من أنه كان لا
يصلي أو لا يظهر إيمانه خوفا من قومه .
فقد
روى أحمد (1742) في قصة النجاشي مع جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، من حديث أم
سلمة رضي الله عنها ، وفيه : (فَقَالَ لَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : نَقُولُ
فِيهِ (يعني المسيح عيسى بن مريم عليه السلام) الَّذِي جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا ،
هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، وَرُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى
مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ . قَالَتْ : فَضَرَبَ النَّجَاشِيُّ يَدَهُ إِلَى
الْأَرْضِ فَأَخَذَ مِنْهَا عُودًا ، ثُمَّ قَالَ : مَا عَدَا عِيسَى ابْنُ
مَرْيَمَ مَا قُلْتَ هَذَا الْعُودَ ، فَتَنَاخَرَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ حِينَ
قَالَ مَا قَالَ ، فَقَالَ : وَإِنْ نَخَرْتُمْ وَاللَّهِ ، اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ
سُيُومٌ بِأَرْضِي ، وَالسُّيُومُ الْآمِنُونَ ، مَنْ سَبَّكُمْ غُرِّمَ ، ثُمَّ
مَنْ سَبَّكُمْ غُرِّمَ ، فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي دَبْرًا ذَهَبًا ، وَأَنِّي
آذَيْتُ رَجُلًا مِنْكُمْ ، وَالدَّبْرُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ الْجَبَلُ ، رُدُّوا
عَلَيْهِمَا هَدَايَاهُمَا فَلَا حَاجَةَ لَنَا بِهَا [يعني عمرو بن العاص وعبد
الله بن أبي ربيعة، وكانت قريش قد أرسلتهما بهدايا إلى النجاشي ليرد معهما أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم] ، فَوَاللَّهِ مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ
حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي ، فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيهِ ، وَمَا أَطَاعَ النَّاسَ
فِيَّ فَأُطِيعَهُمْ فِيهِ ، قَالَتْ : فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ مَقْبُوحَيْنِ
مَرْدُودًا عَلَيْهِمَا مَا جَاءَا بِهِ وَأَقَمْنَا عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ مَعَ
خَيْرِ جَارٍ .
قَالَتْ : فَوَاللَّهِ إِنَّا عَلَى ذَلِكَ إِذْ نَزَلَ بِهِ يَعْنِي مَنْ
يُنَازِعُهُ فِي مُلْكِهِ ، قَالَ : فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْنَا حُزْنًا قَطُّ كَانَ
أَشَدَّ مِنْ حُزْنٍ حَزِنَّاهُ عِنْدَ ذَلِكَ تَخَوُّفًا أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ
عَلَى النَّجَاشِيِّ فَيَأْتِيَ رَجُلٌ لَا يَعْرِفُ مِنْ حَقِّنَا مَا كَانَ
النَّجَاشِيُّ يَعْرِفُ مِنْهُ ، قَالَتْ : وَسَارَ النَّجَاشِيُّ وَبَيْنَهُمَا
عُرْضُ النِّيلِ ، قَالَتْ : فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ رَجُلٌ يَخْرُجُ حَتَّى يَحْضُرَ وَقْعَةَ الْقَوْمِ
ثُمَّ يَأْتِيَنَا بِالْخَبَرِ؟ قَالَتْ : فَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ :
أَنَا ، قَالَتْ : وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِ الْقَوْمِ سِنًّا . قَالَتْ : فَنَفَخُوا
لَهُ قِرْبَةً فَجَعَلَهَا فِي صَدْرِهِ ثُمَّ سَبَحَ عَلَيْهَا حَتَّى خَرَجَ
إِلَى نَاحِيَةِ النِّيلِ الَّتِي بِهَا مُلْتَقَى الْقَوْمِ ، ثُمَّ انْطَلَقَ
حَتَّى حَضَرَهُمْ ، قَالَتْ : وَدَعَوْنَا اللَّهَ لِلنَّجَاشِيِّ بِالظُّهُورِ
عَلَى عَدُوِّهِ وَالتَّمْكِينِ لَهُ فِي بِلَادِهِ ، وَاسْتَوْسَقَ عَلَيْهِ
أَمْرُ الْحَبَشَةِ ، فَكُنَّا عِنْدَهُ فِي خَيْرِ مَنْزِلٍ حَتَّى قَدِمْنَا
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ
بِمَكَّةَ) والحديث حسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند برقم (1740) ، وصححه
الألباني في تعليقه على فقه السيرة ، ص 115
وهذا صريح في حصول التمكين للنجاشي في بلده ، فما الذي يمنعه من أداء الصلاة . على
أنه لو كان مغلوبا من قومه لم يسلّم القول بتركه للصلاة ؛ لأن الصلاة يمكن إخفاؤها
، ولم يزل المستضعفون ممن آمن من النصارى وغيرهم يحافظون على صلاتهم ويخفونها عن
قومهم ، والنجاشي أولى بذلك رحمه الله .
ومما يؤكد ما ذكرنا من قوة النجاشي ومنعته ، ما أخبر به عمرو بن العاص رضي الله عنه
أن النجاشي منع الخراج الذي كان يدفعه لهرقل بعدما أسلم .
قال
ابن القيم رحمه الله في بيان قدوم عمرو بن العاص على ملك عمان بكتاب النبي صلى الله
عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام : “فسألنى : أين كان إسلامك؟ قلت: عند النجاشي ،
وأخبرته أن النجاشي قد أسلم ، قال: فكيف صنع قومه بملكه؟ فقلت : أقروه واتبعوه ،
قال : والأساقفة والرهبان تبعوه؟ قلت : نعم . قال : انظر يا عمرو ما تقول ، إنه ليس
من خصلة في رجل أفضح له من الكذب ، قلت : ما كذبت ، وما نستحله في ديننا ، ثم قال :
ما أرى هرقل علم بإسلام النجاشي ، قلت : بلى . قال : بأي شيء علمت ذلك؟ قلت : كان
النجاشي يخرج له خرجا ، فلما أسلم وصدق بمحمد صلى الله عليه وسلم ، قال : لا والله
، لو سألني درهما واحدا ما أعطيته ، فبلغ هرقل قوله ، فقال له يناق أخوه : أتدع
عبدك لا يخرج لك خرجا ، ويدين دينا محدثا؟ قال هرقل: رجل رغب في دين فاختاره لنفسه
ما أصنع به؟ والله لولا الضن بملكي لصنعت كما صنع ، قال : انظر ما تقول يا عمرو ،
قلت : والله صدقتك ” انتهى من “زاد المعاد” (3 / 694) .
وينظر : عيون الأثر لابن سيد الناس (2/ 335) .
ثالثاً :
القول بأن النجاشي رحمه الله كان لا يصلي الصلوات ، حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية
بصيغة التضعيف ، ولم ينسبه إلى أحد ، وتأوله على أن ذلك لعدم تمكنه من مخالفة قومه
. قال رحمه الله: ” وكذلك النجاشي هو وإن كان ملك النصارى فلم يطعه قومه في الدخول
في الإسلام ، بل إنما دخل معه نفر منهم ، ولهذا لما مات لم يكن هناك أحد يصلي عليه
، فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، خرج بالمسلمين إلى المصلى فصفهم
صفوفا وصلى عليه ، وأخبرهم بموته يوم مات ، وقال : إن أخا لكم صالحا من أهل الحبشة
مات ، وكثير من شرائع الإسلام أو أكثرها لم يكن دخل فيها لعجزه عن ذلك ، فلم يهاجر
ولم يجاهد ولا حج البيت ، بل قد روي أنه لم يصل الصلوات الخمس ولا يصوم شهر رمضان
ولا يؤدي الزكاة الشرعية ، لأن ذلك كان يظهر عند قومه فينكرونه عليه ، وهو لا يمكنه
مخالفتهم ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (19 / 217) .
وهذا معارض لما تقدم ، وعلى فرض صحته فهو محمول على ترك الصلاة لعذر ، لا على تركها
مطلقا .
ولا
يظهر لنا صحة هذا القول ، وهو قول لم يُعز لأحد من العلماء ، وهو معارض لما ثبت في
مسند أحمد وغيره كما تقدم ، بل معارض لما نقله شيخ الإسلام رحمه الله في موضع آخر
حيث قال : ” وقد ذكر عن عطاء وقتادة أن النجاشي كان يصلي إلى بيت المقدس إلى أن مات
، وقد مات بعد نسخ القبلة بسنين متعددة ، فلما صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم
بقي في أنفس الناس لأنه كان يصلي إلى غير الكعبة ، حتى أنزل الله هذه الآية [يعني
قوله تعالى : (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ)] . وهذا والله أعلم
بأنه قد كان بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إلى بيت المقدس فصلى إليه ،
ولهذا لم يصل إلى المشرق الذي هو قبلة النصارى ، ثم لم يبلغه خبر النسخ لبعد البلاد
، فعُذر بها كما عذر أهل قباء وغيرهم ، فإن القبلة لما حُولت لم يبلغ الخبر إلى من
بمكة من المسلمين ومن كان بأرض الحبشة من المهاجرين مثل جعفر وأصحابه ، ومن كان قد
أسلم ممن هو بعيد عن المدينة إلى مدة طويلة أو قصيرة ” انتهى من “شرح عمدة
الفقه” (4/ 548).
والحاصل : أن ما صح من الأحاديث يدل على إيمان النجاشي وصلاحه وتمكنه في قومه
، وهذا يبعد معه القول بأنه كان لا يصلي ، وعلى فرض عدم صلاته فيكون ذلك لعدم تمكنه
أو لعدم بلوغه تفاصيل ما أمر به ، فهذا عذر يمنع من التكفير ، وبالجملة فقضايا
الأعيان لا تُعارض بها النصوص الصحيحة الثابتة في تكفير تارك الصلاة .
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
![answer](/_next/image?url=%2F_next%2Fstatic%2Fmedia%2Fanswer.91a384f1.png&w=64&q=75)
موضوعات ذات صلة