نحن في حلقة لتحفيظ القرآن الكريم , يحصل عندنا أحياناً بعض الأمور بين الشباب نريد أن نستفسر عنها , فيكثر أن يحصل تحديات بين الشباب , كأن تكون هناك مسابقة بين مجموعتين , فتقول إحدى المجموعات للمجموعة الأخرى : إن انتصرتم علينا تستحقون كذا وكذا (عشاء مثلاً) أو أحد الأشخاص في إحدى المجموعات يتحدى المجموعة الأخرى بما لو فازت فسوف يعشيهم كلهم في حين لو فازت هذه المجموعة فلا يلزم المجموعة الأخرى عشاء (أي أن التحدي من طرف واحد) , فما حكم مثل هذه التحديات والالتزامات هل هي جائزة؟ وهل تجوز كذلك إذا كانت من الطرفين جميعاً بحيث من ينهزم هو الذي يعشي الآخر؟
حكم المراهنة في مسابقات حفظ القرآن الكريم والعلوم الشرعية
السؤال: 138652
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
روى أبو داود (2574) والترمذي (1700) وابن ماجة (2878) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (لَا سَبَقَ إِلَّا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ) وصححه الألباني في “صحيح أبي داود”.
والسبَق : هو المكافأة أو الجائزة التي يأخذها السابق .
قال ابن الأثير في “النهاية” (2 / 844) : “ما يُجْعل من المَال رَهْنا على المُساَبَقة ” انتهى .
فحرَّم الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ الرهان إلا في مسابقات الرماية والخيول والإبل ، لأن في ذلك تشجيعاً على الجهاد وتدريباً عليه ، فيحصل بذلك منفعة عظيمة ونصرة للإسلام .
وقد ذهب بعض العلماء إلى جواز المراهنة في مسابقات حفظ القرآن الكريم والعلوم الشرعية ، قياساً على الثلاثة التي جاء بها الحديث السابق عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن الإسلام انتصر وينتصر بالعلم الشرعي وبالجهاد في سبيل الله ، فلما جازت المسابقات التي تعين على الجهاد في سبيل الله ، فكذلك المسابقات التي تعين على طلب العلم الشرعي .
وقد اختار القول بالجواز شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله ، واختاره من علمائنا المعاصرين الشيخ ابن عثيمين وعلماء اللجنة الدائمة للإفتاء .
قال ابن القيم رحمه الله :
” المسابقة على حفظ القرآن والحديث والفقه وغيره من العلوم النافعة والإصابة في المسائل هل تجوز بعِوَض ؟ منعه أصحاب مالك وأحمد والشافعي ، وجوزه أصحاب أبي حنيفة وشيخنا وحكاه ابن عبد البر عن الشافعي ، وهو أولى من الشباك والصراع والسباحة ، فمن جوز المسابقة عليها بعوض فالمسابقة على العلم أولى بالجواز ، وهي صورة مراهنة الصّدّيق لكفار قريش على صحة ما أخبرهم به وثبوته ، وقد تقدم أنه لم يقم دليل شرعي على نسخه ، وأن الصديق أخذ رهنهم بعد تحريم القمار ، وأن الدين قيامه بالحجة والجهاد ، فإذا جازت المراهنة على آلات الجهاد فهي في العلم أولى بالجواز ، وهذا القول هو الراجح ” انتهى .
“الفروسية” (ص 318) .
وقال المرداوي رحمه الله في “الإنصاف” (6/91) عن هذا القول :
“وَهَذَا ظَاهِرُ اخْتِيَارِ صَاحِبِ الْفُرُوعِ . وَهُوَ حَسَنٌ” انتهى .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
بعض الطلاب في مذاكرة العلم الشرعي يجعلون من يخطئ في مسألة مطالباً بشراء كتاب مثلاً لمن أصاب فيها ، فهل هذا حلال ؟
فأجاب :
“هذه مسابقة ، ويرى شيخ الإسلام أنه لا بأس بالمسابقة الشرعية ، وقد علل ذلك رحمه الله موضحاً أن الجهاد يكون إما بالعلم ، وإما بالسلاح ، واستدل كذلك بما ذكر عن أبي بكر رضي الله عنه لما نزل قوله تعالى : (الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ) فالفرس هم الذين غلبوا الروم ، والروم نصارى من أهل الكتاب ، والفرس مجوس ليس لهم كتاب ، قال الله تعالى : (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ) لأن المؤمنين يحبون انتصار النصارى على الفرس ، لأن النصارى أهل كتاب فهم أقرب إلى الإسلام من المجوس ، وقريش تحب أن ينتصر المجوس على الروم ، فقالت قريش : لا يمكن للروم أن تغلب الفرس ، لأن الفرس أقوى منهم ، وهم لا يؤمنون بالقرآن ، فراهنهم أبو بكر على شيء من الإبل مدة سبع سنين ، فمضت السنون السبع ولم يحدث شيء ، فذهب أبو بكر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام : (زِدْ في الأجل سنتين وزد في الرهان) ففعل أبو بكر ، فما مضت السنتان حتى جاءت الركبان بظهور الروم على فارس . ومن هذه المسألة استدل شيخ الإسلام على جواز الرهان في مسائل العلم الشرعي” انتهى باختصار.
“الباب المفتوح” (59/26) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
” لا يجوز أخذ الجوائز على المسابقات إلا إذا كانت على وفق ما حدده الرسول صلى الله عليه وسلم بأن تكون على الرماية أو ركوب الخيل أو الإبل ؛ لأن هذه من وسائل الجهاد في سبيل الله ، ويلحق بها المسابقات في المسائل العلمية ، التي هي من الأحكام الشرعية ؛ لأن طلب العلم من الجهاد في سبيل الله ” انتهى .
“فتاوى اللجنة الدائمة” (15/179) .
وسئلت اللجنة أيضاً : هل يجوز أخذ جوائز مسابقات القرآن الكريم ؟
فأجابت :
“لا حرج في أخذ الجوائز التي ترصدها الجماعات الخيرية ونحوهم ممن يعنون بتحفيظ كتاب الله” انتهى .
“فتاوى اللجنة الدائمة” (15/189) .
وقال الشيخ ابن جبرين رحمه الله :
“هناك مسابقات مباحة لا تدخل في الميسر ومن ذلك : مسابقات تحفيظ القرآن أو مسابقات العلم الشرعي كالبحوث ونحوها . وهذه جائزة بجُعْل وبدون جعل” انتهى .
“فتاوى الشيخ ابن جبرين” (65 / 22)
وعلى هذا ، فمسابقات حفظ القرآن الكريم أو العلوم الشرعية يجوز أخذ الجوائز عليها ، سواء كانت هذه الجوائز من طرف ثالث ـ غير المتسابقين ـ أو من أحد المتسابقين أو منهم جميعاً .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب