هل يختص مقام القضاء بقضاة المحاكم أو هو أعم من ذلك؟
السؤال: 138764
الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( قاض في الجنة وقاضيان في النار ) هل هم القضاة بالمحاكم المعنيون في الحديث ، أو على أي شخص كرجل المرور عندما يحقق في حادث ، أو رجل الشرطة عندما يحقق في جريمة ، أو المدرس ، وغيرهم ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
القاضي في اصطلاح العلماء هو الذي يفصل في الخصومات ، فيبين الحكم الشرعي ويلزم به
.
فيقوم عمل القاضي على ركنين أساسيين ، هما :
1- الإخبار بالحكم الشرعي في الواقعة .
2- الإلزام بتنفيذ الحكم الشرعي بقوة السلطان وهيبته .
فمن
توفر فيه هذان الركنان فهو القاضي الذي ورد في النصوص ، سواء كان معيناً في المحاكم
أو المرور ، أو اتفق الخصمان على التحاكم إليه وكان حكمه لازماً لهما .
قال
ابن رشيد في تعريف القضاء :
“الإخبار عن حكم شرعي على سبيل الإلزام” انتهى .
“تبصرة الحكام” (1/12) .
وقال الخطيب الشربيني الشافعي رحمه الله :
”
هو فصل الخصومة بين خصمين فأكثر بحكم الله تعالى ، قال ابن عبد السلام : الحكم الذي
يستفيده القاضي بالولاية هو إظهار حكم الشرع في الواقعة فيمن يجب عليه إمضاؤه فيه”
انتهى .
“مغني المحتاج” (4/372) .
وقال البهوتي الحنبلي رحمه الله :
”
هو الإلزام بالحكم الشرعي وفصل الخصومات ” انتهى.
“كشاف القناع” (6/258) .
وعلى هذا ، فالقاضي الذي ورد ذكره في النصوص ، كحديث :
(الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ : وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَاثْنَانِ فِي النَّارِ ،
فَأَمَّا الَّذِي فِي الْجَنَّةِ فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ ، وَرَجُلٌ
عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ ، وَرَجُلٌ قَضَى
لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ) رواه أبو داود (3573) وصححه الألباني
في “إرواء الغليل” ، يشمل :
1-
القضاة المعينون في المحاكم .
2-
القاضي الذي اتفق الخصمان على التحاكم إليه والالتزام بقوله .
3-
المدرس عندما يفصل بين طالبين متنازعين ويلزمهما بما يحكم به .
وكذلك يكون المدرس قاضياً وحاكماً بين الطلبة عند تصحيحه اختبارات الطلبة ، وتقديره
درجات الإجابة ، وتقديره الدرجات التي يحصلون عليه مقابل أنشطتهم وسلوكهم .
قال
الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :
“إن
الاختبارات حُكْمٌ حين التصحيح ، فإن المعلم الذي يقدر درجات أجوبة الطلبة ، ويقدر
درجات سلوكهم هم حاكم بينهم ؛ لأن أجوبتهم بين يديه بمنزلة حجج الخصوم بين يدي
القاضي ، فإذا أعطى طالباً درجات أكثر مما يستحق فمعناه أنه حكم له بالفضل على غيره
مع قصوره ، وهذا جور في الحكم ، وإذا كان لا يرضى أن يقدم على ولده من هو دونه ،
فكيف يرضى لنفسه أن يقدم على أولاد من هو دونهم .
إن
من الأساتذة من لا يتقي الله تعالى في تقدير درجات الطلبة ، فيعطي أحدهم ما لا
يستحق ، إما لأنه ابن صديقه أو قريبه أو ابن شخص ذي شرف أو مال أو رئاسة ، ويمنع
بعض الطلبة ما يستحق إما لعداوة شخصية بينه وبين الطالب أو بينه وبين أبيه أو غير
ذلك من الأسباب .
وهذا كله خلاف العدل الذي أمر به الله ورسوله ، فإقامة العدل واجبة بكل حال على من
تحب ومن لا تحب ، فمن استحق شيئاً وجب إعطاؤه إياه ، ومن لا يستحق شيئاً وجب حرمانه
منه” انتهى .
“الضياء اللامع” (2/570 ، 571) .
4-
مدير الشركة أو المؤسسة الذي يحكم للموظفين أو عليهم بما يستحقونه من تكريم ومكافآت
أو عقوبات .
5-
شرطي المرور الذي يحكم بين المتنازعين في حادث تصادم ـ مثلاً ـ فيحكم بأن الخطأ على
فلان ، أو أن نسبة الخطأ كذا … فهذا قاضٍ ، لأنه يحكم بين الخصمين ويلزمهما بحكمه
.
أما
الشرطي الذي يأتي إلى مكان الحادث ويسجل وصف الحادث في الأوراق ، فهذا ليس قاضياً ،
ولكنه أقرب إلى الشاهد ، فيجب عليه أن يشهد بالعدل ، ولا يحابي أحداً ، وإلا كان
شاهداً بالزور، متسبباً في ضياع الحق على صاحبه ، لأن الشرطي الذي سيحكم ، سيحكم
بناء على ما وصفه هذا الشاهد .
وأما الشرطي الذي يتولى التحقيق في الجريمة ، فليس قاضياً ، لأن حكمه بأن هذا هو
الجاني ليس ملزماً ، وليس من سلطته تنفيذ ما حكم به ، بل هو كالمساعد للقاضي في
الوصول إلى الحكم ، فيحاول الوصول إلى تفاصيل الجريمة ، وملابستها ، ثم يضع ذلك بين
يدي القاضي الذي يتولى الحكم .
والحاصل … أن كل من حكم بين الناس وكان حكمه ملزماً لهم فهو القاضي ، الذي إن كان
حكمه مبنياً على الجهل والظلم فهو متوعد بأن يكون من أهل النار ، وإن كان حكمه
مبنياً على العلم والعدل فهو موعود بالجنة .
والله أعلم
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟