زوَّجها أخوها من غير رضا الأب ثم وافق بعد سنة
السؤال: 13929
تزوجت منذ عام ، وقد كان أخي وليا عني ، لأن أبي كان يعارض تزويجي . وبعد مرور عام ، قبل والدي زواجي وهو سعيد بذلك . لكني أتريب أحيانا بخصوص صحة نكاحي وشرعيته .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً : نوجه نصيحة للآباء .
الواجب على الآباء البِدَار بتزويج من لهم ولاية
عليهم من النساء إذا تقدَّم لخطبتهن أحد ، وكان كفؤاً ورضيت المرأة بذلك ، ومن
يخالف ذلك فإنما هو مخالف لما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إذا خَطَبَ
إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلا تَفْعَلُوا
تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ ) رواه الترمذي (
النكاح/1004) وحسَّنه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (865 ) ، ولا يجوز
عضلهن لأي غرض من الأغراض التي لم يشرعها الله ورسوله .
والعضل كما عرَّفه ابن قدامة قال : وَمَعْنَى الْعَضْلِ
مَنْعُ الْمَرْأَةِ مِنْ التَّزْوِيجِ بِكُفْئِهَا إذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ , وَرَغِبَ
كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي صَاحِبِهِ . انظر المغني ج/7 ص/24 ، فينبغي
على الأولياء التعجيل في تزويج مولياتهم وذلك لأن فيه حفاظاً لهن عن الوقوع فيما
حرّمه الله ، وحتى لا يقع الولي أيضاً فيما حرّمه الله من الإثم بالعضل . والأَصْلُ
أَنَّ عَضْلَ الْوَلِيِّ مَنْ لَهُ وِلايَةُ تَزْوِيجِهَا مِنْ كُفْئِهَا حَرَامٌ
; لأَنَّهُ ظُلْمٌ , وَإِضْرَارٌ بِالْمَرْأَةِ فِي مَنْعِهَا حَقَّهَا فِي التَّزْوِيجِ
بِمِنْ تَرْضَاهُ , وَذَلِكَ لِنَهْيِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُ
فِي قَوْلِهِ مُخَاطِبًا الأَوْلِيَاءَ : ( فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ
أَزْوَاجَهُن َّ) البقرة/232
ثانيا :
الحكم في هذه المسألة له صورتان :
الصورة الأولى : إذا كان الوليّ الأقرب عاضلاً
للمرأة ـ وتقدَّم تعريف العضل ـ فإنه يصح أن يزوِّج الولي الأبعد حتى مع وجود
الأقرب لأنه يكون حينئذٍ لا ولاية له .
قال المرداوي : قَوْلُهُ ( وَإِنْ عَضَلَ الأَقْرَبُ
زَوَّجَ الأَبْعَدُ ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ . وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ
الأَصْحَابِ .. . وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله مِنْ صُوَرِ
الْعَضْلِ : إذَا امْتَنَعَ الْخُطَّابُ مِنْ خِطْبَتِهَا , لِشِدَّةِ الْوَلِيِّ
.
الإنصاف ج/5 ص/74
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : وَإِذَا رَضِيَتْ
رَجُلا وَكَانَ كُفُؤًا لَهَا وَجَبَ عَلَى وَلِيِّهَا كَالأَخِ ثُمَّ الْعَمِّ
أَنْ يُزَوِّجَهَا بِهِ , فَإِنْ عَضَلَهَا وَامْتَنَعَ مِنْ تَزْوِيجِهَا ,
زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ الأَبْعَدُ مِنْهُ ..
الفتاوى الكبرى ج/3 ص/83
قال ابن قدامة : إذَا عَضَلِهَا وَلِيُّهَا الأَقْرَبُ
, انْتَقَلَتْ الْوِلايَةُ إلَى الأَبْعَدِ . نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ .. المغني
لابن قدامة ج/7 ص/24
قال الشيخ ابن عثيمين : إذا منع الأب تزويج بنته
لكفء فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأقرباء العصبة الأولى فالأولى .
فتاوى إسلامية ج/3 ص/149
الصورة الثانية : إذا زوَّج الأبعد مع وجود الولي
الأقرب ولم يكن الولي عاضلاً لها :
قال المرداوي : ( وَإِذَا زَوَّجَ الأَبْعَدُ مِنْ
غَيْرِ عُذْرٍ لِلأَقْرَبِ , أَوْ زَوَّجَ أَجْنَبِيٌّ : لَمْ يَصِحَّ ) الإنصاف
ج/8 ص/82 .
وقال البهوتي : ( وَإِذَا زَوَّجَ الأَبْعَدُ مِنْ
غَيْرِ عُذْرٍ بِلا قُرْبٍ ) لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ … لأَنَّ الأَبْعَدَ
لا وِلايَةَ لَهُ مَعَ الأَقْرَبِ . كشَّاف القناع ج/5 ص/56 .
ويتفرَّع من هذه المسألة ، ما إذا أجاز الولي الأقرب
هذا النكاح فما حكمه ؟
إن أجاز الوليّ الأقرب هذا النكاح هل تصحح إجازته
النكاح أم لا ؟!
قال العلماء : مَسْأَلَةٌ : ( وَإِذَا زَوَّجَهَا
مَنْ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ , وَهُوَ حَاضِرٌ , وَلَمْ يَعْضُلْهَا , فَالنِّكَاحُ
فَاسِدٌ ) . هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى أَحْكَامٍ ثَلاثَةٍ ; أَحَدُهَا
, أَنَّهُ إذَا زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ الأَبْعَدُ , مَعَ حُضُورِ الْوَلِيِّ
الأَقْرَبِ , فَأَجَابَتْهُ إلَى تَزْوِيجِهَا مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ , لَمْ
يَصِحَّ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ مَالِكٌ : يَصِحُّ ; لأَنَّ هَذَا وَلِيٌّ
, فَصَحَّ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِإِذْنِهَا كَالأَقْرَبِ .
الْحُكْمُ الثَّانِي , أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ يَقَعُ
فَاسِدًا , لا يَقِفُ عَلَى الإِجَازَةِ , وَلا يَصِيرُ بِالإِجَازَةِ صَحِيحًا
, …وَالنِّكَاحُ فِي هَذَا كُلِّهِ بَاطِلٌ , فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ
. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي مَوَاضِعَ . وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَبِي
عُبَيْدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ .
وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى , أَنَّهُ يَقِفُ
عَلَى الإِجَازَةِ ; فَإِنْ أَجَازَهُ جَازَ , وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ فَسَدَ .
( إنْكَاحُ الْفُضُولِيِّ ) والفضولي :
وهو َفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ يُطْلَقُ الْفُضُولِيُّ
عَلَى مَنْ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّ الْغَيْرِ بِلا إذْنٍ شَرْعِيٍّ وَذَلِكَ لِكَوْنِ
تَصَرُّفِهِ صَادِرًا مِنْ غَيْرِ مِلْكٍ وَلا وَكَالَةٍ وَلا وِلايَةٍ . الموسوعة
الفقهية ج/32 ص/171
وقد اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ إنْكَاحِ
الْفُضُولِيِّ مِنْ غَيْرِ وِلايَةٍ أَوْ نِيَابَةٍ عَلَى أَقْوَالٍ منها :
لِلْحَنَابِلَةِ , وَالشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ
: هُوَ أَنَّ إنْكَاحَ الْفُضُولِيِّ بَاطِلٌ لا تُؤَثِّرُ فِيهِ إجَازَةُ
الْوَلِيِّ . ( أي لا بد من إعادة العقد من جديد ) .
وَالثَّانِي : لأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ
, وَأَبِي يُوسُفَ : وَهُوَ أَنَّ إنْكَاحَ الْفُضُولِيِّ صَحِيحٌ , لَكِنَّهُ
يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ , فَإِنْ أَجَازَهُ نَفَذَ , وَإِنْ رَدَّهُ
بَطَلَ .
الموسوعة الفقهية ج/32 ص/175
والخلاصة : أن الزوج لو كان كفؤا لك ، ورفضه الأب ، كان عاضلا ، وصح تزويج أخيك لك .
وأما إن كان غير كفؤ لك ، لفسقه وعدم صلاحه مثلا ، فزوجك أخوك ، ثم رضي الأب بعد ذلك وأجاز النكاح ، فالعقد صحيح عند بعض العلماء ـ كما رأيت ـ ، وإن كنتِ تريدين مزيداً من الاطمئنَانِ والخروج
من خلاف أهل العلم فأعيدوا عقد النكاح ، ولا يلزم لذلك إلا الإيجاب من ولِّيك
ـ وهو الأب ـ والقبول من الزوج ، وشهادة رجلين مسلمين .
ونسأل الله لك التوفيق .
المصدر:
الشيخ محمد صالح المنجد
هل انتفعت بهذه الإجابة؟