حديث منكر في استحباب صلاة خاصة لحفظ القرآن الكريم
السؤال: 139768
هل هناك صلاة تدعى صلاة الحفظ ، بحيث يكون في ختامها دعاء خاص ، يقال : علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله عنه وأرضاه عندما شكى له نسيانه القرآن ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الحديث الوارد في صلاة ركعتين لأجل حفظ القرآن الكريم ورد عن عبد الله بن عباس رضي
الله عنهما ، فيقول :
(
بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِذْ
جَاءَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي تَفَلَّتَ
هَذَا الْقُرْآنُ مِنْ صَدْرِي ، فَمَا أَجِدُنِي أَقْدِرُ عَلَيْهِ . فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَبَا الْحَسَنِ !
أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ ، وَيَنْفَعُ بِهِنَّ
مَنْ عَلَّمْتَهُ ، وَيُثَبِّتُ مَا تَعَلَّمْتَ فِي صَدْرِكَ ؟ قَالَ : أَجَلْ يَا
رَسُولَ اللَّهِ فَعَلِّمْنِي .
قَالَ : إِذَا كَانَ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَقُومَ فِي
ثُلُثِ اللَّيْلِ الْآخِرِ فَإِنَّهَا سَاعَةٌ مَشْهُودَةٌ وَالدُّعَاءُ فِيهَا
مُسْتَجَابٌ ، وَقَدْ قَالَ أَخِي يَعْقُوبُ لِبَنِيهِ ( سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ
لَكُمْ رَبِّي ) يَقُولُ حَتَّى تَأْتِيَ لَيْلَةُ الْجُمْعَةِ ، فَإِنْ لَمْ
تَسْتَطِعْ فَقُمْ فِي وَسَطِهَا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقُمْ فِي أَوَّلِهَا ،
فَصَلِّ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ، تَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِفَاتِحَةِ
الْكِتَابِ وَسُورَةِ يس ، وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ
وَحم الدُّخَانِ ، وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَالم
تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ ، وَفِي الرَّكْعَةِ الرَّابِعَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ
وَتَبَارَكَ الْمُفَصَّلِ ، فَإِذَا فَرَغْتَ مِنْ التَّشَهُّدِ فَاحْمَدْ اللَّهَ
، وَأَحْسِنْ الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ ، وَصَلِّ عَلَيَّ وَأَحْسِنْ وَعَلَى
سَائِرِ النَّبِيِّينَ ، وَاسْتَغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
وَلِإِخْوَانِكَ الَّذِينَ سَبَقُوكَ بِالْإِيمَانِ ، ثُمَّ قُلْ فِي آخِرِ ذَلِكَ
:
اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي بِتَرْكِ الْمَعَاصِي أَبَدًا مَا أَبْقَيْتَنِي ،
وَارْحَمْنِي أَنْ أَتَكَلَّفَ مَا لَا يَعْنِينِي ، وَارْزُقْنِي حُسْنَ النَّظَرِ
فِيمَا يُرْضِيكَ عَنِّي .
اللَّهُمَّ بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ، ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ
وَالْعِزَّةِ الَّتِي لَا تُرَامُ : أَسْأَلُكَ يَا أَللَّهُ يَا رَحْمَنُ
بِجَلَالِكَ وَنُورِ وَجْهِكَ أَنْ تُلْزِمَ قَلْبِي حِفْظَ كِتَابِكَ كَمَا
عَلَّمْتَنِي ، وَارْزُقْنِي أَنْ أَتْلُوَهُ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي يُرْضِيكَ
عَنِّيَ .
اللَّهُمَّ بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ، ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ
وَالْعِزَّةِ الَّتِي لَا تُرَامُ : أَسْأَلُكَ يَا أَللَّهُ يَا رَحْمَنُ
بِجَلَالِكَ وَنُورِ وَجْهِكَ أَنْ تُنَوِّرَ بِكِتَابِكَ بَصَرِي ، وَأَنْ
تُطْلِقَ بِهِ لِسَانِي ، وَأَنْ تُفَرِّجَ بِهِ عَنْ قَلْبِي ، وَأَنْ تَشْرَحَ
بِهِ صَدْرِي ، وَأَنْ تَغْسِلَ بِهِ بَدَنِي ، فَإِنَّهُ لَا يُعِينُنِي عَلَى
الْحَقِّ غَيْرُكَ ، وَلَا يُؤْتِيهِ إِلَّا أَنْتَ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ
إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ .
يَا
أَبَا الْحَسَنِ ! تَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ ، أَوْ خَمْسًا ، أَوْ سَبْعًا ،
تُجَبْ بِإِذْنِ اللَّهِ ، وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مَا أَخْطَأَ مُؤْمِنًا
قَطُّ .
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ :
فَوَاللَّهِ مَا لَبِثَ عَلِيٌّ إِلَّا خَمْسًا أَوْ سَبْعًا حَتَّى جَاءَ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَقَالَ
: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنِّي كُنْتُ فِيمَا خَلَا لَا آخُذُ إِلَّا أَرْبَعَ
آيَاتٍ أَوْ نَحْوَهُنَّ ، وَإِذَا قَرَأْتُهُنَّ عَلَى نَفْسِي تَفَلَّتْنَ ،
وَأَنَا أَتَعَلَّمُ الْيَوْمَ أَرْبَعِينَ آيَةً أَوْ نَحْوَهَا ، وَإِذَا
قَرَأْتُهَا عَلَى نَفْسِي فَكَأَنَّمَا كِتَابُ اللَّهِ بَيْنَ عَيْنَيَّ ،
وَلَقَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ الْحَدِيثَ فَإِذَا رَدَّدْتُهُ تَفَلَّتَ ، وَأَنَا
الْيَوْمَ أَسْمَعُ الْأَحَادِيثَ فَإِذَا تَحَدَّثْتُ بِهَا لَمْ أَخْرِمْ مِنْهَا
حَرْفًا .
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ :
مُؤْمِنٌ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ يَا أَبَا الْحَسَنِ ) .
روى
هذا الحديث عطاء وعكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وقد جاء عن عكرمة من طريقين:
الطريق الأولى : الوليد بن مسلم ، قال : حدثنا ابن جريج ، عن عطاء بن أبي رباح ،
وعكرمة مولى ابن عباس ، عن ابن عباس به .
رواه الترمذي (حديث رقم/3570)، والدارقطني – كما أسنده إليه ابن الجوزي في ”
الموضوعات ” (2/138) ولم نقف عليه في كتبه المطبوعة – ، والحاكم في ” المستدرك ”
(1/461)، والبيهقي في ” الأسماء والصفات ” (2/108)، والخطيب البغدادي في ” الجامع
لأخلاق الراوي ” (2/259)، وابن عساكر في ” تاريخ دمشق ” (51/251) وغيرهم ، إلا أن
في طريق الدارقطني : عن عطاء عن ابن عباس ، ولم يقل : عطاء وعكرمة .
وقد
ضعف بعض العلماء هذا الإسناد بسبب تهمة تدليس الوليد بن مسلم تدليس تسوية ، ومثله
يشترط تصريحه بالسماع من إلى آخر الإسناد ، وليس عن شيخه فقط ، وهذا ما لم يتحقق في
هذا السند .
قال
ابن الجوزي رحمه الله :
”
أما الوليد فقال علماء النقل : كان يروى عن الأوزاعي أحاديث ، هي عند الأوزاعي عن
شيوخ ضعفاء ، عن شيوخ قد أدركهم الأوزاعي ، مثل نافع والزهري ، فيسقط أسماء الضعفاء
، ويجعلها عن الأوزاعي عنهم ” انتهى.
”
الموضوعات ” (2/140) .
وقال الحافظ الذهبي رحمه الله :
”
أنكر ما له – يعني الوليد بن مسلم – حديث رواه …- فذكر الحديث السابق .
ثم
قال – : هذا عندي موضوع والسلام ، ولعل الآفة دخلت على سليمان ابن بنت
شرحبيل فيه ، فإنه منكر الحديث وإن كان حافظا ، فلو كان قال فيه : عن ابن جريج لراج
، ولكن صرح بالتحديث ، فقويت الريبة ” انتهى.
”
سير أعلام النبلاء ” (9/217-218)
وقال أيضا رحمه الله :
”
وهو مع نظافة سنده حديث منكر جدا ، في نفسي منه شيء ، فالله أعلم ، فلعل سليمان
شُبِّه له ، وأدخل عليه ، كما قال فيه أبو حاتم : لو أن رجلا وضع له حديثا لم يفهم
” انتهى.
”
ميزان الاعتدال ” (2/213)
وقال أيضا رحمه الله :
”
هذا حديث منكر شاذ ، أخاف لا يكون موضوعا ، وقد حيرني والله جودة سنده ”
انتهى.
”
تلخيص المستدرك ” (1/316)، هكذا في المطبوع : ” لا يكون “، ولعل الصواب : ” أن يكون
“.
وقال السخاوي رحمه الله :
”
ليست له علة إلا أنه عن ابن جريج عن عطاء بالعنعنة ” انتهى.
”
القول البديع ” (345)
وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
”
منكر… الوليد بن مسلم يدلس تدليس التسوية ، فهو علة الحديث ، وإن خفيت على كثير ”
انتهى باختصار.
”
السلسلة الضعيفة ” (رقم/3374) .
الطريق الثانية : الحسين بن إسحاق التسترى ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا محمد بن
إبراهيم القرشي ، حدثنا أبو صالح ، عن عكرمة ، عن ابن عباس .
رواه الطبراني – كما أسنده إليه ابن الجوزي في ” الموضوعات ” (2/138) ولم أقف عليه
في كتبه المطبوعة -.
قال
ابن الجوزي رحمه الله :
”
هذا حديث لا يصح ، ومحمد بن إبراهيم مجروح ، وأبو صالح لا نعلمه إلا إسحاق بن نجيح
وهو متروك ” انتهى.
”
الموضوعات ” (2/138)
وقال الذهبي رحمه الله :
”
هذا الحديث يرويه هشام بن عمار ، عن محمد بن إبراهيم القرشي ، عن أبي صالح ، عن
عكرمة ، عن ابن عباس ، ومحمد هذا ليس بثقة ، وشيخه لا يدرى من هو ” انتهى.
”
سير أعلام النبلاء ” (9/217-218) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
”
أخرجه العقيلي في ترجمة محمد بن إبراهيم القرشي ، من طريق هشام بن عمار ، عنه ، عن
أبي صالح ، عن عكرمة ، عن ابن عباس … فذكر الحديث بطوله ، ثم قال : ورواه سليمان
بن عبد الرحمن ، عن الوليد ، عن ابن جريج ، عن عطاء وعكرمة ، عن ابن عباس . قال ـ
أي : العقيلي ـ : وكلاهما ليس له أصل .
قلت
ـ أي الحافظ ابن حجر ـ : فلعل الوليد أخذه عن هذا القرشي ، فدلسه عن ابن جريج
؛ فإسقاطه ـ كذا ـ هذا القرشي ، وسواه لابن جريج ، عن عكرمة . والعلم عند الله
تعالى “.
“النكت الظراف على تحفة الأشراف” (5/91) .
على
أنه في الأسانيد إلى الوليد بن مسلم ـ أيضا ـ بعض المتكلم فيهم ، من أمثال سليمان
بن عبد الرحمن الدمشقي ، انظر: ” تهذيب التهذيب ” (4/181) .
قال
العلامة عبد الرحمن بن يحي المعلمي رحمه الله :
”
وأحسب بلية هذا الخبر من ذاك .. ” انتهى .
ينظر تمام كلامه في تعليقه الفوائد المجموعة للشوكاني (43) .
وفيها أيضا : محمد بن الحسن بن محمد النقاش شيخ الدارقطني متهم بالكذب ، انظر : ”
ميزان الاعتدال ” (3/520).
وأما ما جاء في سنن الترمذي قوله :
”
هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم ” انتهى.
فقد
علق عليه الشيخ الألباني رحمه الله بقوله :
”
كذا وقع في طبعة بولاق والدعاس : “حسن …”، وقد نقل الحافظ ابن عساكر عبارة
الترمذي المذكورة دون لفظة : ” حسن “، وكذلك الحافظ الضياء ، وهو الأقرب إلى الصواب
واللائق بهذا الإسناد ” انتهى.
”
السلسلة الضعيفة ” (رقم/3374) .
وما
نقله الشيخ الألباني رحمه الله عن الحافظ ابن عساكر ، هو الذي نقله ـ أيضا ـ الحافظ
المزي رحمه الله ، فقال ـ بعد عزوه للترمذي ـ : ” وقال : غريب ، لا نعرفه إلا من
حديث الوليد ” انتهى .
”
تحفة الأشراف ” (5/91) .
وأما عن تصحيح الحاكم للحديث ، وهو من المعروفين بالتساهل الشديد في التصحيح
والتحسين . قال الشوكاني رحمه الله :
”
ولم تركن النفس إلى مثل هذا من الحاكم ، فالحديث يقصر عن الحسن فضلا عن الصحة ، وفي
ألفاظه نكارة ، وأنا في نفسي من تحسين هذا الحديث فضلا عن تصحيحه ، فإنه منكر غير
مطابق للكلام النبوي ، والتعليم المصطفوي ، وقد أصاب ابن الجوزي بذكره في الموضوعات
، ولهذا ذكرته أنا في كتابي الذي سميته ” الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة” ”
انتهى.
”
تحفة الذاكرين ” (ص/207)
وقال الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله :
”
ظاهره أنه حسن ، وما علمت عالما صححه من العلماء الأولين إلا الترمذي والحاكم ،
وهما متساهلان ، وقد قال أئمة النقد إنه منكر ” انتهى.
”
أحاديث معلة ” (ص/198) .
وقد
تبين أن في ثبوت تصحيح الترمذي نظرا ، والذي نقله عن غير واحد أنه استغربه .
فالحاصل أنه حديث منكر لا يصح
، ولا يجوز العمل به لشدة ضعفه ونكارته ، وقد اتفق العلماء على عدم جواز العمل
بالحديث الضعيف شديد الضعف ، بل نص شيخ الإسلام ابن تيمية على أن العلماء الذين
أجازوا العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال لم يقصدوا جواز العمل بها إذا جاءت
بتخصيص صلاة معينة بكيفية وطريقة معينة ، وإنما قصدوا جواز احتساب الأجر الوارد
فيها على أعمال هي أصلا مشروعة في الدين .
وقد
سبق بيان ذلك في الجواب رقم :
(131106)
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
موضوعات ذات صلة