بعدما سمعت أن بعض المشايخ أجازوا " التأمين التجاري " بحكم أنه يشبه حماية القوافل في الماضي : خطر في بالي هذا التساؤل : ما الفرق بين التأمين التجاري ، وعقود الصيانة العامة ؟ وأعني بعقود الصيانة : هي أنني صاحب منشأة حكومية – كوزارة التجارة مثلاً – أكتب عقداً مع شركةٍ ما للصيانة ، أدفع لها سنويّاً مبلغاً وقدره مليون ريال – مثلاً – ، ومقابل هذا المبلغ : أتكفل بصيانة الكهرباء ، والسباكة ، من ناحية أجور اليد فقط – وقد يكون حساب القطع عليهم ، أو على شركة الصيانة – ، طبعاً وقلْ مثل ذلك في صيانة أجهزة الحاسب الآلي للشركات الكبرى ، أو البنوك ، وقل مثله في عقود صيانة البرامج المحاسبية – مثلاً – … إلخ . أرجو أن تكون الصورة وضحت . إذا كان هذا العقد جائزاً : فما الفرق بينه وبين عقد التأمين التجاري ؟ شركة التأمين تأخذ مني مبلغًا مقابل أن تصلح لي سيارتي ، وشركة الصيانة تأخذ من الوزارة مبلغًا مقابل إصلاح ما فسد في السباكة ، والكهرباء . شركة التأمين لديها التزامات مالية – تكاليف قانونية ، استئجار معارض ، موظفون ، معدات ، وأجهزة … إلخ – ، وشركة الصيانة لديها التزامات مالية – تكاليف قانونية ، موظفون ، معدات ، وأجهزة … إلخ – . فما الفرق بينهما ؟ هذا ما دار في نفسي من تساؤل . 1. هل هناك فرق دقيق بينهما لم أنتبه إليه يجيز عمل شركة الصيانة ، ويحرم عمل شركة التأمين ؟ . 2. إذا كان عمل شركة الصيانة حراماً : فمعناه أن كل مال تساهم به في هذه الشركة هو مال حرام ، هل هذا صحيح ؟ .
التفصيل في حكم ” عقود الصيانة ” ومتى يكون لها حكم ” التأمين التجاري “
السؤال: 140002
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
"عقود الصيانة" من العقود المستحدثة ، ولها عدة صور ، ولهذا لا يصح أن تعطى حكماً واحداً ، بل منها ما هو جائز ، ومنها ما هو محرم .
ويمكننا جمع أشهر صور تلك العقود مع بيان أحكامها فيما يلي :
1. أن تتكفل الشركة البائعة للجهاز بالصيانة الدورية ، أو بالصيانة في حال حدوث خلل فيه ، وقد تكون الصيانة مجرد إصلاح ، وقد تكون مع وضع قطع بديلة لما يتلف منها .
وحكم هذه الصور : الجواز ، ويجوز للشركة البائعة أن ترفع سعر بيع الجهاز مقابل تلك الخدمة .
2. أن تتكفل "شركة صيانة" – وليست الشركة البائعة – بالفحص الدوري على الجهاز – أسبوعيّاً ، أو شهريّاً – مقابل مبلغ معيَّن ، ويُعرف في العقد عدد الأجهزة المراد فحصها وصيانتها ، وتعرف نوعية الصيانة ، ويكون العقد لمدة محدودة .
وحكم هذا العقد : الجواز ، وهو في حقيقته عقد إجارة ، ويشترط لجوازه – بالإضافة لما سبق – أن لا يشتمل عقد الفحص والصيانة على توفير قطع غيار لما يتلف من قطع الجهاز ، بل تكون هذه القطع على صاحب الجهاز .
إلا إذا كانت المواد المستعملة في الصيانة يسيرة لا يُحسب لها حساب في العادة ، أو كانت معروفة أنها من لوازم الصيانة : لم يكن ذلك بمانع من القول بجواز هذا العقد .
3. أن يشتمل عقد الصيانة مع الفحص الدوري على استبدال القطع التالفة بأخرى جديدة .
وحكم هذا العقد : التحريم ؛ لأنه يشتمل على الغرر الفاحش ، وهو عقد مقامرة ، فقد يكون ثمن القطع الجديدة أضعاف قيمة عقد الصيانة ، وقد لا تحتاج الأجهزة لتبديل قطع شيء منها ، وصاحب الجهاز في هذه الحال إما أن يكون " غانماً " ، أو " غارماً " ، وهذا هو ضابط عقود المقامرة ، فيغنم صاحب الجهاز في حال حصوله على قطع غيار بأكثر مما دفعه لشركة الصيانة ، وقد يغرم بأن لا تحتاج أجهزته لقطع غيار ، فيضيع عليه ما دفعه لهم .
وهذه الصورة من عقود الصيانة تشبه عقود التأمين التجاري المحرَّم .
4. أن يكون عقد الصيانة ليس دوريّاً ، ولكن على حسب حصول الخلل في الأجهزة المعقود عليها ، فإذا حصل خلل فيها : تمَّ استدعاء شركة الصيانة ، وإن لم يحصل خلل : لا يأتي أحد لرؤيتها .
وحكم هذا العقد : التحريم ، وهو عقد مقامرة ، لأن صاحب الجهاز يكون غانماً إذا كثر تعطل الجهاز ، ويكون غارماً إذا قل تعطله .
وهذه الصورة – أيضاً – من عقود الصيانة تشبه عقود التأمين التجاري المحرَّم .
وهذه بعض الفتاوى المتعلقة بعقود الصيانة :
1. قرار " مجلس مجمع الفقه الإسلامي " :
ففي قرار رقم : 103 (6/11) بشأن "عقد الصيانة" قال "المجمع" :
رب العالمين ، والسلام على سيدنا محمد ، خاتم النبيين ، وعلى آله ، وصحبه ، وسلم .
أما بعد :
فإن "مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي "المنبثق عن "منظمة المؤتمر الإسلامي" في دورة انعقاد مؤتمره الحادي عشر بالمنامة في دولة البحرين ، من 25 – 30 رجب 1419 هـ (14 – 19 نوفمبر 1998) : بعد اطِّلاعه على الأبحاث المقدمة إلى "المجمع" بخصوص موضوع "عقد الصيانة" ، واستماعه إلى المناقشات التي دارت حوله :
قرر ما يلي :
أولاً : عقد الصيانة هو عقد مستحدث مستقل تنطبق عليه الأحكام العامة للعقود ، ويختلف تكييفه ، وحكمه ، باختلاف صوره ، وهو في حقيقته عقد معاوضة ، يترتب عليه التزام طرف بفحص وإصلاح ما تحتاجه آلة ، أو أي شيء آخر ، من إصلاحات دورية ، أو طارئة ، لمدة معلومة ، في مقابل عِوض معلوم ، وقد يلتزم فيه الصائن بالعمل وحده ، أو بالعمل والمواد .
ثانياً : عقد الصيانة له صور كثيرة ، منها ما تبين حكمه ، وهي :
1. عقد صيانة غير مقترن بعقد آخر ، يلتزم فيه الصائن بتقديم العمل فقط ، أو مع تقديم مواد يسيرة لا يعتبر العاقدان لها حساباً في العادة .
هذا العقد يكيَّف على أنه عقد إجارة على عمل ، وهو عقد جائز شرعاً ، بشرط أن يكون العمل معلوماً ، والأجر معلوماً .
2. عقد صيانة غير مقترن بعقد آخر ، يلتزم فيه الصائن تقديم العمل ، ويلتزم المالك بتقديم المواد .
تكييف هذه الصورة ، وحكمها : كالصورة الأولى .
3. الصيانة المشروطة في عقد البيع على البائع لمدة معلومة .
هذا عقد اجتمع فيه بيع وشرط ، وهو جائز ، سواء أكانت الصيانة من غير تقديم المواد ، أم مع تقديمها .
4. الصيانة المشروطة في عقد الإجارة على المؤجر ، أو المستأجر .
هذا عقد اجتمع فيه إجارة وشرط ، وحكم هذه الصورة : أن الصيانة إذا كانت من النوع الذي يتوقف عليه استيفاء المنفعة : فإنها تلزم مالك العين المؤجرة من غير شرط ، ولا يجوز اشتراطها على المستأجر ، أما الصيانة التي لا يتوقف عليها استيفاء المنفعة : فيجوز اشتراطها على أيٍّ من المؤجر ، أو المستأجر ، إذا عُيِّنت تعيُّناً نافياً للجهالة .
وهناك صور أخرى يرى " المجمع " إرجاءها لمزيد من البحث ، والدراسة .
ثالثاً : يشترط في جميع الصور : أن تعيَّن الصيانة تعييناً نافياً للجهالة المؤدية إلى النزاع ، وكذلك تبيين المواد إذا كانت على الصائن ، كما يشترط تحديد الأجرة في جميع الحالات .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله ، وصحبه ، وسلم .
"مجلة المجمع" ( العدد الحادي عشر ج 2 ، ص 279) .
2. سئل الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله :
صاحب شركة صيانة سيارات يسأل عن عقد الضمان وصورته : أن يتعاقد صاحب شركة الصيانة مع صاحب معرض سيارات مستعملة ، أو ما يسمَّى بصالات السيارات المستعملة ، وخاصة المستوردة من الخارج ، فيقوم صاحب الشركة بفحص السيارة ، ويعطي شهادة ضمان على السيارة السليمة مدة محددة على حسب صلاحية السيارة ، على أن يدفع صاحب المعرض – أو الصالة – مبلغاً مقطوعاً مرة واحدة ، ويتكفل صاحب الشركة بضمان السيارة تلك المدة المحددة بحيث لو حصل للسيارة عطل : فإن مشتري السيارة من المعرض يرجع على صاحب الشركة الضامنة ، فتقوم بإصلاح السيارة بدون دفع مال ، بشرط أن لا يقوم المشتري عند حصول عطل بإصلاح السيارة في مكان آخر .
ويستثنى من الأعطال ما هو خارج عن الإرادة مثل حوادث السيارات .
فأجاب :
نرى أن مثل هذا لا يجوز ؛ فإنه داخل في عمل " التأمين " الذي رَجَّح العلماء عدم جوازه ؛ وذلك لأن صاحب المعرض – أو صاحب صالات السيارات – يدفع مبلغاً محدداً لشركة الصيانة ، سواءً حصل أعطال ، أو لم يحصل ، فتارة لا يحصل تعطيل لهذه السيارات : فيأخذ صاحب شركة الصيانة ذلك المال من صاحب المعرض في غير مقابل ، ولا يرد عليه شيئاً ؛ حيث لا يحصل ما يحتاج إلى الإصلاح .
وأحيانًا قد يحصل تعطيل كثير في السيارات ، ينفق عليها صاحب شركة الصيانة أموالًا طائلة أكثر مما دفعه له صاحب صالات السيارات المستعملة ، فيتضرر صاحب الشركة ، ثم إن هذا التعاقد ، وهذا الضمان قد يسبِّب أن أكثر المشترين يتهورون ، ويخاطرون في مسيرهم ، فتكثر الحوادث ، ويحصل أنواع التعطيل ، وإذا نصحوا باستعمال الرفق يحتجون بأن السيارة مضمونة لمدةٍ محددة كسنَة ، أو أكثر .
فعلى هذا نقول : إن على صاحب المعرض – أو ما يسمى بصالات السيارات المستعملة – سواءً مستوردة من الخارج ، أو غير مستوردة : أن يفحص سياراته بنفسه ، أو يستأجر عُمَّالًا يفحصونها ، ويصلحون ما فيها من الأخطاء ، ثم يبيعونها ، ولا بأس أن يضمنوا للمشتري إصلاحها لمدة محددة ، ولأشياء خاصة ، باستثناء الحوادث المرورية ، وما أشبهها .
" الفتوى رقم 816 " من موقع الشيخ رحمه الله .
وهذا الجواب ينطبق على الصورة الرابعة من صور عقود الصيانة .
والصورة التي ذكرها الشيخ في آخر جوابه أنها جائزة وهي عقد الصيانة من البائع نفسه ، هي الصورة الأولى التي ذكرنا أنها جائزة .
3. وقال الشيخ سامي السويلم حفظه الله :
"إذا كانت الشركة البائعة للأجهزة هي التي تقوم بالصيانة : فلا مانع من ذلك ، ولا مانع من أن يختلف المبلغ المدفوع للصيانة تبعاً لاختلاف الخدمة ذاتها ، أما أن تقوم شركات بالصيانة غير الشركات التي باعت السلعة : فلا يجوز ؛ لأنه يكون صورة من صور التأمين التجاري المحرم ، وبذلك يتبين حكم عقد الصيانة ، فالضمان الذي تقدمه شركة الصيانة تابع للعمل الذي تقوم به ، وهو عمل الصيانة الدورية ، وهذه الصيانة الدورية من شأنها أن تقلل من احتمالات وقوع الخلل ، ومن ثم تقلل من الحاجة للضمان ابتداء ، أما إذا كان عقد الصيانة مجرد ضمان بلا عمل يدرأ الخطر : فهو تأمين تجاري بحت "، انتهى.
وبهذا يتبين أن من عقود الصيانة ما هو مباح جائز ، ومنها ما يكون صورة من صور التأمين التجاري فيكون محرماً .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب