تنزيل
0 / 0
25,14024/11/2009

هل التعامل مع الوالدين بحدة – مع رضاهما بذلك وعدم تسخطهما – ينافي البر بهما ؟

السؤال: 140030

هل بر الوالدين يعتبر هو رضاهما بشكل عام ، أم له ضوابط ثابتة لا تتغير ؛ فالناس تختلف أطباعهم وأساليبهم ، فيوجد أناس تعودوا من أولادهم على الكلام بشكل حاد ، حيث إن الوالدين لا يغضبون من ذلك الأسلوب ، وهم عادي عندهم ، وراضون عن ولدهم ، وهم كذلك أسلوبهم في التعامل منذ الصغر ؛ فهل في ذلك إثم على الولد ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

جاءت الوصايا المؤكدة ببر الوالدين في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ،
كما جاء التحذير الشديد والترهيب من عقوقهما .

قال الله عز وجل : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا
أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا
قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ
رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) الإسراء/23، 24

قال الشيخ ابن عاشور رحمه الله :

” وليس المقصود من النهي عن أن يقول لهما أُفٍّ خاصة ، وإنما المقصود النهي عن
الأذى ، الذي أقله الأذى باللسان بأوجز كلمة ، وبأنها غير دالة على أكثر من حصول
الضجر لقائلها ، دون شتم أو ذم ، فيفهم منه النهي مما هو أشد أذى بطريق فحوى الخطاب
بالأولى .

ثم عطف عليه النهي عن نهرهما ، لئلا يحسب أن ذلك تأديب لصلاحهما وليس بالأذى .
والنهر: الزجر ، يقال : نهره وانتهره .

ثم أمر بإكرام القول لهما ، والكريم من كل شيء : الرفيع في نوعه … ؛ وبهذا الأمر
انقطع العذر ، بحيث إذا رأى الولد أن ينصح لأحد أبويه ، أو أن يحذره مما قد يضر به
: أدى إليه ذلك بقول لين حسن الوقع . ” انتهى .

“التحرير والتنوير” (14/57) .

ثانيا :

لا شك أن بر الوالدين له ضوابط ثابتة لابد من مراعاتها ، كما أن هناك ضوابط غير
ثابتة ، قد تختلف باختلاف الزمان والمكان وأجناس الناس .

فمن جملة الضوابط الثابتة :

– أن يكون برهما في المعروف ؛ لعموم قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ )
رواه البخاري (7257) ومسلم (1840) .

– أن يكون برهما بالمعروف ، وهو انتهاج مسلك الأدب والتوقير والاحترام حال الطاعة ،
فلا يتبرم الولد أو يتسخط إذا أمراه ، وإن ائتمر بأمرهما وأطاعهما .

فيتقيد حال البر بالأخلاق الحسنة من خفض الجناح لهما ، وخفض الصوت عند الكلام
بحضرتهما ، وانتخاب أطيب الألفاظ ، والتماس أرق المعاني .

ويتنزه عن الأخلاق الردية ، من رفع الصوت ، والتلويح باليد ، والإعراض ، وتقطيب
الوجه وعبوسه .

كما يتنزه عن الألفاظ البذيئة ، ومخارج الكلام النابية ، والأسلوب الموحش المنفر ،
ونحو ذلك.

– أن يلتمس ببرهما طاعة الله ، لا مجرد طاعتهما ، وهذا مما يتأكد به ضرورة التماس
الأدب الشرعي وأخلاق الإسلام عند مخاطبتهما ومعاملتهما ، فمعاملتهما يتعلق بها حقان
: حق الله تعالى ، وحق الوالدين ، فلا بد من مراعاة ما يدعو إليه الإسلام من كريم
الأخلاق وجميل الصفات عند التعامل معهما ، ولا يقال : إنهما راضيان عن الولد وإن
أعرض بجانبه ، وأشاح بيده ، واخشوشن في التعامل ، وتكلم معهما بشكل حاد ؛ فإن ذلك
ليس من أخلاق الإسلام مع الغريب أو البعيد ، فكيف بالوالدين ؟

ومن كانت عادته التعامل بشكل حاد مع الآخرين فلا بد أن يغير من عادته ؛ فإنما العلم
بالتعلم ، والحلم بالتحلم .

ثالثا :

هناك أمور وتصرفات وأقوال ، لم يرد في الشرع حكم بخصوصها ؛ لكن يتفق الناس عليها ،
في مكان ما ، أو زمان ما : أنها من سوء الأدب والعشرة ، فهذه يجب التنزه عنها مع
الوالدين ، وترك مواجهتهما بها ؛ حتى وإن لم يظهرا غضبا ، لأن الوالدين كثيرا ما
يغضبان ، لكنهما يكتمان ذلك ، أو يصبران على الأذى إيثارا لابنهما ، ورحمة به :
فهذا لا يعني أن ذلك جائز ، بل يحرم أيضا مواجهتهما بمثل ذلك .

وهناك أمور أخرى : اعتادها الناس في ذلك المكان ، أو ذلك الزمان ، ولا يعدون ذلك من
سوء الأدب ، أو الإيحاش في الخطاب : فهذا لا بأس في مواجهة الوالدين به في ذلك
الزمان أو المكان ، وإن كان في بلد آخر ، أو زمان آخر قد يعده الناس جفاء وغلظة
وسوء أدب ؛ فمثل هذه الأمور يرجع في تقديرها إلى ما تعارفه الناس واعتادوه .

وما تردد بين هذين ، واضطرب فيه عرف الناس : بحيث يعده بعض الناس جفاء وغلظة ، ولا
يعده آخرون كذلك ، فمقتضى الأدب مع الوالدين التنزه عنه ؛ لا سيما وقد تقدم أمر
الشرع بالتنزه عن أدنى التضجر والشدة في القول بأن يقول : ( أف ) ؛ فهذه تنبيه على
وجوب الاحتراز في معاملتهما ، والمبالغة في رعاية الأدب معهما .

راجع جواب السؤال رقم : (35533)
.

والله تعالى أعلم .

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android