هل تصح هذه الأحاديث التي تدل على جواز استعمال المسبحة؟
السؤال: 140127
في أحد المنتديات وضعت إحداهن موضوعا عن البدع ، ولكن كان فيه أحاديث ضعيفة وصحيحة الإسناد ، وهي عن المسبحة ، وكانت كالآتي :
لم يثبت عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه استخدمها ، ولم يستخدم الحجر ، ولم يستخدم النّوى كما يُدّعى في الحديث الضّعيف أنّه أقرّ جويرية على ذلك ، هذا غير صحيح ، لم يقرّها على استخدام النّوى .
التسبيح بالمسبحة جائز ، وما ورد فيها من أحاديث العدّ بالنوى والحصى كاف في الدلالة على أصل مشروعيتها ، لصلاحية تلك الأحاديث من حيث الصنعة الحديثية للاستدلال ، منها حديث سعد بن أبي وقاص أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به ، فقال : أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا وأفضل ، فقال : سبحان الله عدد ما خلق في السماء … ، والحديث صححه ابن حبان والحاكم في المستدرك ووافقه الذهبي، وخرجه أبو داود رقم 1500 ، والترمذي حديث رقم 3568 ، وقال : حديث حسن.
السؤال هنا : كيف نفهم التناقض هنا ؟ وهل الحديث حسن أم ضعيف ؟ وكيف يكون حديث حسن ويقابله حديث ضعيف ؟ وجزاكم الله خير .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الأحاديث الوارد فيها إقرار النبي صلى الله عليه وسلم بعض أمهات المؤمنين على عد
التسبيح على النوى حديثان :
الحديث الأول :
عن
أم المؤمنين صفية رضي الله عنها قالت : (دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ يَدَيَّ أَرْبَعَةُ آلَافِ نَوَاةٍ أُسَبِّحُ
بِهَا ، فَقَالَ : لَقَدْ سَبَّحْتِ بِهَذِهِ ، أَلَا أُعَلِّمُكِ بِأَكْثَرَ
مِمَّا سَبَّحْتِ بِهِ ، فَقُلْتُ : بَلَى عَلِّمْنِي . فَقَالَ : قُولِي :
سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ) رواه الترمذي (3554) بسند ضعيف ، فيه : هاشم بن
سعيد الكوفي ، قال عنه ابن معين : ليس بشيء . وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث .
“تهذيب التهذيب” (11/17) .
ولذلك قال الترمذي بعد روايته له :
“هذا حديث غريب ، لا نعرفه من حديث صفية إلا من هذا الوجه من حديث هاشم بن سعيد
الكوفي ، وليس إسناده بمعروف” انتهى .
وقد
ضعفه الألباني في ضعيف الترمذي وقال عنه : منكر .
ورواه الطبراني في “الدعاء” (ص/494) وفي سنده : يزيد بن متعب مولى صفية .
قال
الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله :
“يزيد لم يوجد له ترجمة” انتهى .
“السبحة” (ص/18) .
ومع
ذلك فقد صحح هذا الحديث علي القاري في “مرقاة المصابيح” فقال : “وهذا أصل صحيح
لتجويز السبحة ، بتقريره صلى الله عليه وسلم فإنه في معناها ، إذ لا فرق بين
المنظومة والمنثورة فيما يعد به ، ولا يعتد بقول من عدها بدعة” انتهى. نقله عنه في
“تحفة الأحوذي” .
وقد
حسنه الحافظ ابن حجر أيضاً ، وذكر طريقاً أخرى عند الطبراني في “الدعاء” ، والظاهر
من صنيعه أنه حسنه بمجموع طرقه .
نقله عنه ابن علان في “الفتوحات الربانية على الأذكار النووية” (1/245) .
الحديث الثاني :
عن
سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : (أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ وَبَيْنَ يَدَيْهَا نَوًى – أَوْ قَالَ
حَصًى – تُسَبِّحُ بِهِ ، فَقَالَ : أَلَا أُخْبِرُكِ بِمَا هُوَ أَيْسَرُ عَلَيْكِ
مِنْ هَذَا أَوْ أَفْضَلُ ؟ سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي السَّمَاءِ ،
وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي الْأَرْضِ ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ
مَا بَيْنَ ذَلِكَ ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا هُوَ خَالِقٌ ، وَاللَّهُ
أَكْبَرُ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا
قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ) .
قوله : (دَخَلَ عَلَى امْرَأَةٍ وَبَيْنَ يَدَيْهَا نَوًى) لم يبين في شيء من طرق
الحديث من هي؟ فيحتمل أنها صفية رضي الله عنها كما في الحديث الأول ، ويحتمل أنها
جويرية رضي الله عنها ، وحديثها في صحيح مسلم ، ولكن ليس فيه ذكر للنوى أو الحصى .
انظر: “الفتوحات الربانية” (1/244) .
وهذا الحديث رواه الترمذي (3568) وأبو داود (1500) من طريق سعيد بن أبي هلال ، عن
خزيمة ، عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص ، عن أبيها . وروي أيضا بإسقاط خزيمة .
قال
الشيخ الألباني رحمه الله :
”
خزيمة هذا مجهول ، قال الذهبي نفسه في ” الميزان ” : خزيمة ، لا يعرف ، تفرد عنه
سعيد بن أبي هلال ، وكذا قال الحافظ في ” التقريب ” : إنه لا يعرف ، وسعيد بن أبي
هلال مع ثقته حكى الساجي عن أحمد أنه اختلط ، وكذلك وصفه بالاختلاط يحيى كما في ”
الفصل ” لابن حزم ( 2 / 95 ) ، ولعله مما يؤيد ذلك روايته لهذا الحديث ، فإن بعض
الرواة الثقات عنه لم يذكروا في إسناده خزيمة فصار الإسناد منقطعا ، ولذلك لم يذكر
الحافظ المزي عائشة بنت سعد في شيوخ ابن أبي هلال ، فلا يخلو هذا الإسناد من علة
الجهالة أو الانقطاع ، فأنَّى للحديث الصحة أو الحسن ؟! ” انتهى .
“السلسلة الضعيفة” (83) .
ومع
هذا ، فقد صححه الحافظ ابن حجر ، فقال : “حديث صحيح ، ورجاله رجال الصحيح ، إلا
خزيمة فلا يعرف نسبه ولا حاله ، ولا روى عنه إلا سعيد بن أبي هلال ، وذكره ابن حبان
في الثقات كعادته فيمن لم يجرح ولم يأت بمنكر ، وصححه الحاكم” انتهى .
“الفتوحات الربانية” (1/244) .
وقال عنه المنذري في “الترغيب والترهيب” (2/360) :
“إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما” انتهى .
وقد
ضعف هذين الحديثين الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله ، فقال :
“وحديثا صفية وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما ، في ثبوت كل منهما نظر” انتهى .
“السبحة تاريخها وحكمها” ص 16 .
ثانيا :
قد
يختلف العلماء في حكم حديث معين ، هل هو صحيح أم حسن أم ضعيف؟ كما قد يختلفون في
فهم الحديث والاستنباط منه ، فتتنوع المذاهب الفقهية بحسب تنوع الاجتهادات .
قال
المعلمي رحمه الله :
“يختلفون في صحة بعض الأحاديث ، وذلك قليل بالنسبة إلى ما اتفقوا عليه” انتهى .
“الأنوار الكاشفة” (ص/52).
وعلى المسلم في هذه الحالة ـ إن كان أهلاً للبحث والتحقيق ـ أن يفعل ذلك ، حتى يصل
إلى الحكم على الحديث بنفسه .
فإن
كان لا يستطيع ذلك ، فإنه يسأل من يثق بعلمه ودينه عن حكم الحديث ، ثم يفعل ما
يفتيه به .
وإذا ظهر أن المسألة من المسائل الاجتهادية ، فإنه لا ينبغي أن يكون ذلك سبباً
للاضطراب أو التنازع ، فإن الله تعالى قضى أن يخلق الناس متفاوتين في العلوم
والأفهام ، وما دام الاختلاف لا يتعلق بثوابت الدين ومحكماته فالأمر يسير إن شاء
الله تعالى .
ولمعرفة موقف المسلم من اختلاف العلماء في تصحيح بعض الأحاديث أو تضعيفها . راجع
جواب السؤال رقم (70455)
.
ثالثا :
أما
حكم استعمال السبحة ؛ فقد سبق بيان اختلاف العلماء في حكمها في جواب السؤال رقم (3009).
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
![answer](/_next/image?url=%2F_next%2Fstatic%2Fmedia%2Fanswer.91a384f1.png&w=64&q=75)
موضوعات ذات صلة