0 / 0
25,89816/11/2009

حكم الدعاء بقولنا اللهم اجعل حبي لمن أطاعك شفاعة تقبل لمن عصاك

السؤال: 140760

دعاء لأحد المشايخ المشهورين ، انتشر في الآونة الأخيرة ، وللأسف سمعته مؤخرا في بداية إحدى الحفلات الغنائية مصحوبا بموسيقى ، والمهم هو هل معنى هذا الدعاء يستقيم أم لا ؟ الدعاء هو : اللهم إنك تعلم أني أعصيك ، ولكني أحب من يطيعك ، فاجعل اللهم حبي لِمَن أطاعك ، شفاعةً تُقبل لِمَن عصاك .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

لا يبدو أن في هذا الدعاء حرجا ، ولا يظهر في معناه محذور ، إن شاء الله ، فمحبة المؤمنين والصالحين من العبادات التي يتعبد بها المسلم لله رب العالمين ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ ) رواه أحمد في ” المسند ” (35/229) عن أبي ذر رضي الله عنه ، وحسنه لغيره المحققون في طبعة مؤسسة الرسالة.

فإذا تقرب العبد المسلم إلى الله بحبه للإسلام والمسلمين ، ومودته للصالحين ، فقد تقرب إلى الله بأمر مشروع ، وإذا قال في دعائه : ( فاجعل اللهم حبي لِمَن أطاعك شفاعةً تُقبل لِمَن عصاك ) فهذا يعني أنه يتوسل إليه سبحانه بعمل صالح يقرب إليه ، ويسأل الله أن يجعل حبه للصالحين شفاعة له في مغفرة ذنوبه ، والله سبحانه وتعالى يقبل شفاعة الأعمال الصالحة لبعض عباده المذنبين .

لكن ينبغي أن ننتبه إلى أن الأدعية والأوراد التي ينبغي تداولها وحفظها ومراعاتها : هي الأدعية المأثورة عن نبي الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ما ورد عن أصحابه الكرام ، وأما ما يختاره ويدعو به شيخ أو إمام مسجد : فهذا ينبغي التأني في قبوله , ومتابعته عليه حتى يتم الوقوف على صحة معناه ، واستقامته مع أصول الشرع ، ثم مع ذلك : لا يتخذ وردا ثابتا ، بل يكون مما يسوغ الدعاء به أحيانا ، دون التزام ولا أمر به .

وثم تنبيه آخر هنا ، وهو أنه من باب الغرور والأماني : أن يعتمد العبد على مجرد ذلك ، ويعجبه من نفسه أنه يقر بعلم الله أنه عاص ، وأن يتعلق بما ذكره من محبة الطائعين ، وهذا وحده غير كاف بالمرة ، بل يخشى على صاحبه أن يكون من المغترين ؛ فما بهذا أمر العاصي ؛ إنما أمر العاصي بالتوبة والإنابة إلى الله ، وأن يفر إلى ربه من المعصية إلى الطاعة . قال الله تعالى : ( لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ) النساء/123-124.

قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله :

” أي : لَيْسَ الأمر والنجاة والتزكية بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ، والأماني: أحاديث النفس المجردة عن العمل ، المقترن بها دعوى مجردة ، لو عورضت بمثلها لكانت من جنسها. وهذا عامّ في كل أمر ، فكيف بأمر الإيمان والسعادة الأبدية ؟!

فإن أماني أهل الكتاب قد أخبر الله بها أنهم قالوا: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ، وغيرهم ممن ليس ينتسب لكتاب ولا رسول من باب أولى وأحرى .

وكذلك أدخل الله في ذلك من ينتسب إلى الإسلام ، لكمال العدل والإنصاف ، فإن مجرد الانتساب إلى أي دين كان ، لا يفيد شيئا إن لم يأت الإنسان ببرهان على صحة دعواه ، فالأعمال تصدق الدعوى أو تكذبها . ولهذا قال تعالى : مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ، وهذا شامل لجميع العاملين ، لأن السوء شامل لأي ذنب كان من صغائر الذنوب وكبائرها ، وشامل أيضا لكل جزاء ، قليل أو كثير ، دنيوي أو أخروي .

والناس في هذا المقام درجات لا يعلمها إلا الله ، فمستقل ومستكثر ؛ فمن كان عمله كله سوءا ، وذلك لا يكون إلا كافرا ، فإذا مات من دون توبة جوزي بالخلود في العذاب الأليم .

ومن كان عمله صالحا ، وهو مستقيم في غالب أحواله ، وإنما يصدر منه بعض الأحيان بعض الذنوب الصغار ، فما يصيبه من الهم والغم والأذى وبعض الآلام في بدنه أو قلبه أو حبيبه أو ماله ونحو ذلك : فإنها مكفرات للذنوب ، وهي مما يجزى به على عمله ، قيضها الله لطفا بعباده ، وبين هذين الحالين مراتب كثيرة .

وهذا الجزاء على عمل السوء العام مخصوص في غير التائبين ، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، كما دلت على ذلك النصوص …

وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ دخل في ذلك سائر الأعمال القلبية والبدنية ، ودخل أيضا كل عامل من إنس أو جن ، صغير أو كبير ، ذكر أو أنثى . ولهذا قال : مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وهذا شرط لجميع الأعمال ، لا تكون صالحة ولا تقبل ، ولا يترتب عليها الثواب ، ولا يندفع بها العقاب ، إلا بالإيمان ” انتهى .

“تفسير السعدي” (205) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android