وقفات مع طاعنٍ في الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه
السؤال: 140984
قرأت أن معاوية كان السبب في قتل أهل البيت ، لذلك أشعر بالكراهية نحوه ، كيف يسوّغ لنفسه أن يكون ملكاً دون أهل البيت ؟ بالنسبة لي فلا أبالي إن كان له عمل صالح أم لا ، فحديث النبي صلى الله عليه وسلم واضح الدلالة في شأن تلك المرأة التي كانت تعمل الصالحات ولكن نواياها كانت فاسدة فقال : ( إنها في النار ) ، لذلك أظن أن نفس الأمر يمكن تطبيقه على معاوية ويزيد ، وأظن أيضاً أن من يلعنهما مصيب ، على أنني شخصيّاً لا ألعنهما ؛ لأن ذلك لم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم ، فهل بالإمكان إخباري ما الذي حدث تماماً بين معاوية ويزيد وأهل البيت ؟ .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
لا شك أنك أيها السائل قد أخطأت في مواضع من كلامك أخطاء كثيرة وعظيمة ، والذي يظهر
أنك لم توفَّق لقراءة كتب أهل السنَّة ، أو السماع منهم ، بل لعل مقروءاتك
ومسموعاتك كانت من الشيعة الرافضة ونحوهم ؛ لذا وقعت منك تلك الأخطاء ، وسنقف معك
وقفات علمية ، نرجو أن تتأملها ، وأن تستفيد منها ، شاكرين لك حسن ظنك بموقعنا هذا
:
1. لقد جمعتَ بين ” معاوية بن أبي سفيان ” وابنه ” يزيد ” بحكم واحد ، وهذا خلل
عظيم ، وحكم جائر ، فمعاوية صحابي جليل ، يترضى عنه أهل السنَّة ، ولم يحصل منه قتل
لأهل البيت ، ولا قتال لهم ، بخلاف ابنه يزيد ، فهو ليس صحابيّاً ، وهو الذي كان في
خلافته قتل الحسين رضي الله ومن معه من أهله ، ومن أهل السنَّة من يلعنه ، والقول
الوسط فيه هو أننا لا نحبه ، ولا نسبه ، وانظر تفصيل القول فيه في جواب السؤال رقم
(
14007 ) .
2. ومعاوية رضي الله عنه كان صحابيّاً جليلاً ، وملِكاً عظيماً ، وهو من كتَّاب
الوحي ، ومن الفقهاء – كما شهد له ابن عباس – ، وقد شهد له كبار علماء أهل السنَّة
بالفضل والعدل .
أ. فقد سئل عبد الله بن المبارك رحمه
الله أيهما أفضل : معاوية بن أبي سفيان ، أم عمر بن عبد
العزيز ؟ فقال : والله إن الغبار الذي دخل في أنف معاوية مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم أفضل من عمر بألف مرة ، صلَّى معاوية خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فقال : سمع الله لمن حمده ، فقال معاوية : ربنا ولك الحمد ، فما بعد هذا ؟ .
انظر ” وفيات
الأعيان ” لابن خلكان ( 3 / 33 ) .
ب. وعن الجراح الموصلي قال : سمعتُ
رجلاً يسأل المعافى بن عمران فقال : يا أبا مسعود ؛ أين عمر بن عبد العزيز من
معاوية بن أبي
سفيان ؟ فرأيته غضب غضباً شديداً ، وقال : لا يقاس بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
أحد ، معاوية رضي الله عنه كاتبه وصاحبه وصهره وأمينه على وحيه عز وجل .
” الشريعة ” للآجري ( 5 / 2466 ، 2467)
.
ج. وعن الأعمش أنه ذُكر عنده عمر بن
عبد العزيز وعدله ، فقال : فكيف لو أدركتم معاوية ؟ قالوا : يا أبا محمد يعني في
حِلمه ؟ قال :
لا والله ، بل في عدله .
” السنَّة ” للخلاَّل ( 1 / 437 )
.
د.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
فإن
معاوية ثبت بالتواتر أنه أمَّره النبيُّ صلى الله عليه وسلم كما أمَّر غيره ، وجاهد
معه ، وكان أميناً عنده يكتب له الوحي ، وما اتهمه النبيُّ صلى الله عليه وسلم في
كتابة الوحي ، وولاَّه عمر بن الخطاب الذي كان من أخبر الناس بالرجال ، وقد ضرب
الله الحق على لسانه وقلبه ، ولم يتهمه في ولايته .
”
مجموع الفتاوى ” ( 4 / 472 ) .
3.
وما حكمتَ أنت به على معاوية رضي الله ليس هو حكم الشرع ، فقد ذكر النبي صلى الله
عليه وسلم الفتنة التي حصلت بين علي بن أبي طالب ومعاوية رضي الله عنهما ، وشهد
للطائفتين بالإيمان ، والحق ، وإن كانت الشهادة لعليّ رضي الله عنه ومن معه أنهم
أقرب للحق ، لكن لم يشهد لمعاوية ومن معه بالباطل ، بل كانوا متأولين في طلبهم للحق
، وهو المطالبة بالاقتصاص من قتلة عثمان رضي الله عنه .
أ.
عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتَتِلَ
فِئَتَانِ دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ ) .
رواه البخاري ( 3413 ) ومسلم ( 157 ) .
ب.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عِنْدَ فُرْقَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
يَقْتُلُهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ ) .
رواه مسلم ( 1064 ) .
قال
شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
فهذا الحديث الصحيح دليل على أن كلتا الطائفتين المقتتلتين – علي وأصحابه ، ومعاوية
وأصحابه – على حق ، وأن عليّاً وأصحابه كانوا أقرب إلى الحق من معاوية وأصحابه ؛
فإن علي بن أبي طالب هو الذي قاتل المارقين وهم ” الخوارج الحرورية ” الذين كانوا
من شيعة علي ، ثم خرجوا عليه ، وكفروه ، وكفروا من والاه ، ونصبوا له العداوة ،
وقاتلوه ومن معه.
”
مجموع الفتاوى ” ( 4 / 467 ) .
وقال ابن كثير – رحمه الله – :
فهذا الحديث من دلائل النبوة ؛ إذ قد وقع الأمر طبق ما أخبر به عليه الصلاة والسلام
، وفيه : الحكم بإسلام الطائفتين – أهل الشام ، وأهل العراق – ، لا كما يزعمه فرقة
الرافضة والجهلة الطغام ، من تكفيرهم أهلَ الشام ، وفيه : أن أصحاب علي أدنى
الطائفتين إلى الحق ، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة : أن عليّاً هو المصيب ، وإن
كان معاوية مجتهداً ، وهو مأجور إن شاء الله ، ولكن علي هو الإمام ، فله أجران ،
كما ثبت في صحيح البخاري من حديث عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : ( إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر ) .
”
البداية والنهاية ” ( 7 / 310 ) .
4.
ولم يكن قتال معاوية لعلي رضي الله عنهما من أجل الخلافة والملك ، بل كان من أجل
المطالبة بقتلة عثمان رضي الله عنه للاقتصاص منهم ، وكان علي رضي الله عنه يرى أن
ذلك لا يكون إلا بعد تثبيت الخلافة .
قال
شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
ومعاوية لم يدَّع الخلافة ، ولم يبايَع له بها حين قاتل عليّاً ، ولم يقاتِل على
أنه خليفة ، ولا أنه يستحق الخلافة ، ويقرون له بذلك ، وقد كان معاوية يقرُّ بذلك
لمن سأله عنه ، ولا كان معاوية وأصحابه يرون أن يبتدئوا عليّاً وأصحابه بالقتال ،
ولا فعلوا ، بل لما رأى علي رضي الله عنه وأصحابه أنه يجب عليهم طاعته ومبايعته ،
إذ لا يكون للمسلمين إلا خليفة واحد ، وأنهم خارجون عن طاعته يمتنعون عن هذا الواجب
، وهم أهل شوكة : رأى أن يقاتلهم حتى يؤدوا هذا الواجب ، فتحصل الطاعة والجماعة .
وهم
قالوا : إن ذلك لا يجب عليهم ، وإنهم إذا قوتلوا على ذلك كانوا مظلومين ، قالوا :
لأن عثمان قُتل مظلوماً باتفاق المسلمين ، وقتلته في عسكر علي ، وهم غالبون لهم
شوكة ، فإذا امتنعنا : ظلمونا واعتدوا علينا ، وعلي لا يمكنه دفعهم ، كما لم يمكنه
الدفع عن عثمان ، وإنما علينا أن نبايع خليفةً يقدر على أن ينصفنا ويبذل لنا
الإنصاف … .
”
مجموع الفتاوى ” ( 35 / 72 ، 73 ) .
فلم يكن معاوية يناصب أهل البيت العداء
، ولا كان يكنُّ لهم البغضاء ، وإنما شأنه شأن سائر الصحابة رضي الله عنهم من تقدير
أهل البيت ، وإنزالهم منزلتهم التي تليق بهم ، وقد نقل ابن كثير
في ” البداية والنهاية ” ( 8 / 133 ) عن المغيرة قال : لما جاء خبر قتل علي إلى
معاوية جعل
يبكي ، فقالت له امرأته : أتبكيه وقد قاتلتَه ؟ فقال : ويحكِ إنك لا تدرين ما فقد
الناس من الفضل والفقه والعلم .
5.
كان حكم معاوية للمسلمين بإجماع الصحابة رضي الله عنهم ، ولم يكن أحد يخالفه فيها ،
مع الإقرار بوجود من هو أفضل منه .
قال ابن حزم – رحمه الله – :
فبويع الحسن ، ثم سلَّم الأمر إلى
معاوية ، وفي بقايا الصحابة من هو أفضل منهما ، بلا خلاف ، ممن أنفق قبل الفتح
وقاتل ، فكلهم ـ أولهم عن آخرهم ـ بايع معاوية ، ورأى إمامته
، وهذا إجماع متيقن ، بعد إجماعٍ على جواز إمامة مَن غيره أفضل ، بيقين لا شك فيه
، إلى أن حدَث من لا وزن له عند الله تعالى ، فخرقوا الإجماع بآرائهم الفاسدة بلا
دليل ، ونعوذ بالله من الخذلان.
”
الفِصَل في الملل والأهواء والنَّحَل ” ( 4 / 127 ) .
6.
وأما قولك ”
كيف يسوّغ لنفسه أن يكون ملكاً دون أهل البيت ؟ ” : فقد سبق أن ذكرنا أنه لا يشترط
للمتولي الخلافة أن يكون أفضل الناس ، بل للمفضول أن يتولى مع وجود الفاضل ، ثم إنه
ليس أهل البيت هم أفضل الناس ، ثم إن الأمر مع معاوية رضي الله عنه كان مختلفاً ،
حيث تنازل الحسن بن علي – وهو من أهل البيت – عن الخلافة لصالح معاوية رضي الله عنه
، وبايعه الصحابة أجمعون بالخلافة ، وفيهم أهل البيت كلهم ؛ فتحققت بذلك نبوءة
النبي صلى الله عليه في الثناء على الحسن ، وأن الله يصلح به بين طائفتين من
المسلمين .
عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الْحَسَنَ فَصَعِدَ بِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ
فَقَالَ : ( ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ
فِئَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ) .
رواه البخاري ( 3430 ) ، ورواه مطولاً
( 2557 ) .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – :
وفي هذه القصة من الفوائد : علَم من أعلام النبوة ، ومنقبة للحسن بن علي ؛ فإنه ترك
المُلك لا لِقِلّة ولا لِذِلة ولا لِعِلّة ، بل لرغبته فيما عند الله لما رآه من
حقن دماء المسلمين ، فراعى أمر الدين ، ومصلحة الأمة .
وفيها : رد على الخوارج الذين كانوا يكفِّرون عليّاً ومن معه ، ومعاوية ومن معه ،
بشهادة النبي صلى الله عليه و سلم للطائفتين بأنهم من المسلمين … .
وفيه : ولاية المفضول الخلافة مع وجود الأفضل ؛ لأن الحسن ومعاوية وليَ كلٌّ منهما
الخلافة وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد في الحياة ، وهما بدريان ، قاله بن التين .
وفيه : جواز خلع الخليفة نفسه إذا رأى في ذلك صلاحاً للمسلمين .
” فتح الباري ” ( 13 / 66 ، 67 ) .
فعليك أخي السائل أن تعيد النظر في حكمك على معاوية رضي الله عنه ، وأن تعلم أن ما
قلتَه في حقه هو الظلم بعينه ، وإن لمعاوية من المنزلة والفضل ما أشرنا هنا إلى
بعضه ، ونقلناه عن علماء هذه الأمة ، ولا تظنن أن أحداً من أهل السنَّة يوافقك على
ما ذكرته في حق ذلك الصحابي الجليل ، فلم يبق إلا أن تتوب من قولك ، وأن تنزل هذا
الصحابي الجليل منزلته اللائقة به ، فهو خير ملوك المسلمين ، وقد فتح الله تعالى
على يديه وفي زمانه بلداناً ، ودخل بسبب ذلك في دين الله أفواج من الناس .
ونسأل الله تعالى أن يهديك للحق والصواب ، وأن يجعلك هادياً مهديّاً .
وننصحك أن تقرأ الكتب التالية :
1. ”
شبهات وأباطيل حول معاوية بن أبي سفيان
رضي الله عنهما
” .
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=12255
2.
”
سل السِّنان في الذب عن معاوية
بن أبي سفيان رضي الله عنه ” .
http://vb.islam2all.com/showthread.php?t=11502
3.
”
من فضائل وأخبار
معاوية بن أبي سفيان رضي
الله عنه ” .
http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=32&book=2249
4. ” الأحاديث النبوية في فضائل معاوية بن أبي
سفيان ” .
http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=12&book=2157
05 “أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان” ، محمد مال الله ، وهو كتاب مهم جمعه من
كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ، ورتبه وعلق عليه .
كما ننصحك بقراءة كتاب ابن العربي المالكي ” العواصم من القواصم ” ، وكتاب ” منهاج
السنة النبوية ” لشيخ الإسلام ابن تيمية .
وانظر جواب السؤال رقم (
45563 ) في حكم بغض الصحابة رضي الله عنهم .
والله أعلم
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعتم بهذه الإجابة؟
موضوعات ذات صلة