حكم تسمية البريد الإلكتروني باسم المؤمن
السؤال: 140990
أنشأت أول بريد الكتروني لي عندما كنت في الصف الثامن ، وكنت حينها حريصة على أن يكون له مدلول إسلامي فسميّته باسم المؤمن ، ثم بعد أن كبرت أدركت أن المؤمن من أسماء الله الحسنى ، وأخشى أنني بذلك ارتكبت شركاً أو انتهكت حرمةً ، فهل يجوز لي أن استمر في استخدام هذا البريد أم لا ؟ وما توجيهكم ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
قال
الله تعالى : ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا
الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )
يونس/180 .
قال
الشيخ السعدي رحمه الله :
”
هذا بيان لعظيم جلاله وسعة أوصافه بأن له الأسماء الحسنى ، أي: له كل اسم حسن ،
وضابطه : أنه كل اسم دال على صفة كمال عظيمة ، وبذلك كانت حسنى …
وقوله: وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ أي : عقوبة وعذابا على إلحادهم في أسمائه .
وحقيقة الإلحاد : الميل بها عما جعلت له ، إما بأن يسمى بها من لا يستحقها ، كتسمية
المشركين بها لآلهتهم ، وإما بنفي معانيها وتحريفها ، وأن يجعل لها معنى ما أراده
اللّه ولا رسوله ، وإما أن يشبه بها غيرها ؛ فالواجب أن يُحذر الإلحادُ فيها ،
ويُحذر الملحدون فيها..”.
“تفسير السعدي” (309) باختصار .
وينظر : بدائع الفوائد لابن القيم (1/179) ، القواعد المثلى ، لابن عثيمين (25-26)
.
وبذلك يتبين أن لله تعالى أسماء ، لا يستحقها غيره ، وأن إطلاق هذه الأسماء على أحد
من خلقه هو من الإلحاد في أسمائه ، الذي يستحق صاحبه أن يجازى به عند ربه يوم
القيامة .
ثانيا :
أسماء الله تعالى وصفاته ، وإن كانت كلها مختصة به سبحانه من حيث المعنى ؛ فلا يشبه
أحدا من خلقه في شيء منها ، بل ما ثبت له منها يليق بجلال الألوهية ، وعظمة
الربوبية ، كما أن ما ثبت لخلقه يليق بحال العبودية ؛ لكن مع ذلك قد ورد في الشرع
تسمية الله تعالى بأسماء وصفات ورد إطلاقها على بعض خلقه ، وهذا إنما هو من حيث
اللفظ والتسمية فقط ، وإلا فما يضاف إلى الله تعالى مختص به ، لا يشركه فيه أحد من
خلقه ، كما أن ما يضاف إلى العبد هو مختص به ، يليق بحاله .
قال
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
”
ولهذا سمى الله نفسه بأسماء ، وسمى صفاته بأسماء ، وكانت تلك الأسماء مختصة به إذا
أضيفت إليه ، لا يشركه فيها غيره . وسمى بعض مخلوقاته بأسماء مختصة بهم ، مضافة
إليهم ، توافق تلك الأسماء إذا قطعت عن الإضافة والتخصيص ، ولم يلزم من اتفاق
الاسمين وتماثل مسماهما واتحاده عند الإطلاق والتجريد عن الإضافة والتخصيص :
اتفاقهما ، ولا تماثل المسمى عند الإضافة والتخصيص ، فضلا عن أن يتحد مسماهما عند
الإضافة والتخصيص .
فقد
سمى الله نفسه حيا فقال : الله لا إله إلا هو الحي القيوم ، وسمى بعض عباده حيا
، فقال : يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ، وليس هذا الحي مثل هذا الحي
، لأن قوله ( الحي ) اسم لله مختص به ، وقوله : يخرج الحي من الميت اسم للحي
المخلوق مختص به ، وإنما يتفقان إذا أطلقا وجردا عن التخصيص ، ولكن ليس للمطلق مسمى
موجود في الخارج ، ولكن العقل يفهم من المطلق قدرا مشتركا بين المسميين ، وعند
الاختصاص يقيد ذلك بما يتميز به الخالق عن المخلوق ، والمخلوق عن الخالق .
ولا
بد من هذا فى جميع أسماء الله وصفاته ، يفهم منها ما دل عليه الاسم بالمواطأة
والاتفاق ، وما دل عليه بالإضافة والاختصاص المانعة من مشاركة المخلوق للخالق في
شيء من خصائصه – سبحانه وتعالى ..
وسمى نفسه بالمؤمن
المهيمن ، وسمى بعض عباده بالمؤمن ، فقال : أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا
لا يستوون وليس المؤمن كالمؤمن ” انتهى .
“مجموع الفتاوى” (3/10-12) باختصار.
والحاصل : أنه لا حرج في التسمي بـ ( المؤمن ) من هذه الناحية ؛ لأن اسم المؤمن ليس
من الأسماء الخاصة بالله جل جلاله ، والتي يمنع من تسمية الخلق بها ، بل قد سمى
الله سبحانه نفسه بالمؤمن في كتابه الكريم ، وكذلك سمى بعض عباده بالمؤمنين ،
والمؤمنين ؛ لكن ذلك لا يعني أن المعنى فيهما واحد ، بل للخالق من الصفات ما يخصه
ويليق به ، لا يشاركه في حقيقته شيء من خلقه ، ولخلقه ما يليق بهم من الأسماء
والمعاني .
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟