0 / 0

أقسام الناس في قبورهم ، ومَن يخفَّف عنه ما بعد القبر ومَن يشدَّد عليه؟

السؤال: 142854

يوجد حديث عن الرسول صلى الله عليه سلم فيما معناه : ( إن القبر أول منازل الآخرة وإن نجا منه فما بعده أيسر منه وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه ) .
أيضاً : ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن من مكفرات الذنوب : عذاب القبر .
فسؤالي كيف يمكن التوفيق بين كلام شيخ الإسلام والحديث السابق ؟ فالحديث السابق – بحسب فهمي المتواضع – يُخبر أن من يعذب في قبره : فالعذاب الذي بعده أشد منه في المحشر ودخول النار – أعاذنا الله وإياكم منها – ، أما الشيخ : فيذكر أن عذاب القبر قد يكون تكفيراً لسيئات العبد ، ومن هذا المنطلق قد ينقطع عنه عذاب القبر ولا يستمر ، وكذلك قد ينجو في المحشر ومن عذاب النار.
أرجو أن أكون أوضحت التساؤل بشكل تام .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

الحديث المشار إليه هو ما رواه عُثْمَان بْن عَفَّانَ رضي الله عنه ، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ ) .

رواه الترمذي ( 2308 ) وابن ماجه ( 4267 ) ، وحسَّنه : الحافظ ابن حجر في ” الفتوحات الربانية ” ( 4 / 192 ) ، والضياء المقدسي في ” الأحاديث المختارة ” ( 1 / 523 ) وصححه الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه ” مسند الإمام أحمد ” ( 1 / 225 ) ، وصححه المحققون للمسند – طبعة الرسالة – ( 1 / 503 ) ، وحسَّنه الألباني في ” صحيح الترمذي ” .

قال أبو الحسن عبيد الله المباركفوري – رحمه الله – :

( إن القبر أول منزل ) أي : فهو أقرب شيء إلى الإنسان ، وأيضاً شدته أمارة للشدائد كلها . ( من منازل الآخرة ) ومنها : عرصة القيامة عند العرض ، ومنها : الوقوف عند الميزان ، ومنها : المرور على الصراط ، ومنها : الجنة أو النار .

( فإن نجا منه ) أي : من عذاب القبر .

( فما بعده ) أي : من المنازل .

( أيسر منه ) أي : أسهل وأهون ؛ لأنه يُفسح للناجي من عذاب القبر في قبره مدّ بصره ، وينوَّر له ، ويُفرش له من بسط الجنة ، ويُلبس من حللها ، ويُفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من روحها وطيبها ، وكل هذه الأمور مقدمة لتيسير بقية منازل الآخرة .

( وإن لم ينج منه ) أي : لم يخلص من عذاب القبر ، ولم يكفر ذنوبه ، وبقي عليه شيء مما يستحق العذاب به .

( فما بعده أشد منه ) ؛ لأن النار أشد العذاب ، فما يحصل للميت في القبر : عنوان ما سيصير إليه .

” مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ” ( 1 / 229 ) .

وأما كلام شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – المشار إليه في السؤال فهو قوله :

قد دلَّت نصوص الكتاب والسنَّة : على أن عقوبة الذنوب تزول عن العبد بنحو عشرة أسباب : أحدها : التوبة ، وهذا متفق عليه بين المسلمين … .

السبب الثامن : ما يحصل في القبر من الفتنة والضغطة والرَّوعة ، فإن هذا مما يكفر به الخطايا .

” مجموع الفتاوى ” ( 7 / 487 – 501 ) ، وينظر أيضا : “مجموع الفتاوى” (10/45) .

ثانيا :

إذا كان الإشكال عند السائل هو فيمن لم ينج من عذاب القبر ، من عصاة الموحدين ؛ وكيف أن عذاب القبر سوف يكون تكفيرا لسيئاته ، مع أن ما بعد القبر وعذابه أشد منه ، كما في الحديث ، فيقال في الجواب عن ذلك :

1-أنه لا يلزم من كون عذاب القبر من أسباب المغفرة : أن تكون المغفرة عامة للذنوب جميعها ، بل قد يكون سببا لمغفرة بعض ذنوبه ، ثم يبقى يعذب ببعضها الآخر ، وعذابه في جهنم لا شك أنه أشد مما مر عليه في قبره ، خاصة إذا كان عذاب القبر قد استمر مدة ، ثم انقطع ، ولم يبق متواصلا معه إلى البعث . ولذلك يقول العبد الفاجر ، أو المنافق ، وهو من أهل التشديد عليه في القبر وعذابه ، يقول حين يرى مقعده من النار : ( ربِّ لا تُقِمِ الساعة ) رواه أحمد (18063) وصححه الألباني .

2-ولعل مما يقوي ذلك أن عذاب القبر قد ورد في ذنوب معينة ، فيكون تكفيره لهذه الذنوب التي عذب بسببها ، كما لو أقيم عليه الحد في الدنيا .

3- هذا الذي مر في الوجهين السابقين إنما يقال على تقدير ثبوت النص الشرعي بأن عذاب القبر هو كفارة لصاحبه ، فيجمع بين النصوص الواردة في ذلك ؛ أو على تقدير أن أهل العلم يقررون ذلك ، فيوضح به مرادهم ؛ وإلا فنص شيخ الإسلام ابن تيمية المذكور أعلاه ، ومثله نصوصه التي وقفنا عليها في أكثر من أربعة مواضع من كتبه ، لم نر في موضع واحد منها تصريحه بـ ( عذاب القبر ) وأنه من أسباب المغفرة ؛ بل الذي تم الوقوف عليه هو ما ورد في النص المنقول ، ومثله قوله في موضع آخر : ” ما يبتلى به المؤمن في قبره من الضغطة وفتنة الملكين .. ” ” منهاج السنة” (6/146) . وهو ما يقرره ـ أيضا ـ تلميذه الإمام ابن القيم ، حيث يقول ـ في سياقه لنفس الأسباب العشرة لتكفير الذنوب ـ : ” … وبالامتحان في البرزخ ، وفي موقف القيامة.. ” انتهى . “إعلام الموقعين” (2/304) . ولا شك أن فتنة القبر ، وضمته ، والامتحان فيه : هي أعم من العذاب الخاص بالقبر ؛ فالمحنة ، وهول القبر وروعته ، وضمته : هذه عامة لكل أحد ، والعذاب بمعناه الخاص الذي هو عقوبة على ذنوب معينة : ليس عاما لكل أحد ، كما هو ظاهر معلوم .

وكما أننا لا نستطيع أن نفهم ، أو على الأقل : لا نستطيع أن نجزم ، بأن مراد شيخ الإسلام هو الحديث عن العذاب الخاص ، لأن ظاهر كلامه ، وكلام تلميذه ، إنما هو على أهوال القبور وفتنتها ، فكذلك لم نقف على نص خاص يصرح بأن عذاب القبر هو تكفير لسيئات من يصيبه.

وحينئذ : فلا إشكال ولا تعارض بين النصوص ، ثم إن الحديث المشار إليه في السؤال لا يشكل على كلام شيخ الإسلام وتقريره ؛ فلا شك أن من نجا من فتنة القبر ، وأفلح في جواب الملكين : قد عجل الله له البشرى في قبره بالتثبيت ، ووعده الحديث المذكور بأن يكون ما بعده أهون له ، وأسهل عليه .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android