تنزيل
0 / 0
56,68924/03/2010

إذا عفى أولياء المقتول خطأ عن الدية فهل تسقط الكفارة؟

السؤال: 143344

سائق سيارة حدث له حادث- نسأل الله السلامة – ، وتوفي على إثره أربعة أشخاص منهم امرأتان ورجل وطفل ؛ فما الذي يلزم هذا السائق شرعا؟ علما أن نسبة الخطأ الكبيرة ـ إن لم تكن كلها ـ والمسجلة من طرف الشرطة هي على السائق نفسه ، كما أن السائق يقول : إن النوم هو الذي كان السبب الرئيس في الحادث ، حيث إنه ما علم شيئا إلا وهو يسمع الصراخ بعد وقوع الكارثة ؟
وقد سألنا أحد طلاب العلم فقال يطلب منهم أن يسامحوه من الدية ولا صوم عليه. وربط بين الدية والصوم ، فقال : إن سامحوه من الدية فلا صوم عليه .. فهل هذه الفتوى صحيحة؟ وما توجيهها حفظكم الرحمن؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

إذا وقع الحادث بسبب تفريط من السائق كسيره مع شعوره بالنعاس ، أو إهماله إصلاح الفرامل أو الإطار ونحو ذلك ، لزمه ضمان ما تلف من الأنفس وغيرها ، ولزمته الكفارة عن كل شخص يموت بهذا الحادث .

قال الله تعالى : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا) النساء/92 .

جاء في “فتاوى اللجنة الدائمة” : “إن كان السائق مفرطا في سيره ، أو له سبب في حصول الحادث ، كمخالفة للسير أو سرعة أو نعاس ونحو ذلك ، أو إهمال للسيارة وضرورة تفقد أسباب سلامتها : فعليه كفارة القتل ؛ عتق رقبة مؤمنة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله ، أما إذا لم يكن له تسبب بوجه ما في وقوع الحادث : فلا شيء عليه” انتهى من “فتاوى إسلامية” (2/ 356) .
 

والدية في قتل الخطأ واجبة على عاقلة القاتل ، وهم عصبته ، وهم الأب ، والأجداد من جهة الأب ، والإخوة الأشقاء والإخوة من الأب وأبناؤهم ، والأعمام وأبناؤهم ، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد . وينظر جواب السؤال رقم (52809) .

وإذا عفى أولياء المقتول عن الدية سقطت ، ولا تسقط الكفارة بعفوهم ؛ لأنها حق لله تعالى .

وقد أخطأ من ربط بين الدية والكفارة ، والواجب عليه التوبة من الفتوى بغير علم .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ” إذا حصل الحادث فإما أن يكون بتفريط من قائد السيارة أو بتعدٍ منه ، والتفريط ترك ما يجب مثل أن يدع الإنسان تفقد السيارة في حال يحتمل أن يكون فيها خلل ، فيدع تفقدها ثم يحصل الحادث من جراء هذا التفريط : فيكون في ذلك ضامناً لأنه ترك ما يجب عليه ، أو بتعدٍ منه والتعدي فعل ما لا يجوز ، مثل أن يسير في خط معاكس للسير أو يقطع الإشارة ، أو يسرع سرعةً تُمنَع في مثل هذا المكان ، وما أشبه هذا ، المهم أن القاعدة هو أنه إذا كان الإنسان الذي حصل منه الحادث متعدياً بفعل ما لا يجوز ، أو مفرطاً بترك ما يجب ، فإنه يجب عليه لهذا الحادث شيئان إذا تلفت منه نفس :

الشيء الأول : الكفارة وهي حق لله تعالى ، وهي عتق رقبة مؤمنة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين لا يفطر بينهما يوماً واحداً إلا بعذر حسي أو شرعي .

والأمر الثاني مما يجب عليه : الدية ، لكن الدية تتحملها عنه عاقلته ، وهذه حق لأولياء المقتول ، وهم ورثته ؛ إن عفوا عنها سقطت . أما الكفارة فإنها حقٌ لله ولابد منها ، حتى لو عفا أولياء المقتول عن الدية فإن الكفارة لا تسقط ؛ لأن الكفارة حق لله والدية حق للآدميين ، ولا يلزم من سقوط أحد الحقين سقوط الآخر ، كما أن هذا لو كان لا يجد الرقبة ، ولا يستطيع أن يصوم شهرين متتابعين ، فإن الكفارة تسقط عنه وإن كانت الدية تجب لأولياء المقتول .

مثال الشيء الذي يكون بغير تعد منه ولا تفريط : مثل أن ينكسر الذراع أو أن يضرب الكفر [الإطار] مع تفقده له قبل أن يمشي ، أو يأتي إنسان يكون هو الذي قابل السيارة على وجه لا يتمكن القائد من إيقاف السيارة ، يعني لو جاءك أو رمى نفسه بالشارع والسيارة قد أقبلت والقائد لا يتمكن من إيقاف السيارة ، فإن هذا الذي رمى بنفسه هو الذي أهلك نفسه ، فليس على هذا السائق شيء ، وكذلك أيضاً لو فُرض أن الإنسان القائد قابله سيارة فرأى أن خير وسيلة ينجو بها من هذا الذي قابله أن يخرج عن الخط يميناً أو شمالاً ، ففعل وتصرف ثم إنه في تصرفه هذا حصل انقلاب السيارة ومات أحد معه ، فإنه في هذه الحالة لا يضمنه لا بدية ولا بكفارة ؛ لأنه في هذه الحال محسن وقد قال الله تعالى:  (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) .

فبهذا يتبين أنه إذا كان الحادث نتيجة لتصرف مأمور به من قبل القائد ، يرى أنه أحسن من عدمه : فإنه ليس عليه هنا ضمان لا بكفارة ولا بدية ؛ لأن الله يقول : (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) ، ولأنه تصرف تصرفاً مأموراً به ومأذوناً له به شرعاً ، وقد قال أهل العلم من قواعدهم المقررة : ما ترتب على المأذون فليس بمضمون .  

وكذلك من الأشياء التي لا ضمان فيها لو كان القائد يسير فواجهه شيء في الخط بهيمة أو سيارة واقفة بدون إشارات أو ما أشبه ذلك ، ثم إنه لم يعلم حتى وصل إلى حد لا يتمكن به من إيقاف السيارة ، فانحرف ، ثم حصل الحادث من انحرافه الذي يرى أنه أقرب إلى النجاة ، فإنه في هذه الحال ليس عليه ضمان لا بدية ولا بكفارة . 

وهذه المسائل في الحقيقة دقيقة تحتاج إلى تحقيق المناط ، وإلى معرفة الشيء معرفة تامة ، ولا ينبغي للإنسان أن يتسرع فيُلزم الناس ما لا يلزمهم من دية أو كفارة ؛ بل إنه ينبغي له أن يعلم أن الأصل السلامة والعصمة ، كما أن الأصل أيضاً الضمان لما تلف ، فهذان الأصلان متعارضان ، وينبغي لطالب العلم أن يسلك ما يراه أقوى من هذين الأصلين ، وأن يتقي الله سبحانه وتعالى فلا يُلزم عباد الله بما لا يلزمهم ، ولا يسقط عن عباد الله ما يجب عليهم .

والله أعلم ” انتهى من “فتاوى نور عل الدرب” .
 

وينبغي أن يعلم أن الكفارة تتعدد بتعدد القتلى .

قال في “مطالب أولي النهى” (6/147) : “وتتعدد الكفارة بتعدد مقتول كتعدد الدية بذلك ; لقيام كل قتيل بنفسه , وعدم تعلقه بغيره” انتهى .

وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء عن سائق سيارة تسبب في حادث نتيجة لنومه ، ومات ثلاثة نساء في الحادث .

فأجابوا :

“يجب عليك كفارة القتل خطأ عن كل نفس ماتت معك في الحادث المذكور ، والكفارة هي : عتق رقبة مؤمنة ، فإن لم تجد فتصوم شهرين متتابعين متى استطعت ، ولا مانع من الفصل بين كل شهرين بمدة ترتاح فيها .

وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم” انتهى .

الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز . الشيخ عبد الرزاق عفيفي . الشيخ عبد الله بن غديان .

“فتاوى اللجنة الدائمة” (23/352) .

والله أعلم .

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android