شخص يصلي مع الجماعة في المسجد ، ولكنة يصلى بمفرده بالرغم من أنه توجد أماكن فارغة في الصفوف يستطيع أن يصلى فيها ، فما حكم هذه الصلاة ، علما بأنة دائما يفعل ذلك .
يصلي في المسجد مع الجماعة ولكنه يكون منفرداً خلف الصف دائماً
السؤال: 14376
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
صلاة الجماعة من الشعائر الظاهرة العظيمة في ديننا ، وقد سبق بيان أن القول بوجوبها هو الراجح الذي تقتضيه الأدلة [ راجع السؤال رقم 120 ] .
وأما صلاة المنفرد خلف الصف ، إذا كان في الصف مكان يسعه ، فقد اختف أهل العلم في صحتها . قال الإمام الترمذي رحمه الله : (كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ ، وَقَالُوا يُعِيدُ إِذَا صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ ، وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَقُ )
ثم حكاه أيضا عن حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَوَكِيعٌ .
قال : ( وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ : يُجْزِئُهُ إِذَا صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ ) .
والراجح في ذلك ما ذهب إليه الإمام أحمد وغيره من أهل العلم ، من أنه لا يجوز للمنفرد أن يصلي خلف الصف ، إذا أمكنه الدخول فيه ، وأنه إذا فعل ذلك بطلت صلاته ، ووجب عليه الإعادة .
وقد دل على ذلك ما رواه أبو داود ( 682 ) والترمذي ( 230 ) وغيرهما ، أَنَّ رَجُلا صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعِيدَ الصَّلاةَ . [ صححه الألباني في الإرواء ] .
قال المباركفوري رحمه الله : فِيهِ دَلالَةٌ عَلَى أَنَّ الصَّلاةَ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ لا تَصِحُّ ، وَأَنَّ مَنْ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الصَّلاةَ . انتهى .
ودل على ذلك أيضا ما رواه أحمد ( 15862 ) وابن ماجة ( 1003 ) أن علي بن شيبان خَرَجَ وَافِدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : فَصَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَحَ بِمُؤْخِرِ عَيْنَيْهِ إِلَى رَجُلٍ لا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ ، إِنَّهُ لا صَلاةَ لِمَنْ لا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ )
قَالَ : وَرَأَى رَجُلا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ ، فَوَقَفَ حَتَّى انْصَرَفَ الرَّجُلُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم :َ
( اسْتَقْبِلْ صَلاتَكَ ؛ فَلا صَلاةَ لِرَجُلٍ فَرْدٍ خَلْفَ الصَّفِّ ) . صححه الألباني في صحيح ابن ماجة .
قال السندي رحمه الله في حاشيته على ابن ماجة : ظَاهِر الْحَدِيث بُطْلان صَلاة مَنْ يَفْعَل كَذَلِكَ .
وقال الصنعاني رحمه الله :
فيه دلالة على بطلان صلاة من صلى خلف الصف وحده ، فإن النفي ظاهر في نفي الصحة .
وقد قال ببطلانها النخعي وأحمد ، وكان الشافعي يضعف هذا الحديث ويقول : لو ثبت هذا الحديث لقلت به . قال البيهقي: الاختيار أن يُتَوَقَّى ذلك لثبوت الخبر المذكور . انتهى .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى ما حكم الصلاة خلف الصف منفرداً ؟
فقال رحمه الله : ( الصلاة خلف الصف المنفرد لا تجوز ولا تصح على القول الراجح ، وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله ، وإن كان عنه رواية أخرى أنها تصح ، وهو [ أي : القول بصحة صلاة المنفرد خلف الصف ] مذهب الأئمة الثلاثة : مالك وأبي حنيفة والشافعي .
ولكن الراجح أنها لا تصح خلف الصف منفردا ، إلا إذا تعذر الوقوف في الصف ؛ بحيث يكون الصف تاماً , فإنه يصلي خلف الصف منفرداً تبعاً للإمام ؛ لأنه معذور , ولا واجب مع العجز كما قاله أهل العلم – رحمهم الله . ) [ فتاوى الشيخ 15/193] .
ولكي تعلم خطوة ما يفعله هذا الذي تسأل عنه ، ينبغي أن تعلم أن بعض أهل العلم قد ذهب إلى بطلان صلاة المنفرد خلف الصف مطلقا ؛ يعني ولو لم يجد له مكانا في الصف . جاء في فتاوى اللجنة الدائمة : ( إذا دخل رجل المسجد ، وقد أقيمت الصلاة وامتلأ الصف ، اجتهد أن يدخل في الصف ، فإن لم يتيسر ذلك فإنه يدخل مع الإمام ويكون عن يمينه ، فإن لم يتمكن انتظر حتى يحضر من يصطف معه ، فإن لم يتيسر أحد صلى وحده بعد انتهاء صلاة الجماعة . )
وورد نفس التفصيل السابق في جواب آخر للجنة ، وفيه أنه لا يكفي في ذلك مصافة الصبيان إذا كانوا غير مميزين . قالت : ( … وأما مصافة الصبيان ، فإن كانوا مميزين فمصافتهم صحيحة … ، وإن كانوا غير مميزين ، فحكمه حكم المنفرد خلف الصف ، وصلاة المنفرد خلف الصف غير صحيحة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا صلاة لمنفرد خلف الصف " )
[ انطر : فتاوى اللجنة 8/6-7 ] .
ولا شك أن الصورة التي سألت عنها تتنافى كل التنافي مع حكمة الشرع من صلاة الجماعة ، ويأباها من كان له أدنى نظر في حكم الشرع ومقاصده . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ، بعد ما ذكر الحديثين اللذين استُدِلَّ بهما على عدم صحة صلاة المنفرد خلف الصف :
( .. وَقَدْ صَحَّحَ الْحَدِيثَيْنِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ ، وَأَسَانِيدُهُمَا مِمَّا تَقُومُ بِهِمَا الْحُجَّةُ ; بَلْ الْمُخَالِفُونَ لَهُمَا يَعْتَمِدُونَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ عَلَى مَا هُوَ أَضْعَفُ إسْنَادًا مِنْهُمَا ، وَلَيْسَ فِيهِمَا مَا يُخَالِفُ الأُصُولَ ، بَلْ مَا فِيهِمَا هُوَ مُقْتَضَى النُّصُوصِ الْمَشْهُورَةِ وَالأُصُولِ الْمُقَرَّرَةِ ؛ فَإِنَّ صَلاةَ الْجَمَاعَةِ سُمِّيَتْ جَمَاعَةً لاجْتِمَاعِ الْمُصَلِّينَ فِي الْفِعْلِ مَكَانًا وَزَمَانًا ، فَإِذَا أَخَلُّوا بِالاجْتِمَاعِ الْمَكَانِيِّ أَوْ الزَّمَانِيِّ ، مِثْلَ أَنْ يَتَقَدَّمُوا أَوْ بَعْضُهُمْ عَلَى الإِمَامِ أَوْ يَتَخَلَّفُوا عَنْهُ تَخَلُّفًا كَثِيرًا لِغَيْرِ عُذْرٍ ، كَانَ ذَلِكَ مَنْهِيًّا عَنْهُ بِاتِّفَاقِ الأَئِمَّةِ ؛ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانُوا مُفْتَرِقِينَ غَيْرَ مُنْتَظِمِينَ ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ هَذَا خَلْفَ هَذَا وَهَذَا خَلْفَ هَذَا ، كَانَ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الأُمُورِ الْمُنْكَرَةِ ، بَلْ قَدْ أُمِرُوا بِالاصْطِفَافِ ، بَلْ أَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِتَقْوِيمِ الصُّفُوفِ وَتَعْدِيلِهَا وَتَرَاصِّ الصُّفُوفِ وَسَدِّ الْخَلَلِ وَسَدِّ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ ؛ كُلُّ ذَلِكَ مُبَالَغَةً فِي تَحْقِيقِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى أَحْسَنِ وَجْهٍ بِحَسَبِ الإِمْكَانِ .
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الاصْطِفَافُ وَاجِبًا لَجَازَ أَنْ يَقِفَ وَاحِدٌ خَلْفَ وَاحِدٍ وَهَلُمَّ جَرَّا ؛ وَهَذَا مِمَّا يَعْلَمُ كُلُّ أَحَدٍ عِلْمًا عَامًّا أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ صَلاةَ الْمُسْلِمِينَ ، وَلَوْ كَانَ هَذَا مِمَّا يَجُوزُ لَفَعَلَهُ الْمُسْلِمُونَ وَلَوْ مَرَّةً ، بَلْ وَكَذَلِكَ إذَا جَعَلُوا الصَّفَّ غَيْرَ مُنْتَظِمٍ : مِثْلَ أَنْ يَتَقَدَّمَ هَذَا عَلَى هَذَا ، وَيَتَأَخَّرَ هَذَا عَنْ هَذَا ، لَكَانَ ذَلِكَ شَيْئًا قَدْ عُلِمَ نَهْيُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ .
بَلْ إذَا صَلَّوْا قُدَّامَ الإِمَامِ كَانَ أَحْسَنَ مِنْ مِثْلِ هَذَا . فَإِذَا كَانَ الْجُمْهُورُ لا يُصَحِّحُونَ الصَّلاةَ قُدَّامَ الإِمَامِ إمَّا مُطْلَقًا وَإِمَّا لِغَيْرِ عُذْرٍ فَكَيْفَ تَصِحُّ الصَّلاةُ بِدُونِ الاصْطِفَافِ .
فَقِيَاسُ الأُصُولِ يَقْتَضِي وُجُوبَ الاصْطِفَافِ ، وَأَنَّ صَلاةَ الْمُنْفَرِدِ لا تَصِحُّ كَمَا جَاءَ بِهِ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ ، وَمَنْ خَالَفَ ذَلِكَ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَلا رَيْبَ أَنَّهُ لَمْ تَبْلُغْهُ هَذِهِ السُّنَّةُ مِنْ وَجْهٍ يَثِقُ بِهِ ، بَلْ قَدْ يَكُونُ لَمْ يَسْمَعْهَا ، وَقَدْ يَكُونُ ظَنَّ أَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ .. ) [ مجموع فتاوى شيخ الإسلام 23/393-395 ] .
فاجتهد أيها الأخ الكريم في نصح أخيك الذي يفعل ذلك ، وأعلمه بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ونهيه عن مثل ذلك ، لكن بشرط أن يكون نصحك له بالرفق واللين ، وتخير الحال التي يُرْجَى فيها قبول نصحك له ، والله يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة