كيف جمع الإمامان البخاري ومسلم الأحاديث ؟
السؤال: 144025
هل يمكن أن تشرحوا لي باختصار كيف جمع البخاري ومسلم الحديث ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
جمع
الإمامان الجليلان محمد بن إسماعيل البخاري ، ومسلم بن الحجاج النيسابوري الأحاديث
المروية في كتابيهما من مصدرين أساسيين :
مصادر شفوية : تتمثل في
أخذهما العلم عن شيوخهما ،
وسماعهما الأحاديث من رواتها .
مصادر مدونة ومكتوبة : وهي كتب الحديث المجموعة من قِبَل المحدِّثين الكبار
السابقين لتاريخ تأليف الإمامين لصحيحيهما ، فقد ظهرت كتب حديث سميت بـ ” المسانيد
” في بدايات القرن الثاني الهجري ، كما ظهرت الكتب المرتبة على الأبواب الفقهية ،
وهذه الكتب بدورها حوت الكتب والصحف الحديثية المكتوبة في القرن الأول الهجري ، ومن
أشهر هذه الكتب : الجامع أو السنن لعبد الملك بن جريج (80-150هـ)، والسنن للأوزاعي
(88-156هـ)، والجامع لسفيان الثوري (97-161هـ)، والموطأ لمالك بن أنس (93-179هـ)
وغيرها كثير ، وقد شَكَّلَت هذه الكتب المادة الأولى لصحيحي البخاري ومسلم ، حيث
سمعا هذه الكتب بالأسانيد الصحيحة إليها ، ثم ضمَّناها في كتابيهما .
يقول د/فؤاد سزكين :
”
علماء الحديث لا يخفى عليهم محاولة المؤلف أنه استهدف تأليف جامع صحيح مختصر ،
مستخرج من مصنفات الجيلين السابقين من المحدثين ، التي قد كثر عددها وكبرت أحجامها
وتعذر على المهتمين الإحاطة بها والاستفادة منها ، ويبدو أن البخاري لم يفد من كتب
الحديث فحسب ، بل إنه استخدم كثيرا من الكتب اللغوية والتاريخية والفقهية ” انتهى.
”
تاريخ التراث العربي ” (1/221)
ولفؤاد سزكين كتاب خاص بعنوان ” دراسات في مصادر البخاري ” كتبه باللغة التركية ،
وكتب مقدمته باللغة الانجليزية ، وكان في ترجمتها أن قال :
”
ما زال الاعتقاد سائدا أن البخاري – مثل باقي المؤلفين في الحديث – لم يكن من
الممكن أن يستخدموا كتبا مدونة من قبل ، وأنه جمع صحيحه من مصادر شفوية ، جمعه من
رواة الحديث الذين التقى بهم أثناء رحلاته في الأقاليم المختلفة للعالم الإسلامي ،
وعلى العكس من هذا الاقتناع حقيقة أن هذا العالم نفسه كان له فضل اكتشاف المصادر
المدونة الأولى للحديث ، وأنه مثل بعض سابقيه قد وصل عن طريق مصادره إلى معرفة أنه
وجدت بعض الوثائق في الحديث من القرن الأول الهجري ، ومع هذا فقد أخطأ هذا الباحث
في فكرة أن العلماء المسلمين زعموا أن الحديث كان يؤخذ كلية من المواد الشفوية ،
والواقع أن المقارنة – بين صحيح البخاري وموطأ مالك – وحدها كافية للرد على الزعم
بأن البخاري لم يكن من الممكن أن يستخدم كتبا مدونة ” انتهى باختصار.
نقلا عن هامش ” تاريخ التراث العربي ” (1/221-225) ، وينظر: (1/148-151) منه .
ويقول الدكتور حاكم المطيري :
”
مرحلة ظهور الموسوعات الحديثية ، تبدأ تقريبا من النصف الثاني للقرن الثاني الهجري
إلى آخر القرن الثاني (150-200هـ)، حيث ظهرت الموسوعات ، وكثرت كتب الحديث ، وتنوعت
في موضوعها وترتيبها وأسلوبها وحجمها ، وهذه المرحلة هي التي حددها الذهبي بقوله :
( ثم كثر ذلك – أي تأليف الكتب – أيام الرشيد ، وكثرت التصانيف )، أي أن عصر هارون
الرشيد (170-203هـ) هو عصر ازدهار وانتشار الكتب والمؤلفات في جميع العلوم
الإسلامية والعربية في الحديث والتفسير والفقه والأصول والنحو والأدب .
وقد
اعتمد علماء الحديث في هذه المرحلة على الكتب والمؤلفات التي ظهرت في المرحلة
الثالثة ، فقد ألف العلماء الموسوعات الحديثية الكبيرة التي تضم كثيرا من كتب تلك
المرحلة ، فنجد أن ( المصنفات ) و ( المسانيد ) في المرحلة الرابعة أصبحت تشتمل على
الأحاديث التي في كتب ابن جريج ومالك وحماد بن سلمة والأوزاعي والليث بن سعد وابن
أبي عروبة ، وغيرهم من علماء المرحلة الثالثة ، وقد تضاعف عدد الروايات في هذه
الموسوعات الحديثية إلى حد كبير ؛ لأن مؤلفيها قد سمعوا وقرؤوا تلك الكتب على عدد
من الشيوخ الذين قرؤوها أو سمعوها من أصحابها ، فيضعون في موسوعاتهم جميع روايات
هؤلاء الشيوخ ، فنجد – مثلا – أن أحمد بن حنبل قد قرأ أو سمع كتب حماد بن سلمة من
تلاميد حماد بن سلمة ، كشيخه يزيد بن هارون وشيخه عفان بن مسلم وشيخه موسى بن
إسماعيل..إلخ ، فجمع في ( المسند ) رواياتهم جميعا ، فصار الحديث الواحد في ( مصنف
) حماد بن سلمة ثلاثة أحاديث أو أكثر في ( مسند ) أحمد بعدد الشيوخ الذين قرأ عليهم
أحمد، أو سمع منهم هذا ( المصنف).
وهكذا تنوعت الكتب والمؤلفات في المرحلة الرابعة ، وتفنن العلماء في التصنيف بعدها
، فهناك المسانيد التي جمعت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وحده مرتبة على أسماء
الصحابة الذين رووها… وهناك أيضا الصحاح ، وهي التي اقتصرت على الأحاديث النبوية
التي اتفق علماء الحديث على صحتها مرتبة على الأبواب الفقهية ، وأشهرها صحيح
البخاري (ت256هـ)، ومسلم (ت261هـ) ” انتهى.
”
تاريخ تدوين السنة وشبهات المستشرقين ” (ص/99-103) .
وهكذا نعلم أن الإمامين البخاري ومسلم إنما جمعا جهود من سبقهما ، وانتقيا منها
الأحاديث التي هي في أعلى مراتب الصحيح ، وذلك من خلال الرواية بالأسانيد إلى أصحاب
الكتب الكثيرة المؤلفة في المرحلة السابقة ، إلى جانب الرواية عن الشيوخ الذين
أسندوا الأحاديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم من غير طرق الكتب السابقة .
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟