0 / 0

تزوج الأولى إرضاء لأهله ثم عدَّد ، وهو يميل للثانية ، فماذا يصنع ؟ وبم يُنصح ؟

السؤال: 144138

تزوجت قبل سنوات طويلة بزوجة أخي بعد وفاته ، وهي أكبر مني بسنوات كثيرة ، وكان الزواج إرضاء لوالديَّ فهذا طلبهم ، وكي نربي بنات أخي ، ويكونون قريبات من أبي وأمي ، والزوجة لها محرم في منزل والدي , ورزقت – بحمد الله – بأبناء منها ، وعشت سني عمري غير مقتنع بالزواج ، وأهرب كثيراً من مسؤوليات كثيرة ، فالأمر خارج عن إرادتي ، فما يجمعني بها إلا المودة والرحمة والأبناء .
ومرَّت السنوات ، حتى قررت الزواج بفتاة بِكر ، وصغيرة ، وملتزمة ، والحمد لله وفقني الله ، وعوَّضني كثيراً بهذه الزوجة ، كما لا يخفى عليكم بأن أمر التعدد أمر صعب , وأنا أعترف بأني لا أستطيع أبداً أن أعدل مهما حاولت ، وإضافة إلى ذلك : الميل القلبي لزوجتي الثانية ، فأنا أراه هو الزواج الأول بالنسبة لي ، كما أنها استطاعت وبقوة – بعد فضل الله – أن تكسبني كثيراً بالكلام الطيب ، والفعل الحسن مع والدي وزوجتي وأبنائي وأخلاقها الحسنة مع جميع أقاربي ، كما أنها دائماً تكرر ” سامحتك ” و ” حللتك لوجه الله ” ، وزوجتي الأولى في مرات تغضب ” ولا تحللني ” , ومرات لأني أخبرها بطيبة الثانية وكلمتها الغالية فتقول : ” الله يسامحك ” ، و ” الله يوفقك ” ، أي : فقط غيرة منها – والله العالم – .
والواقع أنني تزوجتها وهي تعرف بكل الظروف , وأخبرناها منذ الخطبة أني سأتزوج ببكر بعد فترة ووافقت , لماذا الآن الغيرة طغت عليها وبدأت تضغط عليَّ من ناحية العدل ؟! هي حقها كزوجة معلوم لكن أنا إنسان لم أعدد إلا رغماً عني ، من المفترض أن تتنازل كثيراً ، وأن تقدر ظروفي النفسية والمادية والمعنوية .
وباختصار : فإن الزوجة الأولى فازت بأمور لم تفز بها الثانية ! والثانية : أحاول أن أعوضها كثيراً بما لا أستطيع أن أقدِّمه في هذه الفترة لها ، مثلاً : الآن زوجتي الأولى تسكن في دور أرضي كامل مؤثث بالكامل والحمد لله بيتها جميل ، وفي الدور الثاني تسكن زوجتي الثانية في شقة , وتوجد شقتان أيضاً مؤجرة ، هل يحق لي أن أزيد من مصروف الزوجة الثانية عوضاً عن البيت ؟ هل يجوز لي أن أهديها وأن أسفِّرها ، وأن أشتري لها ذهباً عوضاً عن البيت ؟ سمعت أنه من العدل والمفترض إعطاؤها من إيجار الشقة الثانية ؟ فهل هذا صحيح ؟ علماً أن زوجتي الثانية لم ترزق حتى الآن بأبناء ، والله يرزقنا بالذرية الصالحة .
فبماذا تنصحوني في مشكلتي هذه ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:

ينبغي أن يعلم أن العدل بين زوجتيك منه ما هو واجب عليك ، ومنه ما هو غير مستطاع لا منك ولا من غيرك من الأزواج المعددين .

أ. أما العدل الذي أوجبه الله تعالى عليك :

1. فهو العدل في النفقة ، بأن تعطي كل زوجة حاجتها من الطعام والشراب وضروريات الحياة. 

2. والعدل في الكسوة ، بأن توفر لكل واحدة منهما كسوة في الصيف والشتاء .

3. والعدل في المبيت ، بأن تجعل لكل واحدة منهما ليلة تبيت عندها ، ثم تبيت عند الأخرى في الليلة التي بعدها .

4. والعدل في السكن ، بأن تُسكِن كل واحدة منهما بالسكن الملائم لحالها بما هو في مقدورك ، ولا يلزم أن يكون كلا السكنين بسعة واحدة ، والمهم : أن لا يكون بينهما تفاوت متعمد – وانظر تفصيل هذا في جواب السؤال رقم (121487 ) .

وهذا العدل هو أمر واجب مستطاع ، فهو في أمر ظاهر يستطيع المعدد ضبطه وإعطاء كل ذات حق حقها ، ومن لم يستطع القيام به : فيحرم عليه أن يعدد ، بل يكتفي بزوجة واحدة ، وفي ذلك يقول الله تعالى : ( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ ) النساء/ 3 .

وانظر تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم : (10091 ) .

ب. وأما العدل غير الواجب : فهو ليس في استطاعتك ، ولا في استطاعة أحد غيرك ، وهو العدل في المحبة القلبية ، وفي ذلك يقول تعالى : ( وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ) النساء/ 129 .

قال الشافعي – رحمه الله – :

فقال بعض أهل العلم بالتفسير : ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ) بما في القلوب ، فإن الله عز وجل وعلا تجاوز للعباد عما في القلوب .

( فلا تميلوا ) تتبعوا أهواءكم .

( كل الميل ) بالفعل مع الهوى ، وهذا يشبه ما قال ، والله أعلم .

” الأم ” ( 5 / 158 ) .

وعليه : فقولك ” لا أستطيع أبداً أن أعدل مهما حاولت ” : غير مقبول منك إذا كان قصدك منه العدل الواجب .

وقولك ” وإضافة إلى ذلك : الميل القلبي لزوجتي الثانية ” : قد سبق منا بيان أن هذا من المعفو عنه ، بشرط عدم الميل الكلي .

ثانياً:

لتعلم أنه لا ذنب لزوجتك الأولى أن تكون تزوجتها إرضاء لأهلك ، فلها عليك حقوق يجب أن تؤديها لها ، ولا ينبغي لك أن تقارن بينها وبين الزوجة الثانية ؛ فالخطأ منك وأنت تحملها إياه ، فقد تزوجتها من غير رغبة ، وتزوجت الأخرى برغبة جامحة ، فكيف تقارن بينهما ؟ وكيف تريد إلزامها بمسامحتك إن أخطأتَ في حقها ، فليس ثمة ما يوجب عليها فعل ذلك .

فاتق الله تعالى ربَّك في زوجتك الأولى ، وبما أن هذا هو ظرفك : فأمامك خيارات :

الأول : أن تبقي عليها مع تحقيق العدل في الأمور الظاهرة ، والتي أوجبها عليك ربك عز وجل ، فإن أبقيتها مع ظلمها : استحققت إثم الظالمين ، وعاقبة الظلم وخيمة ، وهو من الذنوب التي يعجل الله عقوبتها في الدنيا ، فاحذر من سخط الله وأليم عذابه .

الثاني : أن تطلقها ، وتسرحها سراحاً جميلاً ، وتعطيها حقوقها المالية .

الثالث : أن تصالحها ، بأن تبقيها في عصمتك مع رضاها بالتنازل عن حقوقها التي أوجبها الله تعالى عليك .

قال ابن كثير – رحمه الله – :

إذا خافت المرأة من زوجها أن ينفر عنها ، أو يطلقها : فلها أن تسقط حقها ، أو بعضه ، من نفقة ، أو كسوة ، أو مبيت ، أو غير ذلك من الحقوق عليه ، وله أن يقبل ذلك منها ، فلا جناح عليها في بذلها ذلك له ، ولا عليه في قبوله منها .

” تفسير ابن كثير ” ( 2 / 426 ) .

وانظر تتمة كلام ابن كثير ، وأدلة هذه المسألة في جواب السؤال رقم : ( 110597 ) .

ثالثاً:

كل ما سألتَ عنه في آخر كلامك إنما هو من الميل الواضح للزوجة الثانية ، فاتق الله تعالى أن تفعل شيئاً مما قلتَه وسألتَ عنه ، فطالما أنك تنفق على زوجتك الثانية ما يكفيها : فليس لك أن تزيد في نفقتها لأنها تسكن في شقة والأولى في دور أرضي ، فلا تقارن بين زوجة لها أولاد ، وأخرى ليس لها ذرية ، فحاجة الأولى لمسكن واسع يحتم عليك أن تهيأ مسكناً يتسع لها ولأولادها ، وإسكانك الثانية في شقة وحدها كافٍ في تحقيق العدل الواجب عليك .

فليس لك أن تعطيها نفقة زائدة مقابل أنها تسكن في شقة أقل سعة من الأولى ، وليس لك أن تعطيها من أجرة الشقة المؤجرة التي تملكها ، وليس لك أن تهبها ذهباً ، ولا أن تسفرها ، دون أن تحقق هذا العدل مع زوجتك الأولى ، فتعطيها مثل ما تعطي الأولى ، وتقرع بينهما في السفر فمن خرجت قرعتها سافرتَ بها ، وإن سافرت بالثانية دون قرعة : أثمتَ ، ولزمك قضاء كل الأيام التي قضيتها مع الثانية فتجعلها من نصيب الأولى .

وينظر حول أحكام مهمة في التعدد ما ذكر في الموقع على هذا الربط : (تعدد الزوجات والعدل بينهن)

ونسأل الله تعالى أن يهديك لتحقيق العدل بين نسائك ، وأن يشرح صدرك للحق ، وأن يرزقك الذرية الصالحة الطيبة .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android