هل ثبت حديث في أن أعلى المؤمنين منزلة من يرى الله في الجنة مرتين كل يوم ؟
السؤال: 144199
سمعت أحدهم يقول : إن أفضل الناس رؤية لوجه الله هم الذين يرونه مرتين في اليوم .
هذا الكلام حرك تساؤلات لديَّ ، هل هذا الكلام صحيح ؟ وهل رؤية المؤمنين لله كذلك تتفاوت بحسب الأعمال والصلاح ؟ أم الكل يرى بنفس الدرجة ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
رؤية المؤمنين ربَّهم يوم القيامة من
اعتقاد أهل السنَّة والجماعة ، وقد كثرت النصوص من الوحي على ذلك ، ولم يخالف في
ذلك إلا أهل البدع والضلال .
قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله – :
” والأحاديث في ذلك كثيرة جدّاً ، وقد
ذكر البخاري بعضها في أواخر ” الصحيح ” في ” كتاب التوحيد ” ، وقد أجمع على ذلك
السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان من الأئمة وأتباعهم .
وإنما خالف فيه طوائف أهل البدع من
الجهمية والمعتزلة ونحوهم ، ممن يرد النصوص الصحيحة ؛ لخيالات فاسدة ، وشبهات باطلة
، يخيلها لهم الشيطان ، فيسرعون إلى قبولها منه ، ويوهمهم أن هذه النصوص الصحيحة
تستلزم باطلاً ، ويسميه تشبيهاً أو تجسيماً ، فينفرون منه ” انتهى من ” فتح الباري
” لابن رجب ( 4 / 63 ) .
وقال الذهبي – رحمه الله – :
” وأما رؤية الله عيانا في الآخرة :
فأمر متيقن ، تواترت به النصوص ، جمع أحاديثها الدارقطني والبيهقي وغيرهما ” انتهى
من ” سير أعلام النبلاء ” ( 2 / 167 ) .
وقال ابن كثير – رحمه الله – :
” وقد ثبتت رؤية المؤمنين لله عز وجل
في الدار الآخرة في الأحاديث الصحاح ، من طرق متواترة عند أئمة الحديث ، لا يمكن
دفعها ولا منعها ” انتهى من ” تفسير ابن كثير ” ( 8 / 279 ) .
وينظر جواب السؤال رقم (
116644 ) .
ثانياً:
أما ما ورد من رؤية المؤمنين ربَّهم
تعالى كل يوم مرتين : فلم يثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو من الغيب
الذي لا يُقبل من أحد إلا بوحي .
وقد ورد ذلك في عدة روايات ، وكلها من
حديث عن ابْنِ عُمَرَ يقول : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : ( إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَنْظُرُ إِلَى
جِنَانِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَنَعِيمِهِ وَخَدَمِهِ وَسُرُرِهِ مَسِيرَةَ أَلْفِ
سَنَةٍ ، وَأَكْرَمَهُمْ عَلَى اللَّهِ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ غَدْوَةً
وَعَشِيَّةً ) ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ )
رواه الترمذي ( 2553 ) .
وقال :
” وقد روي هذا الحديث عن غير وجه عن
إسرائيل عن ثوير عن ابن عمر مرفوعا .
ورواه عبد الملك بن أبجر عن ثوير عن
ابن عمر موقوفا .
وروى عبيد الله الأشجعي عن سفيان عن
ثوير عن مجاهد عن ابن عمر قوله ، ولم يرفعه .
حدثنا بذلك أبو كريب محمد بن العلاء
حدثنا عبيد الله الأشجعي عن سفيان عن ثوير عن مجاهد عن بن عمر نحوه ولم يرفعه ”
انتهى .
والحديث لا يصح مرفوعاً ، ولا موقوفاً
، وعلة المرفوع والموقوف : ثوير بن أبي فاختة .
قال الذهبي – رحمه الله – : ” واهي
الحديث ” انتهى من
” مستدرك الحاكم ” ( 2 / 553 ) .
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – :
” لا أعلم أحداً صرح بتوثيقه ، بل
أطبقوا على تضعيفه ، وقال ابن عدي : الضعف على أحاديثه بيِّن ” انتهى من ” فتح
الباري ” ( 13 / 419 ) .
وقال الهيثمي – رحمه الله – :
” في أسانيدهم – أي : أحمد وأبو يعلى
والطبراني – : ثوير بن أبى فاختة ، وهو مجمع على ضعفه ” من ” مجمع الزوائد ” ( 10 /
401 ) .
قال الشيخ الألباني – رحمه الله – :
” فلا يصح الحديث لا مرفوعاً ولا
موقوفاً ” انتهى من ” سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ” ( 4 / 451 ) .
ثالثاً:
رغم ما أشرنا إليه من ضعف الحديث ، فإن
الظاهر أن أهل الجنة لا يتساوون في رؤية الله جل جلاله التي هي أعظم نعيمهم ، فإن
الرؤية إذا كانت ثوابا لهم على إيمانهم وأعمالهم ، كان من المعقول أن تتفاوت
منازلهم في هذه الرؤية ، ويتفاوت تنعمهم بها ، بحسب تفاوت منازلهم في الجنة ؛ بل إن
بعض أهل العلم قد ذهب إلى القول بموجب هذا الحديث ، رغم ما في إسناده من مقال .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” وَمَنْ تَأَمَّلَ سِيَاقَ ”
الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ ” عَلِمَ أَنَّ التَّجَلِّيَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ
لَهُ عِنْدَهُمْ وَقْعٌ عَظِيمٌ لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ ؛
وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا النَّوْعَ أَفْضَلُ مِنْ الرُّؤْيَةِ الْحَاصِلَةِ
كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ أَكْثَرَ ” .
ثم قال :
” ثُمَّ هَذَا مِنْ الْمُمْكِنِ :
أَنَّ ” الرُّؤْيَةَ جَزَاءُ الْعَمَلِ ” ؛ فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْأَخْبَارِ
مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرُّؤْيَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثَوَابُ شُهُودِ
الْجُمُعَةِ ؛ بِدَلِيلِ أَنَّ فِيهَا يَكُونُونَ فِي الدُّنُوِّ مِنْهُ عَلَى
مِقْدَارِ مُسَارَعَتِهِمْ إلَى الْجُمُعَةِ ، وَتَفَاوُتِ الثَّوَابِ بِتَفَاوُتِ
الْعَمَلِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مُسَبَّبٌ عَنْهُ … ، وَهَذَا مُنَاسِبٌ
لِحَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا ؛ فَإِنَّ الصَّالِحَ إذَا انْقَضَتْ الْجُمُعَةُ
اشْتَغَلَ بِمَا أُبِيحُ لَهُ فِي الدُّنْيَا ، وَأُولَئِكَ اشْتَغَلُوا
بِالتَّقَرُّبِ إلَيْهِ بِالنَّوَافِلِ ، فَكَانُوا مُتَقَرِّبِينَ إلَيْهِ فِي
الدُّنْيَا بَعْدَ الْجُمُعَةِ ، فَقَرُبُوا مِنْهُ بَعْدَ الْجُمْعَةِ فِي
الْآخِرَةِ ، وَهَذِهِ ” الْمُنَاسَبَةُ الظَّاهِرَةُ ” الْمَشْهُودُ لَهَا
بِالِاعْتِبَارِ تَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ التَّجَلِّيَ ثَوَابُ أَعْمَالِهِمْ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ .. ” انتهى .
“مجموع الفتاوى” (6/455-457) .
وقال الشيخ عبدالله الغنيمان حفظه الله :
“كل
من دخل الجنة فسيرى الله ، ولكن الرؤية تتفاوت ؛ منهم من يراه بكرة وعشياً ، ومنهم
من يراه في الأسبوع مرة في يوم جمعة ، كما جاء النص في ذلك ؛ فالرؤية تتفاوت حسب
الأعمال والإيمان كما تتفاوت درجات الجنة ” انتهى .
“شرح الواسطية” ، الغنيمان .
وسئل الشيخ العثيمين – رحمه الله – :
هل هناك تفاوت بين المؤمنين في رؤية الله عز وجل ؟ .
فأجاب :
” الظاهر : أنها حسب العمل والدرجة ؛
لأنه لا يستوي أبو بكر رضي الله عنه مع مؤمن ناقص الإيمان ” انتهى من ” لقاء الباب
المفتوح ” ( 228 / السؤال رقم 3 ) .
والله أعلم
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
موضوعات ذات صلة