حكم الدعاء بقول العبد : “جرمي عظيم ، وعفوك كبير ، فاجمع بين جرمي وعفوك يا كريم”
السؤال: 145176
سمعت بهذا الدعاء “جرمي عظيم، وعفوك كبير، فاجمع بين جرمي وعفوك يا كريم” منسوب لأحد الصالحين هل هذا حقيقي وصحيح يمكنني أن أدعو به ؟ أفادكم الله وجزاكم عنى والمسلمين الجنة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
روى ابن أبي الدنيا في كتاب “حسن الظن بالله” (ص 53) : حدثني محمد بن الحسين حدثني
روح بن سلمة الوراق حدثني سعيد بن ثعلبة الوراق قال : بتنا ليلة مع رجل من العابدين
على الساحل بـ”سيراف” فأخذ في البكاء ، فلم يزل يبكي حتى خفنا طلوع الفجر ، ولم
يتكلم بشيء ، ثم قال : ” جرمي عظيم وعفوك كبير ، فاجمع بين جرمي وعفوك يا كريم ”
قال : فتصارخ الناس من كل ناحية .
وهكذا رواه البيهقي في “شعب الإيمان” (7306) من طريق محمد بن الحسين البرجلاني ،
إلا أنه قال : نا روح بن سلمة الوراق قال : بتنا ليلة مع رجل من العابدين … فذكره
.
ولم يذكر سعيد بن ثعلبة ، ولعل رواية ابن أبي الدنيا بإثبات ذكر سعيد أرجح ،
وبإثباته ذكر القصة ابن الجوزي في “صفة الصفوة” (4 / 370)
وراجع : “لطائف المعارف” (ص 228)
ثانيا :
مثل هذا الدعاء إنما يذكره من يذكره من أهل العلم لبيان حال ما كان عليه الناس من
قبل من خشية الله وحسن الظن به ، لا يذكرونه ليتداوله الناس من بعد قائله ، أو
يتخذوه وردا لهم في دعائهم ؛ فإن المأثور الذي ينبغي التعلق به ، والتمسك بحباله :
هو ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، الصادق المصدوق ، ثم ما صح من آثار أصحابه
ودعواتهم ؛ فهم أعمق الناس علما ، وأقلهم تكلفا .
وأما ما يروى عن الصالحين من أدعيتهم وأحوالهم ، فهذه إن صحت لقائلها ، تحتاج النظر
ـ بعد ذلك ـ في معناها ومدى استقامة ذلك مع أصول الشرع .
فإذا صح معناها : فلا بأس من الدعاء بها من غير أن تتخذ وردا لازما ، وهديا دائما ،
كما هو الشأن فيما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم .
على أننا أيضا ننبه إلى أن حال القائل ، وصدق لهجته بقوله ، ربما كان هو الأصل في
تناقل قوله ، ونباهة الذكر لحاله ومقاله .
ثالثا :
روى البخاري (834) ومسلم (2705) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي
بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي قَالَ
: ( قُلْ : اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا ، وَلَا يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي ،
إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) .
قال الحافظ رحمه الله :
” فِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد أَيْضًا اِسْتِحْبَاب طَلَب التَّعْلِيم
مِنْ الْعَالِم , خُصُوصًا فِي الدَّعَوَات الْمَطْلُوب فَيهَا جَوَامِع الْكَلِم ”
انتهى .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله :
” فَهَذَا فِيهِ وَصْفُ الْعَبْدِ لِحَالِ نَفْسِهِ الْمُقْتَضِي حَاجَتَهُ إلَى
الْمَغْفِرَةِ ، وَفِيهِ وَصْفُ رَبِّهِ الَّذِي يُوجِبُ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ
عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ غَيْرُهُ ، وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِسُؤَالِ الْعَبْدِ
لِمَطْلُوبِهِ ، وَفِيهِ بَيَانُ الْمُقْتَضِي لِلْإِجَابَةِ وَهُوَ وَصْفُ
الرَّبِّ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ ، فَهَذَا وَنَحْوُهُ أَكْمَلُ أَنْوَاعِ
الطَّلَبِ ” انتهى .
“مجموع الفتاوى” (10 / 247)
وفيه أنه الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأفضل أصحابه ، فلا أكمل منه في طلب
المغفرة .
وقال شيخ الإسلام أيضا :
” هذا الدعاء مطابق لدعاء آدم في الاعتراف بظلم النفس ومسألة المغفرة والرحمة ”
انتهى .
“مجموع الفتاوى” (29/ 278 ) .
وفي حديث دعاء الاستفتاح عند مسلم (771) : ( أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ
ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا إِنَّهُ
لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ ) .
وعند البخاري (6306) عن شَدَّاد بْن أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ :
اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ
وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا
صَنَعْتُ ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ
لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ ) .
قَالَ : ( وَمَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ
قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَمَنْ قَالَهَا مِنْ
اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ
الْجَنَّةِ ) .
ففي هذا وأمثاله يظهر أدب الدعاء وآداب العبودية والتوسل بأسماء الله وصفاته ، وهذا
من الكمال بحيث لا يقارن به الدعاء المذكور ولا غيره ، من اجتهاد المجتهدين .
قال علماء اللجنة الدائمة :
” فيما ثبت في الوحيين من الأدعية والأذكار غنية عن الأدعية والأذكار المخترعة ”
انتهى .
“فتاوى اللجنة الدائمة”(1 / 53)
وراجع كتاب “فقه الأدعية والأذكار” (2/54-57) .
والخلاصة :
أن فيما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ما يغني عن ذلك الدعاء ويزيد ، وهو أعظم
بركة ، وأسلم عاقبة . لكن إن دعا بذلك الدعاء ـ أحيانا ـ فلا يظهر ما يمنع منه ،
ولو قال : ” فاشمل جرمي بعفوك ” لكان أحسن وأسلم .
والله تعالى أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟