0 / 0
14,49010/01/2010

حكم الدعاء بقول العبد : “جرمي عظيم ، وعفوك كبير ، فاجمع بين جرمي وعفوك يا كريم”

السؤال: 145176

سمعت بهذا الدعاء “جرمي عظيم، وعفوك كبير، فاجمع بين جرمي وعفوك يا كريم” منسوب لأحد الصالحين هل هذا حقيقي وصحيح يمكنني أن أدعو به ؟ أفادكم الله وجزاكم عنى والمسلمين الجنة.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

روى ابن أبي الدنيا في كتاب “حسن الظن بالله” (ص 53) : حدثني محمد بن الحسين حدثني روح بن سلمة الوراق حدثني سعيد بن ثعلبة الوراق قال : بتنا ليلة مع رجل من العابدين على الساحل بـ”سيراف” فأخذ في البكاء ، فلم يزل يبكي حتى خفنا طلوع الفجر ، ولم يتكلم بشيء ، ثم قال : ” جرمي عظيم وعفوك كبير ، فاجمع بين جرمي وعفوك يا كريم ” قال : فتصارخ الناس من كل ناحية .

وهكذا رواه البيهقي في “شعب الإيمان” (7306) من طريق محمد بن الحسين البرجلاني ، إلا أنه قال : نا روح بن سلمة الوراق قال : بتنا ليلة مع رجل من العابدين … فذكره .

ولم يذكر سعيد بن ثعلبة ، ولعل رواية ابن أبي الدنيا بإثبات ذكر سعيد أرجح ، وبإثباته ذكر القصة ابن الجوزي في “صفة الصفوة” (4 / 370)

وراجع : “لطائف المعارف” (ص 228)

ثانيا :  

مثل هذا الدعاء إنما يذكره من يذكره من أهل العلم لبيان حال ما كان عليه الناس من قبل من خشية الله وحسن الظن به ، لا يذكرونه ليتداوله الناس من بعد قائله ، أو يتخذوه وردا لهم في دعائهم ؛ فإن المأثور الذي ينبغي التعلق به ، والتمسك بحباله : هو ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، الصادق المصدوق ، ثم ما صح من آثار أصحابه ودعواتهم ؛ فهم أعمق الناس علما ، وأقلهم تكلفا .

وأما ما يروى عن الصالحين من أدعيتهم وأحوالهم ، فهذه إن صحت لقائلها ، تحتاج النظر ـ بعد ذلك ـ في معناها ومدى استقامة ذلك مع أصول الشرع .

فإذا صح معناها : فلا بأس من الدعاء بها من غير أن تتخذ وردا لازما ، وهديا دائما ، كما هو الشأن فيما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم .

على أننا أيضا ننبه إلى أن حال القائل ، وصدق لهجته بقوله ، ربما كان هو الأصل في تناقل قوله ، ونباهة الذكر لحاله ومقاله .

ثالثا :

روى البخاري (834) ومسلم (2705) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي قَالَ : ( قُلْ : اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا ، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي ، إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) .

قال الحافظ رحمه الله :

” فِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد أَيْضًا اِسْتِحْبَاب طَلَب التَّعْلِيم مِنْ الْعَالِم , خُصُوصًا فِي الدَّعَوَات الْمَطْلُوب فَيهَا جَوَامِع الْكَلِم ” انتهى .

وقال شيخ الإسلام رحمه الله :

” فَهَذَا فِيهِ وَصْفُ الْعَبْدِ لِحَالِ نَفْسِهِ الْمُقْتَضِي حَاجَتَهُ إلَى الْمَغْفِرَةِ ، وَفِيهِ وَصْفُ رَبِّهِ الَّذِي يُوجِبُ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ غَيْرُهُ ، وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِسُؤَالِ الْعَبْدِ لِمَطْلُوبِهِ ، وَفِيهِ بَيَانُ الْمُقْتَضِي لِلْإِجَابَةِ وَهُوَ وَصْفُ الرَّبِّ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ ، فَهَذَا وَنَحْوُهُ أَكْمَلُ أَنْوَاعِ الطَّلَبِ ” انتهى .

“مجموع الفتاوى” (10 / 247)

وفيه أنه الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأفضل أصحابه ، فلا أكمل منه في طلب المغفرة .

وقال شيخ الإسلام أيضا :

” هذا الدعاء مطابق لدعاء آدم في الاعتراف بظلم النفس ومسألة المغفرة والرحمة ” انتهى .

“مجموع الفتاوى” (29/ 278 ) . 

وفي حديث دعاء الاستفتاح عند مسلم (771) : ( أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ ) .

وعند البخاري (6306) عن شَدَّاد بْن أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ : اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ ) .

قَالَ : ( وَمَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ) .

ففي هذا وأمثاله يظهر أدب الدعاء وآداب العبودية والتوسل بأسماء الله وصفاته ، وهذا من الكمال بحيث لا يقارن به الدعاء المذكور ولا غيره ، من اجتهاد المجتهدين .

قال علماء اللجنة الدائمة :

” فيما ثبت في الوحيين من الأدعية والأذكار غنية عن الأدعية والأذكار المخترعة ” انتهى .

“فتاوى اللجنة الدائمة”(1 / 53)

وراجع كتاب “فقه الأدعية والأذكار” (2/54-57) .

والخلاصة :

أن فيما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ما يغني عن ذلك الدعاء ويزيد ، وهو أعظم بركة ، وأسلم عاقبة . لكن إن دعا بذلك الدعاء ـ أحيانا ـ فلا يظهر ما يمنع منه ، ولو قال : ” فاشمل جرمي بعفوك ” لكان أحسن وأسلم .

والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android