تنزيل
0 / 0
42,52505/03/2010

هل تأثر ابن تيمية بابن حزم ؟ وهل تأثر ابن حزم بابن عبد البر ؟

السؤال: 145524

قال لي صديق متعلم ويشتغل في طلب العلم : إن الإمام ابن تيمية قد تأثر بالإمام ابن حزم الظاهري ، وابن حزم قد تأثر بالإمام ابن عبد البر ، فهل هذا صحيح ؟ .
أرجو أن تتكرموا بالإجابة على هذا السؤال بشيء من التفصيل .

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:

ابن تيمية :

هو شيخ الإسلام أحمد تقي الدين أبو العباس بن عبد
الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحراني .

ولد يوم الاثنين ، عاشر – وقيل : ثاني عشر – من
ربيع الأول سنة 661هـ ، في حرّان .

قال تلميذه ابن عبد الهادي رحمه الله عنه : ” ثم لم
يبرح شيخنا رحمه الله في ازدياد من العلوم وملازمة الاشتغال والإشغال ، وبث العلم
ونشره ، والاجتهاد في سبل الخير حتى انتهت إليه الإمامة في العلم والعمل ، والزهد
والورع ، والشجاعة والكرم ، والتواضع والحلم والإنابة ، والجلالة والمهابة ، والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر ، وسائر أنواع الجهاد ، مع الصدق والعفة والصيانة ، وحسن
القصد والإخلاص ، والابتهال إلى الله وكثرة الخوف منه ، وكثرة المراقبة له ، وشدة
التمسك بالأثر ، والدعاء إلى الله ، وحسن الأخلاق ، ونفع الخلق والإحسان إليهم ،
والصبر على من آذاه والصفح عنه والدعاء له ، وسائر أنواع الخير” انتهى .

امتحن الشيخ مرات ، فأوذي ، ودخل السجن عدة مرات
بسبب حسد الأقران .

وفي ليلة الاثنين لعشرين من ذي القعدة من سنة ( 728
هـ ) توفي شيخ الإسلام بقلعة دمشق التي كان محبوساً فيها .

ثانياً:

ابن حزم :

هو أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن
صالح بن خلف الفارسي الأصل ، ثم الأندلسي القرطبي .

ولد بـ ” قرطبة

لآخر يوم من رمضان ،
في سنة أربع وثمانين وثلاث مائة .

نشأ في تنعم ورفاهية ، وكان والده وزيراً من كبراء
أهل قرطبة ، وكذلك وزر أبو محمد في أول حياته.

قال
أبو عبدالله الحميدي : ” كان ابن حزم حافظاً للحديث وفقهه ، مستنبطاً للأحكام من
الكتاب والسنة ، متفنناً في علوم جمة ، عاملاً بعلمه ، ما رأينا مثله فيما اجتمع له
من الذكاء ، وسرعة الحفظ ، وكرم النفس ، والتدين ، وكان له في الأدب والشعر نفسٌ
واسع ، وباع طويل ، وما رأيت مَن يقول الشعر على البديهة أسرع منه ” .

ومن
أشهر كتبه : “المحلَّى” و “الإحكام لأصول الأحكام” و “الفِصَل في الملل والأهواء
والنَّحَل” .

توفي عشية يوم الأحد لليلتين بقيتا من شعبان ، سنة
ست وخمسين وأربع مائة .

ثالثاً :

ابن عبد البر :

هو الحافظ يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن
عاصم ، أبو عمر النَّمَري القرطبي الأندلسي .

ولد
ابن عبد البر بـ ” قرطبة ” يوم الجمعة ، في ربيع الآخر ، سنة ثمان وستين وثلاثمائة
.

نشأ
ابن عبد البر في أسرة علمية ، فأبوه وجده كانا من العلماء ، ونشأ في مدينة معروفة
بالعلم وكثرة العلماء ، كانت يومئذٍ عاصمة الأندلس .

سمع
ابن عبد البر من كثير من علماء الأندلس ، وأخذ عنهم شتى العلوم .

قال
الذهبي رحمه الله : ” وكان في أصول الديانة على مذهب السلف ، لم يدخل في علم الكلام
، بل قفا آثار مشايخه رحمهم الله ” .

وقال الحميدي : ” أبو عمر ، فقيه حافظ ، مكثر ، عالم بالقراءات وبالخلاف في الفقه ،
وبعلوم الحديث والرجال ، قديم السماع كثير الشيوخ ” .

أشهر مؤلفاته : ” التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ” و ” الاستيعاب في
معرفة الأصحاب ” و ” جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله ” .

توفي يوم الجمعة ، في ربيع الآخر ، سنة ثلاث وستين وأربعمائة من الهجرة بمدينة ”
شاطبة ” في شرق الأندلس .

رابعاً :

تلك
هي تراجم مختصرة لأولئك الأعلام الثلاثة ، وأما تأثر شيخ الإسلام ابن تيمية بابن
حزم ، فلم نجد في ترجمة شيخ الإسلام ما يدل على ذلك ، بل يلفت نظر الباحث أمران :

الأول : انتقاد شيخ الإسلام ابن تيمية لابن حزم – رحمهما الله – في جوانب كثيرة ،
من أهمها :

أ.
اعتقاده في صفات الله تعالى الذي خالف فيه أهل السنَّة .

ب.
مبالغته في التمسك بالظاهر في مسائل الفقه مع نفي القياس الجلي وعدم النظر إلى
المعاني .

ج.
شدته أحياناً على المخالفين له في الرأي ، وتسفيه آرائهم .

قال
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

“لكن قد خالط ـ يعني ابن حزم ـ من أقوال الفلاسفة والمعتزلة في مسائل الصفات ما
صرفه عن موافقة أهل الحديث في معاني مذهبهم في ذلك ، فوافق هؤلاء في اللفظ وهؤلاء
في المعنى ، وبمثل هذا صار يذمه من يذمه من الفقهاء والمتكلمين وعلماء الحديث
باتباعه لظاهر لا باطن له .. مضموماً إلى ما في كلامه من الوقيعة في الأكابر ،
والإسراف في نفي المعاني ، ودعوى متابعة الظواهر” انتهى .


مجموع الفتاوى ” ( 4 / 19 ) .

وللأسف فدعوى بعض الظاهريين المعاصرين أن شيخ الإسلام ابن تيمية تأثر بابن حزم غير
صحيحة ، بل بالغ بعضهم فقال : ” لولا ابن حزم ما راح ابن تيمية ولا جاء ” ! وهؤلاء
كتموا كلام شيخ الإسلام السابق نقله عنه في انتقاد ابن حزم ، فنقلوا ما قبله ، وما
بعده ، مع أنه في موضع واحد ، وفي الصفحة نفسها ، وإنصافاً لابن حزم سنذكره بعد
قليل ، وهو يدل على عدل شيخ الإسلام رحمه الله في حكمه على الآخرين .

الثاني : الثناء على ابن حزم في سعة اطلاعه ، وتمسكه بالنصوص ، وتمييزه بين الحديث
الصحيح والضعيف ، وفي مخالفته للمرجئة والأشاعرة في معظم مسائل “الإيمان” ، وفي
“القدَر” .

قال
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

وإن
كان ” أبو محمد بن حزم ” في مسائل الإيمان والقدر أقوم من غيره وأعلم بالحديث وأكثر
تعظيما له ولأهله من غيره … .

وإن
كان له من الإيمان والدين والعلوم الواسعة الكثيرة ما لا يدفعه إلا مكابر ؛ ويوجد
في كتبه من كثرة الاطلاع على الأقوال ، والمعرفة بالأحوال ، والتعظيم لدعائم
الإسلام ، ولجانب الرسالة ما لا يجتمع مثله لغيره ، فالمسألة التي يكون فيها حديث
يكون جانبه فيها ظاهر الترجيح ، وله من التمييز بين الصحيح والضعيف والمعرفة بأقوال
السلف ما لا يكاد يقع مثله لغيره من الفقهاء .


مجموع الفتاوى ” ( 4 / 19 ، 20 ) .

وشيخ الإسلام ابن تيمية بحر من بحور العلم ، وقد كان واسع القراءة والاطلاع ، ومن
ضمن ذلك اطلاعه على كتب ابن حزم رحمه الله ، ولا مانع أن يكون قد استفاد مما فيها
من العلم ، ومما يدل على أنه قرأها : نقده لما فيها من أخطاء ، واستدراكه على
اعتقاد ابن حزم ومنهجه في الفقه ، وتعقبه في الحديث ومسائل الإجماع وغيرها ، وهذا
لا يكون إلا ممن نظر واطلع على تلك المصنفات لذلك الإمام ، لكنه لم يكتسب صفاته في
شدته على أئمة الهدى ، ولم يعتقد ما يعتقده ابن حزم في الصفات وغيرها مما خالف فيه
أهل السنَّة ، ولم يقل بقوله في ” نفي القياس ” ، فأين ذلك التأثر المزعوم .

وقد
زعم بعض الكتَّاب أن ابن تيمية تأثر بحدة ابن حزم رحمه الله ! وهذا أيضاً غير صحيح
، فابن حزم كان حادّاً على رؤوس أهل السنَّة وأئمتها ، وأما شيخ الإسلام فهو يجلهم
ويعظمهم ، وما كان منه من حدَّة فهي على رؤوس بعض أهل البدع والضلال .

خامساً :

أما
تأثر ابن حزم بابن عبد البر : فبينهما من العلاقة ما يجعل ابنَ حزم مستفيداً من ابن
عبد البر ، وكيف لا وهو من شيوخه ، ويبدو أن التأثير العلمي والأدبي هو الأبرز في
هذه العلاقة ، ويبدو ذلك من خلال أمور :

أ.
تلقى ابن حزم عن ابن عبد البر علم الحديث .

ب. صاحبه في الأخذ عن شيوخه كذلك أمثال : ابن
الفرضي وابن الجسور ، ولذا كان يطلق عليه – أحياناً – لفظة ” صاحبنا ” .

ج. روى عن ابن عبد البر في مواضع عدة من كتبه بلفظ
السماع مرة ، وبلفظ الإجازة مرة أخرى .

قال القاضي عياض رحمه الله في ترجمة ابن عبد البر :

وسمع منه أبو محمد ابن حزم .

” ترتيب المدارك وتقريب المسالك ” ( 8 / 128 ) .

د. كان ابن حزم يذكر ابن عبد البر في مصنفاته ،
ويطلق عليه صفة : ” الإمامة ” و ” الاجتهاد “.

هـ . كان يذكر بعض كتب ابن عبد البر ويثني عليها في
مصنفاته .

ومن ذلك قوله – وهو يسرد كتب علماء الأندلس – :

ومنها : كتاب ” التمهيد ” لصاحبنا أبي عمر يوسف بن
عبد البر ، وهو الآن في الحياة ، لم يبلغ سن الشيخوخة ، وهو كتاب لا أعلم في الكلام
على فقه الحديث مثله أصلاً ، فكيف أحسن منه
.

ومنها : كتاب ” الاستذكار ” ، وهو اختصار التمهيد
المذكور .

ولصاحبنا أبي عمر ابن عبد البر المذكور كتب لا مثل
لها :

منها : كتابه المسمى بـ ” الكافي ” في الفقه على
مذهب مالك وأصحابه ، خمسة عشر كتاباً اقتصر فيه على ما بالمفتي الحاجة إليه وبوَّبه
وقربه فصار مغنياً عن التصنيفات الطوال في معناه.

ومنها : كتابه في الصحابة سمَّاه كتاب ” الاستيعاب
” في أسماء المذكورين في الروايات والسير والمصنفات من الصحابة رضي الله عنهم
والتعريف بهم وتلخيص أحوالهم ومنازلهم وعيون أخبارهم ، على حروف المعجم ، اثنا عشر
جزءاً ، ليس لأحد من المتقدمين مثله على كثرة ما صنفوا في ذلك.

” رسائل ابن حزم ” ( 2 / 179 ، 180 ) بعنوان ” في
فضل الأندلس وذكر رجالها ” .

قال
الدكتور ليث سعود جاسم وفقه الله :

أما
طبيعة العلاقة بين ابن حزم وابن عبد البر : فقد كانت علاقة تلمذة وصداقة , فقد
تلقّى ابن حزم عن ابن عبد البر علمَ الحديث , وصاحَبه في الأخذ عن شيوخه كذلك ،
أمثال : ابن الفرضي وابن الجَسور , ولو تصفّحنا كتاب ” الأحكام في أصول الأحكام ”
لابن حزم لوجدنا أنّه يروي عن ابن عبد البر في مواضع عدة من الكتاب , بلفظ السماع
مرة , وبلفظ الإجازة مرة أخرى .

 وقد توهّم البعض في أنَّ ابن عبد البر كان تلميذاً لابن حزم , ولعلّ ذلك سبب شهرة
ابن حزم التي نالها لعلمه , فضلاً عن الظروف السياسيةِ التي مر بها , والمناظرات
الحادة التي ناظر بها علماء عصره , ولكن بتتبـّع ما كتبه ابن عبد البر من الكتب
المطبوعة , وبعض ما وقعت عليه من المخطوط لم أجد إشارة تشير إلى أنه قد نقل عن ابن
حزم أو رَوى عنه .

ثم
إن ابن حزم يَذكر ابن عبد البر في بعض رسائله , ويُضفي عليه صفة الإمامة والاجتهاد
. ” وحسبك بأبي محمد مثنياً ” , وكان من أقرانه , وجرت بينهما مناظرات ومنافرات ,
ومع ذلك فيروي عنه بالإجازة ، وكان يثني على مؤلفات ابن عبد البر , وقد قدّم لنا
ابن حزم في رسالته ” فضل الأندلس ” قائمة بهذه المؤلفات القيمة .

ويبدو أنه لم يتعرّض لابن عبد البر بلفظ شديد أو جارح ، على ما عُرف عنه ابن حزم ,
على الرغم من أنَّ ابن عبد البر قد ردّ على ابن حزمٍ في كتابه ” التمهيد ” ، و ”
الاستذكار ” ، لكن هذه الردود كانت تلميحاً وليست تصريحاً ، ومع هذا الاختلاف في
الرأي : فإن ابن عبد البر كان ” ينبسط لابن حزم ، ويأنس به ” .


ابن عبد البر الأندلسي وجهوده في التاريخ ” ( ص 148 ، 149 ) .

والله أعلم

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android
at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android