معنى ما ورد في الأثر عن ابن مسعود : ” ما كرب نبي من الأنبياء إلا استغاث بالتسبيح ” .
السؤال: 145698
ما معنى قول ابن مسعود رضي الله عنه: ما كرب نبي من الأنبياء إلا استغاث بالتسبيح.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
هذا الأثر رواه ابن سمعون في “أماليه” (رقم 162/ الشاملة ) عن أبي عبيدة عن عبد
الله – يعني ابن مسعود رضي الله عنه – قال : ” ما كرب نبي من الأنبياء إلا استغاث
بالتسبيح ” .
وأبو عبيدة هو ابن عبد الله بن مسعود ، واسمه عامر ، مشهور بكنيته ، وهو ثقة من
رجال الجماعة ، لكنه لم يسمع من أبيه كما قال الإمام أحمد وابن معين والترمذي وابن
سعد وابن حبان والعجلي وغيرهم .
راجع : “التهذيب” (5/65-66) – “تاريخ ابن معين” (3/354) – “الثقات” لابن حبان
(5/561) – “الثقات” للعجلي (2/414) .
وجزم ابن القيم رحمه الله في “الجواب الكافي” (ص 7) بنسبته إلى ابن مسعود رضي الله
عنه.
ومعنى هذا الكلام – على فرض صحته عن ابن مسعود – أن التسبيح كان استغاثة الأنبياء
عليهم الصلاة والسلام عند الشدائد والكروب ، فإذا ألمّ بأحدهم كرب ، أو نزلت به
نازلة ، فزع إلى ربه بالتسبيح ، وهو من التوسل المشروع بالعمل الصالح .
فمعنى قوله : ” إلا استغاث بالتسبيح ” : أي استغاث بالثناء على الله بتسبيحه
وتنزيهه عن النقائص والعيوب ، وقد يقوم الثناء على الله تعالى مقام الدعاء ، أو
يتضمنه ، كما سيأتي في حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، وقال ابن القيم رحمه الله :
” نفس الحمد والثناء متضمن لأعظم الطلب وهو طلب المحب ، فهو دعاء حقيقة بل أحق أن
يسمى دعاء من غيره من أنواع الطلب الذي هو دونه . والمقصود أن كل واحد من الدعاء
والذكر يتضمن الآخر ويدخل فيه ” انتهى .
“بدائع الفوائد” (3 / 521)
وهو يشبه – من وجه – قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَلِظُّوا
بِيَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) رواه الترمذي (3524) وصححه الألباني في
“صحيح الترمذي” .
قال في “النهاية” (4 / 500) :
” أي الْزَمُوه واثْبُتُوا عليه وأكْثِرُوا من قوله والتَّلَفُّظِ به في دُعائِكم .
يقال : أَلَظَّ بالشيء يُلِظُّ إلْظَاظاً إذا لَزِمَه وثابرَ عليه ” انتهى .
ويشهد لذلك – في الجملة – قول الله عز وجل : ( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ
مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ
لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ *
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي
الْمُؤْمِنِينَ ) الأنبياء / 87 – 88
وقال تعالى : ( فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي
بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ )
الصافات / 143 – 144
وروى البخاري (3396) ومسلم (2377) عن ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ
أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى ) .
وروى علي بن الجعد في “مسنده” (67) عن علي رضي الله عنه قال : ” لا ينبغي لأحد أن
يقول أنا خير من يونس بن متى ، سبح الله عز وجل في الظلمات ” .
قال الحافظ رحمه الله :
” وفي رواية للطحاوي : ” إنه سبح الله في الظلمات ” فأشار إلى جهة الخيرية المذكورة
“
انتهى .
فيتبين بما تقدم أن التسبيح هو الذي أنجى الله به نبيه يونس عليه السلام ، ولولا
أنه كان من المسبحين لما نجا ، وأن هذه سنة الله تعالى في خلقه ، كما قال تعالى :
( وكذلك ننجي المؤمنين ) ، وأولى الناس بالعمل بهذه السنة هم الأنبياء .
– ويحتمل أن يكون المعنى : أنهم كانوا يجعلون بين يدي الدعاء في الكروب : الثناء
على الله تعالى بتسبيحه وتقديسه ، كما روى أبو داود (1481) عن فَضَالَةَ بْن
عُبَيْدٍ رضي الله عنه قال : سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ لَمْ يُمَجِّدْ اللَّهَ تَعَالَى وَلَمْ
يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عَجِلَ هَذَا ) ثُمَّ دَعَاهُ
فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ : ( إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ
بِتَمْجِيدِ رَبِّهِ جَلَّ وَعَزَّ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ )
. وصححه الألباني في “صحيح أبي داود” .
وقد روى الحاكم (1864) عن سعد رضي الله عنه قال : كنا جلوسا عند النبي صلى الله
عليه وسلم فقال : ( ألا أخبركم بشيء إذا نزل رجل منكم كرب أو بلاء من بلايا الدنيا
دعا به يفرج عنه ؟ ) فقيل له : بلى فقال : ( دعاء ذي النون : لا إله إلا أنت سبحانك
إني كنت من الظالمين ) .
صححه الألباني في “الصحيحة” (1744)
وهو في البخاري (6346) ومسلم (2730) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، ولفظه :
( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ ورب
الأرض وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ) .
فهذا ونحوه يدل بقوة على أن التسبيح يكشف الله به الكرب عن عبده المؤمن ، نبيا كان
أو غيره.
والله تعالى أعلم .
راجع لمعنى التسبيح جواب السؤال رقم : (104047)
.
ولكشف الكرب جواب السؤال رقم : (5112)
.
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
![answer](/_next/image?url=%2F_next%2Fstatic%2Fmedia%2Fanswer.91a384f1.png&w=64&q=75)
موضوعات ذات صلة