أود التأكد من صحة قصة سمعتها ، وعلى القول بضعفها هل يجوز حكايتها ؛ لأن في حكايتها أثراً طيباً في نفوس الناس ، وهل يلزمني عند حكايتها توضيح ضعفها ؟
والقصة هي :
“ثعلبة بن عبد الرحمن ، كان غلاما يتيما من الأنصار ، لا يتجاوز عمره ست عشرة سنة ، كان يكثر الجلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فأرسله يوما في حاجة له من أسواق المدينة ، فمر ببيت من بيوت الأنصار ، فنظر إلى باب البيت فإذا بباب البيت مفتوحا ، وإذا بستر مرخى على حمام ، فجاءت الريح فحركت الستر ، فإذا وراء الستر امرأة تغتسل ، فنظر إليها نظرة أو نظرتين ثم أفاق واستعظم الأمر ، وخشي من نزول آيات فيه ، وذكره مع المنافقين لهذا الذنب ، فخشي أن يرجع عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فخرج في الصحراء ما يدرون أين ذهب ، فلما تأخر عليه ثلاثة أيام أمر بعض الصحابة أن يبحثوا عنه في المدينة فلم يعثروا له على أثر ، فصبر حتى أربعين يوما ، فأمرهم أن يبحثوا عنه في الفلوات لقلقه عليه الصلاة والسلام ، فذهبوا يبحثون عنه ، فوقفوا على جماعة من البدو ، فوصفوه لهم فقال البدو : لعلكم تبحثون عن الفتى البكاء ؟ فقالوا : أين هو ؟ قالوا : على سفح هذا الجبل ، ينزل آخر النهار فاختبئوا له واحتملوه إلى بيته ؛ لأنه كان متعبا من شدة البكاء ، وذهب إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، فسأله ثعلبة عن نزول آيات فيه ؟ قال : لا . فاشتد مرض ثعلبة ، والنبي جالس بجنبه حتى مات رضي الله عنه ، فصلوا عليه وهم في الجنازة ليدفنوه كان النبي صلى الله عليه وسلم يمشي على أطراف قدميه ، فسأله عمر عن ذلك ، فقال : ويحك يا عمر والله ما أجد لقدمي موضعا من كثرة ما يزاحمني عليه من الملائكة” .
قصة ثعلبة الذي رأى امرأة تغتسل فمات من خوف الله
السؤال: 145797
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
القصة المذكورة في السؤال مختصرة من قصة مطولة ، تُروى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال :
إن فتى من الأنصار يقال له ثعلبة بن عبد الرحمن أسلم ، فكان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ، بعثه في حاجة ، فمر بباب رجل من الأنصار ، فرأى امرأة الأنصاري تغتسل ، فكرر النظر إليها ، وخاف أن ينزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرج هاربا على وجهه ، فأتى جبالا بين مكة والمدينة فولجها ، ففقده رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوما ، وهي الأيام التي قالوا ودعه ربه وقلى ، ثم إن جبريل عليه السلام نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا محمد ! إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول : إن الهارب من أمتك بين هذه الجبال يتعوذ بي من ناري . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عمر ويا سلمان ! انطلقا فأتياني بثعلبة بن عبد الرحمن ، فخرجا في أنقاب المدينة ، فلقيهما راع من رعاء المدينة يقال له : ذفافة . فقال له عمر : يا ذفافة ! هل لك علم بشاب بين هذه الجبال ؟ فقال له ذفافة لعلك تريد الهارب من جهنم ؟ فقال له عمر : وما علمك أنه هارب من جهنم ؟ قال : لأنه إذا كان جوف الليل خرج علينا من هذه الجبال واضعا يده على رأسه وهو يقول : يا ليتك قبضت روحي في الأرواح ، وجسدي في الأجساد ولم تجردني في فصل القضاء . قال عمر : إياه نريد . قال : فانطلق بهم رفاقة ، فلما كان في جوف الليل خرج عليهم من بين تلك الجبال واضعا يده على أم رأسه وهو يقول : يا ليتك قبضت روحي في الأرواح ، وجسدي في الأجساد ، ولم تجردني لفصل القضاء . قال : فعدا عليه عمر فاحتضنه فقال : الأمان الخلاص من النار . فقال له عمر : أنا عمر بن الخطاب . فقال : يا عمر ! هل علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذنبي ؟ قال : لا علم لي إلا أنه ذكرك بالأمس فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم . يا عمر ! لا تدخلني عليه إلا وهو يصلي ، وبلال يقول : قد قامت الصلاة . قال : أفعل . فأقبلا به إلى المدينة ، فوافقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في صلاة الغداة ، فبدر عمر وسلمان الصف ، فما سمع قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خر مغشيا عليه ، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا عمر ويا سلمان ! ما فعل ثعلبة بن عبد الرحمن ؟ قالا : هو ذا يا رسول الله . فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما فقال : ثعلبة ! قال : لبيك يا رسول الله ! فنظر إليه فقال : ما غيَّبك عني ؟ قال : ذنبي يا رسول الله . قال : أفلا أدلك على آية تكفر الذنوب والخطايا ؟ قال : بلى يا رسول الله ! قال : قل : اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . قال : ذنبي أعظم يا رسول الله ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل كلام الله أعظم . ثم أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالانصراف إلى منزله . فمرض ثمانية أيام ، فجاء سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ! هل لك في ثعلبة نأته لما به ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قوموا بنا إليه . فلما دخل عليه أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه فوضعه في حجره ، فأزال رأسه عن حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : لم أزلت رأسك عن حجري ؟ قال : إنه من الذنوب ملآن . قال : ما تجد ؟ قال : أجد مثل دبيب النمل بين جلدي وعظمي . قال : فما تشتهي ؟ قال : مغفرة ربي . قال : فنزل جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول : لو أن عبدي هذا لقيني بقراب الأرض خطيئة لقيته بقرابها مغفرة . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفلا أعلمه ذلك ؟ قال : بلى . فأعلَمَه رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك . فصاح صيحة فمات . فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بغسله وكفنه وصلى عليه ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي على أطراف أنامله ، فقالوا : يا رسول الله ! رأيناك تمشي على أطراف أناملك ؟ قال : والذي بعثني بالحق نبيا ما قَدِرت أن أضع رجلي على الأرض من كثرة أجنحة مَن نزل لتشييعه من الملائكة .
رواه أبو نعيم في “حلية الأولياء” (9/329-331) وفي “معرفة الصحابة” (1/498) – ومن طريقه ابن الجوزي في “الموضوعات” (3/121) .
ورواه الخرائطي في “اعتلال القلوب” (272) ، ومن طريقه ابن قدامة في “التوابين” (105-108).
ورواه أبو عبد الرحمن السلمي في “طبقات الصوفية” (ص/51) .
وابن مندة مختصرا – كما في ” الإصابة ” لابن حجر (1/405) -:
جميعهم من طريق : سليم بن منصور بن عمار ، ثنا أبي ، عن المنكدر بن محمد بن المنكدر ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما…فذكر القصة .
إلا أن رواية الخرائطي ليس فيها ذكر قوله تعالى : (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى).
وهذا الحديث ضعيف ، فيه عدة علل :
أولا : سليم بن منصور بن عمار لم يوثقه أحد من أهل العلم توثيقا صريحا .
قال ابن أبي حاتم رحمه الله :
“روى عنه أبي ، وسألته عنه فقلت : أهل بغداد يتكلمون فيه ؟ فقال : مه ، سألت ابن أبى الثلج عنه فقلت له : إنهم يقولون : كتب عن ابن علية وهو صغير ؟ فقال : لا ، كان هو أسن منا” انتهى .
“الجرح والتعديل” (4/216) .
وقال الذهبي رحمه الله :
“تُكُلِّم فيه ولم يُتْرَك” انتهى .
“المغني في الضعفاء” (1/285) .
وقد ذكر بعض أهل العلم أنَّ له متابعا ، ولكنها متابعة ضعيفة أيضا .
قال ابن عراق رحمه الله :
“سُليم توبع ، فقد رواه عثمان بن عمر الدراج في جزئه فقال : حدثنا أبو نصر أحمد بن محمد بن هشام الطالقاني ، حدثني جدي ، حدثنا منصور بن عمار . وهذا الطالقاني ما عرفته” انتهى .
“تنزيه الشريعة” (1/349) .
ثانيا : منصور بن عمار الواعظ .
كان إليه المنتهى في بلاغة الوعظ ، وترقيق القلوب ، وتحريك الهمم ، وعظ ببغداد والشام ومصر ، وبعد صيته واشتهر اسمه .
قال أبو حاتم : ليس بالقوي . وقال ابن عدي : منكر الحديث . وقال العقيلي : فيه تجهم . وقال الدارقطني : يروي عن الضعفاء أحاديث لا يتابع عليها .
انظر: “ميزان الاعتدال” (4/187-188) .
ثالثا : المنكدر بن محمد بن المنكدر
قال ابن عيينة : لم يكن بالحافظ . وعن يحيى بن معين : ليس بشيء . وقال مرة : ليس به بأس . وقال أبو زرعة : ليس بالقوي . وقال أبو حاتم : كان رجلا لا يفهم الحديث ، وكان كثير الخطأ ، لم يكن بالحافظ لحديث أبيه . وقال الجوزجاني والنسائي : ضعيف . ولخص الحافظ ابن حجر في “التقريب” الحكم عليه فقال : لين الحديث .
انظر: “تهذيب التهذيب” (10/318) .
رابعا : وفي الحديث علة في المتن أيضا :
فالآية المذكورة في الحديث : (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) الضحى/3 ، نزلت في مكة قبل الهجرة ، وفي هذا الحديث ما يدل على نزولها في المدينة بعد الهجرة ، وهذه مخالفة منكرة .
وقد حكم عليه ابن الجوزي رحمه الله بأنه موضوع فقال :
“هذا حديث موضوع شديد البرودة ، ولقد فضح نفسه من وضعه بقوله : (وذلك حين نزل عليه : مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) وهذا إنما أنزل عليه بمكة بلا خلاف ، وليس في الصحابة من اسمه ذفافة ، وقد اجتمع في إسناده جماعة ضعفاء ، منهم : المنكدر ، قال يحيى : ليس بشيء . وقال ابن حبان : كان يأتي بالشيء توهما ، فبطل الاحتجاج بأخباره . ومنهم : سليم بن منصور ، فإنهم قد تكلموا فيه” انتهى .
“الموضوعات” (3/123) ، ووافقه السيوطي في “اللآلئ المصنوعة” (1/416) .
وقال ابن الأثير رحمه الله :
“فيه نظر غير إسناده ، فإن قوله تعالى : (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) نزلت في أول الإسلام والوحي والنبي بمكة ، والحديث في ذلك صحيح ، وهذه القصة كانت بعد الهجرة فلا يجتمعان” انتهى .
“أسد الغابة” (1/358) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
“قال ابن مندة – بعد أن رواه مختصرا – : تفرد به منصور . قلت – أي الحافظ ابن حجر – : وفيه ضعف ، وشيخه أضعف منه ، وفي السياق ما يدل على وهن الخبر ؛ لأن نزول (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) كان قبل الهجرة بلا خلاف” انتهى .
“الإصابة” (1/405)، ونقله السخاوي وأقره في “التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة” (152).
والحاصل : أن هذه القصة سندها مسلسل بالضعفاء ، وفي متنها ما يدل على نكارتها ، فلا يجوز روايتها ولا التحديث بها إلا مع بيان ضعفها ، وكونها تتعلق بالرقائق لا يجيز التساهل في شأنها ، لأن إسنادها شديد الضعف ، وقد اشترط العلماء الذين أجازوا رواية الحديث الضعيف في أبواب الرقائق ألا يكون شديد الضعف ، وليس فيه ما يستنكر .
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم (44877) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة