0 / 0

قصة ثعلبة الذي رأى امرأة تغتسل فمات من خوف الله

السؤال: 145797

أود التأكد من صحة قصة سمعتها ، وعلى القول بضعفها هل يجوز حكايتها ؛ لأن في حكايتها أثراً طيباً في نفوس الناس ، وهل يلزمني عند حكايتها توضيح ضعفها ؟
والقصة هي :
“ثعلبة بن عبد الرحمن ، كان غلاما يتيما من الأنصار ، لا يتجاوز عمره ست عشرة سنة ، كان يكثر الجلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فأرسله يوما في حاجة له من أسواق المدينة ، فمر ببيت من بيوت الأنصار ، فنظر إلى باب البيت فإذا بباب البيت مفتوحا ، وإذا بستر مرخى على حمام ، فجاءت الريح فحركت الستر ، فإذا وراء الستر امرأة تغتسل ، فنظر إليها نظرة أو نظرتين ثم أفاق واستعظم الأمر ، وخشي من نزول آيات فيه ، وذكره مع المنافقين لهذا الذنب ، فخشي أن يرجع عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فخرج في الصحراء ما يدرون أين ذهب ، فلما تأخر عليه ثلاثة أيام أمر بعض الصحابة أن يبحثوا عنه في المدينة فلم يعثروا له على أثر ، فصبر حتى أربعين يوما ، فأمرهم أن يبحثوا عنه في الفلوات لقلقه عليه الصلاة والسلام ، فذهبوا يبحثون عنه ، فوقفوا على جماعة من البدو ، فوصفوه لهم فقال البدو : لعلكم تبحثون عن الفتى البكاء ؟ فقالوا : أين هو ؟ قالوا : على سفح هذا الجبل ، ينزل آخر النهار فاختبئوا له واحتملوه إلى بيته ؛ لأنه كان متعبا من شدة البكاء ، وذهب إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، فسأله ثعلبة عن نزول آيات فيه ؟ قال : لا . فاشتد مرض ثعلبة ، والنبي جالس بجنبه حتى مات رضي الله عنه ، فصلوا عليه وهم في الجنازة ليدفنوه كان النبي صلى الله عليه وسلم يمشي على أطراف قدميه ، فسأله عمر عن ذلك ، فقال : ويحك يا عمر والله ما أجد لقدمي موضعا من كثرة ما يزاحمني عليه من الملائكة” .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

القصة المذكورة في السؤال مختصرة من قصة مطولة ، تُروى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال :

إن فتى من الأنصار يقال له ثعلبة بن عبد الرحمن أسلم ، فكان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ، بعثه في حاجة ، فمر بباب رجل من الأنصار ، فرأى امرأة الأنصاري تغتسل ، فكرر النظر إليها ، وخاف أن ينزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرج هاربا على وجهه ، فأتى جبالا بين مكة والمدينة فولجها ، ففقده رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوما ، وهي الأيام التي قالوا ودعه ربه وقلى ، ثم إن جبريل عليه السلام نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا محمد ! إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول : إن الهارب من أمتك بين هذه الجبال يتعوذ بي من ناري . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عمر ويا سلمان ! انطلقا فأتياني بثعلبة بن عبد الرحمن ، فخرجا في أنقاب المدينة ، فلقيهما راع من رعاء المدينة يقال له : ذفافة . فقال له عمر : يا ذفافة ! هل لك علم بشاب بين هذه الجبال ؟ فقال له ذفافة لعلك تريد الهارب من جهنم ؟ فقال له عمر : وما علمك أنه هارب من جهنم ؟ قال : لأنه إذا كان جوف الليل خرج علينا من هذه الجبال واضعا يده على رأسه وهو يقول : يا ليتك قبضت روحي في الأرواح ، وجسدي في الأجساد ولم تجردني في فصل القضاء . قال عمر : إياه نريد . قال : فانطلق بهم رفاقة ، فلما كان في جوف الليل خرج عليهم من بين تلك الجبال واضعا يده على أم رأسه وهو يقول : يا ليتك قبضت روحي في الأرواح ، وجسدي في الأجساد ، ولم تجردني لفصل القضاء . قال : فعدا عليه عمر فاحتضنه فقال : الأمان الخلاص من النار . فقال له عمر : أنا عمر بن الخطاب . فقال : يا عمر ! هل علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذنبي ؟ قال : لا علم لي إلا أنه ذكرك بالأمس فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم . يا عمر ! لا تدخلني عليه إلا وهو يصلي ، وبلال يقول : قد قامت الصلاة . قال : أفعل . فأقبلا به إلى المدينة ، فوافقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في صلاة الغداة ، فبدر عمر وسلمان الصف ، فما سمع قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خر مغشيا عليه ، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا عمر ويا سلمان ! ما فعل ثعلبة بن عبد الرحمن ؟ قالا : هو ذا يا رسول الله . فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما فقال : ثعلبة ! قال : لبيك يا رسول الله ! فنظر إليه فقال : ما غيَّبك عني ؟ قال : ذنبي يا رسول الله . قال : أفلا أدلك على آية تكفر الذنوب والخطايا ؟ قال : بلى يا رسول الله ! قال : قل : اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . قال : ذنبي أعظم يا رسول الله ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل كلام الله أعظم . ثم أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالانصراف إلى منزله . فمرض ثمانية أيام ، فجاء سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ! هل لك في ثعلبة نأته لما به ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قوموا بنا إليه . فلما دخل عليه أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه فوضعه في حجره ، فأزال رأسه عن حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : لم أزلت رأسك عن حجري ؟ قال : إنه من الذنوب ملآن . قال : ما تجد ؟ قال : أجد مثل دبيب النمل بين جلدي وعظمي . قال : فما تشتهي ؟ قال : مغفرة ربي . قال : فنزل جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول : لو أن عبدي هذا لقيني بقراب الأرض خطيئة لقيته بقرابها مغفرة . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفلا أعلمه ذلك ؟ قال : بلى . فأعلَمَه رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك . فصاح صيحة فمات . فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بغسله وكفنه وصلى عليه ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي على أطراف أنامله ، فقالوا : يا رسول الله ! رأيناك تمشي على أطراف أناملك ؟ قال : والذي بعثني بالحق نبيا ما قَدِرت أن أضع رجلي على الأرض من كثرة أجنحة مَن نزل لتشييعه من الملائكة .

رواه أبو نعيم في “حلية الأولياء” (9/329-331) وفي “معرفة الصحابة” (1/498) – ومن طريقه ابن الجوزي في “الموضوعات” (3/121) .

ورواه الخرائطي في “اعتلال القلوب” (272) ، ومن طريقه ابن قدامة في “التوابين” (105-108).

ورواه أبو عبد الرحمن السلمي في “طبقات الصوفية” (ص/51) .

وابن مندة مختصرا – كما في ” الإصابة ” لابن حجر (1/405) -:

جميعهم من طريق : سليم بن منصور بن عمار ، ثنا أبي ، عن المنكدر بن محمد بن المنكدر ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما…فذكر القصة .

إلا أن رواية الخرائطي ليس فيها ذكر قوله تعالى : (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى).

وهذا الحديث ضعيف ، فيه عدة علل :

أولا : سليم بن منصور بن عمار لم يوثقه أحد من أهل العلم توثيقا صريحا .

قال ابن أبي حاتم رحمه الله :

“روى عنه أبي ، وسألته عنه فقلت : أهل بغداد يتكلمون فيه ؟ فقال : مه ، سألت ابن أبى الثلج عنه فقلت له : إنهم يقولون : كتب عن ابن علية وهو صغير ؟ فقال : لا ، كان هو أسن منا” انتهى .

“الجرح والتعديل” (4/216) .

وقال الذهبي رحمه الله :

“تُكُلِّم فيه ولم يُتْرَك” انتهى .

“المغني في الضعفاء” (1/285) .

وقد ذكر بعض أهل العلم أنَّ له متابعا ، ولكنها متابعة ضعيفة أيضا .

قال ابن عراق رحمه الله :

“سُليم توبع ، فقد رواه عثمان بن عمر الدراج في جزئه فقال : حدثنا أبو نصر أحمد بن محمد بن هشام الطالقاني ، حدثني جدي ، حدثنا منصور بن عمار . وهذا الطالقاني ما عرفته” انتهى .

“تنزيه الشريعة” (1/349) .

ثانيا : منصور بن عمار الواعظ .

كان إليه المنتهى في بلاغة الوعظ ، وترقيق القلوب ، وتحريك الهمم ، وعظ ببغداد والشام ومصر ، وبعد صيته واشتهر اسمه .

قال أبو حاتم : ليس بالقوي . وقال ابن عدي : منكر الحديث . وقال العقيلي : فيه تجهم . وقال الدارقطني : يروي عن الضعفاء أحاديث لا يتابع عليها .

انظر: “ميزان الاعتدال” (4/187-188) .

ثالثا : المنكدر بن محمد بن المنكدر

قال ابن عيينة : لم يكن بالحافظ . وعن يحيى بن معين : ليس بشيء . وقال مرة : ليس به بأس . وقال أبو زرعة : ليس بالقوي . وقال أبو حاتم : كان رجلا لا يفهم الحديث ، وكان كثير الخطأ ، لم يكن بالحافظ لحديث أبيه . وقال الجوزجاني والنسائي : ضعيف . ولخص الحافظ ابن حجر في “التقريب” الحكم عليه فقال : لين الحديث .

انظر: “تهذيب التهذيب” (10/318) .

رابعا : وفي الحديث علة في المتن أيضا :

فالآية المذكورة في الحديث : (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) الضحى/3 ، نزلت في مكة قبل الهجرة ، وفي هذا الحديث ما يدل على نزولها في المدينة بعد الهجرة ، وهذه مخالفة منكرة .

وقد حكم عليه ابن الجوزي رحمه الله بأنه موضوع فقال :

“هذا حديث موضوع شديد البرودة ، ولقد فضح نفسه من وضعه بقوله : (وذلك حين نزل عليه : مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) وهذا إنما أنزل عليه بمكة بلا خلاف ، وليس في الصحابة من اسمه ذفافة ، وقد اجتمع في إسناده جماعة ضعفاء ، منهم : المنكدر ، قال يحيى : ليس بشيء . وقال ابن حبان : كان يأتي بالشيء توهما ، فبطل الاحتجاج بأخباره . ومنهم : سليم بن منصور ، فإنهم قد تكلموا فيه” انتهى .

“الموضوعات” (3/123) ، ووافقه السيوطي في “اللآلئ المصنوعة” (1/416) .

وقال ابن الأثير رحمه الله :

“فيه نظر غير إسناده ، فإن قوله تعالى : (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) نزلت في أول الإسلام والوحي والنبي بمكة ، والحديث في ذلك صحيح ، وهذه القصة كانت بعد الهجرة فلا يجتمعان” انتهى .

“أسد الغابة” (1/358) .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

“قال ابن مندة – بعد أن رواه مختصرا – : تفرد به منصور . قلت – أي الحافظ ابن حجر – : وفيه ضعف ، وشيخه أضعف منه ، وفي السياق ما يدل على وهن الخبر ؛ لأن نزول (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) كان قبل الهجرة بلا خلاف” انتهى .

“الإصابة” (1/405)، ونقله السخاوي وأقره في “التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة” (152).

والحاصل : أن هذه القصة سندها مسلسل بالضعفاء ، وفي متنها ما يدل على نكارتها ، فلا يجوز روايتها ولا التحديث بها إلا مع بيان ضعفها ، وكونها تتعلق بالرقائق لا يجيز التساهل في شأنها ، لأن إسنادها شديد الضعف ، وقد اشترط العلماء الذين أجازوا رواية الحديث الضعيف في أبواب الرقائق ألا يكون شديد الضعف ، وليس فيه ما يستنكر .

وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم (44877) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android