0 / 0

الحكمة من خلق الملائكة ، والفرق بين هداية التوفيق وهداية الإرشاد

السؤال: 146216

ما الحكمة من خلق الملائكة ؟ هل خُلقوا لا لشيء سوى متعة الخلق أم للاختبار والتمحيص ؟.
وهل عندما خلق الله إبليس كان يعرف نهايته ومستقبله في الأرض ؟ وهل لم يستطع الله خلق إبليس على الهدى الذي أراده له ؟.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:
لا يتم إيمان المسلم حتى يثبت لربه تعالى ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات والأفعال ، وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم كذلك ، ومما ثبت لله تعالى من الأسماء ” الحكيم ” ، ومما ثبت له من الصفات ” الحكمة ” ، فلم يخلق الله تعالى خلقاً إلا لحكمة ، ولم يشرع شرعاً إلا لحكمة ، وليس بالضرورة أن تصل عقول العباد إلى تلك الحكم دائما ، بل قد يبين الله تعالى لعباده بعض تلك الحكم ، وقد يستر عنهم بعضهم ، محنة لهم ، واختبارا لعبودئتهم وتسليمهم لربهم .

ثانياً:
قدر الله تعالى أن يخلق الملائكة ، ولا شهوة لهم إلى المعصية ، بل همتهم مصروفة بالكلية إلى طاعة رب العالمين ؛ فليس لهم في الدنيا اختبار ولا ابتلاء ، ولا عليهم في الآخرة حساب ولا جزاء .
قال ابن القيم – رحمه الله – :
فإن الله سبحانه خلق خلقَه أطواراً ، فخلق الملائكة عقولاً لا شهوات لها ولا طبيعة تتقاضى منها خلاف ما يراد من مادة نورية لا تقتضي شيئاً من الآثار والطبائع المذمومة ، وخلق الحيوانات ذوات شهوات لا عقول لها ، وخلق الثقلين الجن والإنس وركب فيهم العقول والشهوات والطبائع المختلفة لآثارمختلفة بحسب موادها وصورها وتركيبها ، وهؤلاء هم أهل الامتحان والابتلاء ، وهم المعرضون للثواب والعقاب ، ولو شاء سبحانه لجعل خلقه على طبيعة خلق واحد ولم يفاوت بينهم ، لكن ما فعله سبحانه هو محض الحكمة ، وموجب الربوبية ، ومقتضى الإلهية .
” طريق الهجرتين ” ( ص 203 ) .

ثالثاً:
الملائكة الكرام خلقٌ من خلق الله تعالى ، عبادٌ مكرمون ، لا يعصون الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يُؤمرون ، يكلفهم ربهم تعالى بما يشاء ، وإذا علمتَ تلك الوظائف والأعمال التي يقوم بها أولئك الخلق الكرام فهي الحكمة من خلقهم ، ومجمل هذه الأعمال والوظائف ثلاثة :

الأولى : عبادة الله تعالى ، وتمجيده ، وتعظيمه ، وتسبيحه .
قال تعالى : ( يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ ) الأنبياء/ 20 ، وقال تعالى – على لسان الملائكة الكرام – : ( وَإنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ . وَإِنّا لَنَحْنُ المُسَبِّحُونَ ) الصافات/ 165 ، 166 .
عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ ، أَطَّتْ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ ) .
رواه الترمذي ( 2312 ) وابن ماجه ( 4190 ) ، وحسَّنه الألباني في ” صحيح الترمذي ” .
وانظر شرح الحديث في جواب السؤال رقم (131516 ) .

الثانية : القيام بأمر خلق الله تعالى وملكوته تعالى بإذن ربهم وتكليفه .
فمن الملائكة مكلفون بحمل العرش وعددهم ثمانية ، ومنهم مكلفون بتبليغ الوحي ، ومنهم خزنة الجنة ، ومنهم خزنة النار ، ومنهم ملائكة الأرزاق ، وهكذا في سلسلة أعمال جليلة كلفهم بها الرب سبحانه وتعالى .

الثالثة : القيام بأمر بني آدم بإذن ربهم وتكليفه .
فمن الملائكة من يحرس بني آدم ، ومنهم من يسجل أعمال بني آدم ، ومنهم مكلفون بقبض الأرواح ، ومنهم المكلف بسؤال الميت في قبره ، والمستغفر للمؤمنين ، وهكذا في سلسلة أعمال جليلة تتعلق بابن آدم .
وانظر جواب السؤال رقم ( 14610 ) ، ويمكن أن يراجع تفاصيل ما يتعلق بالملائكة في كتاب “عالم الملائكة الأبرار” للشيخ الدكتور عمر سليمان الأشقر ، حفظه الله ، وهو كتاب مهم جامع في بابه .

رابعاً:
وأما قولك ” وهل عندما خلق الله إبليس كان يعرف نهايته ومستقبله في الأرض ؟ ” ؛ فاعلم ـ أولاً ـ أنه لا يصح إسلام العبد إلا أن يؤمن أن الله تعالى يعلم ما كان وما يكون ، وما لم يكن لو كان كيف يكون ؟ وأن من تشكك في شيء من ذلك : فهو كافر بالله العظيم .
ألست تقرأ قول الله تعالى ( عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) سبأ/ 3 ، وقوله تعالى ( لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ) الطلاق/ 12 ، وقوله ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ) المجادلة/ 7 ، وقوله ( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) الحديد/ 3 ؟! فأين أنت عن هذه الآيات ومئات مثلها ، ومئات من الأحاديث ؟! .

خامساً:
أما قولك ” وهل لم يستطع الله خلق إبليس على الهدى الذي أراده له ؟ ” : فهذا أيضاً منك عجيب ، فإن كنتَ مسلماً فكيف آمنتَ برب عاجز ؟ وكيف آمنت – إذاً – بربٍّ خلق الملائكة عباداً طائعين فكان ما أراد الله تعالى منهم ؟ .
وقد ذكرنا لك في أول الجواب كيف اختلف خلق إبليس وآدم عن خلق الملائكة ؛ بل هذا ـ أيها السائل ـ مما يرشدك إلى تمام قدرة الله جل جلاله ، وعظيم ملكه ؛ فقد خلق من خلقه من لا يعصيه طرفة عين ، بل هو طائع له أبدا ، وهم الملائكة ، وخلق من لا يطيع أمره أبدا ،بل هو عاص له ، كافر به ، معاند لأمره ؛ وهم الشياطين ؛ وخلق من جمع بين الوصفين : الإيمان والكفر ، والطاعة والمعصية ، وهم بنو آدم . والكل خلق الله ، لو شاء لجعلهم على ملة واحدة ، وخلقة واحدة ، ودين واحد ، لكن حكمته وقدرته اقتضت ذلك ، وهو المحمود على كل فعله ، وكل قوله ، وكل خلقه سبحانه : ( لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) الأنبياء/23 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” وَهُوَ سُبْحَانَهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ، وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ ، وَلَهُ فِيمَا خَلَقَهُ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ ، وَنِعْمَةٌ سَابِغَةٌ ، وَرَحْمَةٌ عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ ؛ وَهُوَ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ، لَا لِمُجَرَّدِ قُدْرَتِهِ وَقَهْرِهِ ؛ بَلْ لِكَمَالِ عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ ، وَرَحْمَتِهِ وَحِكْمَتِهِ ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (8/79) .

سادساً:
اعلم أن كل من ضلَّ عن سواء السبيل فقد جاءه الهدى ، لكنه هو الذي أباه واستكبر عن اتباعه ، فهداية الدلالة والإرشاد قد وصلتهم ، وأقام بها الله تعالى الحجة عليهم ، لكنهم أبوا الانقياد لها واتباعها ، فحصل منهم الضلال ، فعمت هدايته وبيانه للخلق ، وقامت عليهم حجيته سبحانه ، كما قال سبحانه : ( قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ) الأنعام/149 .
قال ابن القيم رحمه الله :
” فأخبر سبحانه أن الحجة له عليهم برسله وكتبه ، وبيان ما ينفعهم ويضرهم ، وتمكنهم من الإيمان بمعرفة أوامره ونواهيه ، وأعطاهم الأسماع والأبصار والعقول ، فثبتت حجته البالغة عليهم بذلك ، واضمحلت حجتهم الباطلة عليه بمشيئته وقضائه ، ثم قرر تمام الحجة بقوله : ( فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ) ؛ فإن هذا يتضمن أنه المتفرد بالربوبية والملك والتصرف في خلقه ، وأنه لا رب غيره ، ولا إله سواه ؛ فكيف يعبدون معه إلها غيره ؟! فإثبات القدر والمشيئة من تمام حجته البالغة عليهم ، وأن الأمر كله لله ، وأن كل شيء ما خلا الله باطل ؛ فالقضاء والقدر والمشيئة النافذة من أعظم أدلة التوحيد ، فجعلها الظالمون الجاحدون حجة لهم على الشرك ، فكانت حجة الله هي البالغة ، وحجتهم هي الداحضة وبالله التوفيق ” انتهى .
“شفاء العليل” (35) .

ونوصيك أيها السائل بطلب العلم الشرعي ، ومعرفة ما ينفعك في دينك وقربك من ربك عزَّ وجل ، وابذل وقتك في حفظ القرآن وأكثر من النظر في أحاديث نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، واطلع على تراجم سلف هذه الأمة وعلمائها ، وسترى – بإذن الله – خيراً كثيراً ، فساعات العمر أنفس من أن نضيعها فيما لا نفع فيه ، والعمر محدود أن نفرط فيه فيما قد يضرنا يوم نلقى ربنا تعالى .
وأعظم ما نوصيك أن تكثر مع ذلك كله من ذكر الله تعالى آناء الليل وأطراف النهار ، وأن تجتهد في طاعته ، فإن الشيطان وسواس خناس ، إذا ذكرت الله خنس ، وضعف عنك ، وإذا غفلت عن ذكره برز إليك ، وشغلك بالوساوس والخطرات .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android